أخبارأخبار سريعةإفريقياجهات المملكة

الداتي في الصحراء… والجزائر تندد وتندد ثم تندد ثم ماذا بعد؟

يبدو أن الدبلوماسية الجزائرية دخلت مرة أخرى في نوبة من “التنديد والتنديد ثم التنديد”، بعد أن اكتشفت –ويا للمفاجأة!– أن فرنسا ليست على نفس الموجة فيما يخص الصحراء المغربية.
بيان وزارة الخارجية الجزائرية هذه المرة جاء غاضبًا ومزلزلًا، وكأن الزيارة التي قام بها عضو من الحكومة الفرنسية إلى الصحراء المغربية كانت صاعقة نزلت من السماء، رغم أن الجميع يعلم أن باريس تمارس سياسة اللعب على الحبلين منذ سنوات.

دعونا نكون واقعيين: متى كانت فرنسا طرفًا نزيهًا في قضايا شمال إفريقيا؟ هل كان المسؤولون الجزائريون يتوقعون أن يستيقظ ماكرون ذات صباح ليعلن اعترافه بـ”حق تقرير المصير” في الصحراء المغربية، وهو الذي بالكاد يعترف بتاريخ بلاده الاستعماري في الجزائر نفسها؟ أم أنهم كانوا يعتقدون أن فرنسا، التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع المغرب على كل المستويات، ستتخلى عن مصالحها الإستراتيجية من أجل سواد عيون قصر المرادية؟
ففي كل مرة تقوم فيها دولة، سواء كانت فرنسا أو غيرها، بخطوة لا تروق للجزائر، يكون الرد الجزائري واضحًا: “استدعاء السفير للتشاور” أو “بيان شديد اللهجة”.
ولكن ماذا بعد؟ هل ستقاطع الجزائر فرنسا؟ هل ستوقف تصدير الغاز إليها؟ هل ستسحب استثماراتها (إن وجدت) من باريس؟ بالطبع لا، لأن الرد الرسمي الجزائري دائمًا ما ينحصر في إصدار بيانات تنديدية حماسية، سرعان ما تذوب في زحمة الأخبار السياسية.

لكن المفارقة الكبرى أن الجزائر تتهم فرنسا بالتناقض، لكنها بدورها تمارس لعبة التناقض بامتياز. فبينما تهاجم “الاستعمار الفرنسي البغيض”، تستمر الشركات الفرنسية في العمل بحرية داخل الجزائر، وتظل اللغة الفرنسية مسيطرة على التعليم والإدارة، وكأن الاستقلال مجرد شعار للاستهلاك الداخلي. أما العلاقات الاقتصادية، فهي تتواصل كأن شيئًا لم يكن، لأن الشعارات القومية شيء، والمصالح التجارية شيء آخر تمامًا.
الجزائر تعيش في دوامة من الخطابات العاطفية والتصريحات النارية، لكنها في النهاية تظل تدور في نفس الحلقة المفرغة. فبعد البيان الغاضب، ستعود الأمور إلى طبيعتها، وسيستمر التعاون الاقتصادي والدبلوماسي، وربما تُعقد لقاءات خلف الأبواب المغلقة لتلطيف الأجواء. وهكذا، تستمر المسرحية: بيان غاضب، ضجيج إعلامي، ثم صمت تام… حتى الأزمة القادمة!

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button