أخبارعين العقل

من أمن العقاب أساء الأدب

بقلم: الاستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي

حين أجالس صديقي خالد بوريطة، ذلك الرجل الذي يجمع بين الحكمة والمعرفة، والمترفّع عن الصغائر بسماحته وابتسامته التي لا تفارقه، أجد نفسي في حضرة عقل سياسي بارع يثري حديثه بنقاشات عميقة حول السياسة الدولية وتحولات الاقتصاد العالمي. يعرف قادة الدول، يسرد نشأتها بأدق التواريخ، ويحلل أسباب الصراعات كأنه يقرأ من كتاب مفتوح. أصغي إليه وكأنني أراجع معه مواد الدراسات العليا في القانون العام، مستمتعًا بفيض معرفته ورصانة منطقه.

في إحدى الجلسات، استوقفتني حكمة بالغة جرت على لسان عبد الله بن المقفع: “من أمن العقاب أساء الأدب”. تأملت فيها مليًّا، فإذا بها تحمل في طياتها سرًّا من أسرار استقامة المجتمعات وصلاح الأمم. فحين يُطمس مبدأ الردع، ويسود الإحساس الزائف بالأمان، يندفع الحمقى إلى تجاوز الخطوط الحمراء، متوهّمين أنهم بمنأى عن العواقب، فتزلّ بهم الأقدام، ويفتح لهم مرستان المجانين بابه مشرعًا دون أن يدركوا أن التهور طريق الضياع.

القوانين لم توضع عبثًا، بل صيغت بعناية لتكون الحارس الأمين للحقوق، والسياج الحصين ضد الفوضى. فمن اعتقد أنه فوق المحاسبة، وجعل من منصبه أو جاهه درعًا يحميه من العواقب، فقد أساء التقدير قبل أن يسيء الأدب، إذ لا حصانة للمخطئ حين يأتي أوان الحساب.

وتذكرت حينها صاحب الأختام ورئيسه، أمين الحنطة، وقد ظنّا أن هيبتهما تتيح لهما تجاوز حدود الاحترام، فأساؤوا الأدب مع المقام العالي، واستخفوا بموازين الهيبة والمقام، متباهين بترهاتهم. فجاءهم الرد في صلاة العيد، حين خرّت ركبتا أحدهما في موقف مهين، وحُوصر الآخر فلم يستطع السجود لله، فإذا به يصبح عبرةً تتناقلها الألسن، وحديث العامة والخاصة.

فالتاريخ لا يرحم المغترّين، والعدل ميزان لا يختل، ومن يلعب بالنار لا بد أن يكتوي بلهيبها. وكما قال صديقي خالد بوريطة، ذلك الرجل الذي وُهب حصافة العقل ورجاحة الرأي: “من يعبث بالنار، فلينتظر الاحتراق”.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button