الحدث الافريقي- سر الختم أحمد الحاج علي-الخرطوم
قبل اشتعال حرب الخرطوم، كنا نظن أن معنى الأمن أن يحيط بك الحراس المدججون بالأسلحة والذخائر، فلا تخرج إلا وهم أمامك وخلفك، وعن يمينك وعن شمالك، فيقومون على حراستك ليلاً ونهاراً، ويردون كل من تسول له نفسه الاعتداء عليك والنيل منك!
وقبل اشتعال حرب الخرطوم، كنا نظن أن الصحة والعافية أن تظهر عليك علامات الدعة والنعيم، وأن تهنأ بوسائل الراحة والرفاهية والترفيه، وأن تستطيع العلاج في أي مستشفى أو عيادة، وأن تختار من تشاء من الأطباء داخل السودان وخارجه!
وقبل اشتعال حرب الخرطوم، كنا نظن أن الغنى أن تمتلك القصور الفخمة والسيارات الفارهة والأموال الطائلة المودعة في الخِزَن والبنوك، وأن تسافر إلى أي مكان في العالم.
وبعد اشتعال حرب الخرطوم، أدركنا أن الأمن هو أن تكون آمنا في بيتك، لا تخشى عليه من السطو أو الاحتلال، ودون أن تخاف عليه سقوط الطلقات والدانات لتخلف القتلى والجرحى من أفراد أسرتك؛ وأن تخرج من بيتك ودون أن تخاف على نفسك من النهب والاعتداء والقتل!
وبعد اشتعال حرب الخرطوم، أدركنا أن الصحة والعافية أن تكون معافى في بدنك، فلا تصاب بمرض أو جرح يحوجك للذهاب إلى المستشفيات التي توقف معظمها عن الخدمة بعد أن أصبحت في مرمى النيران، أو تحولت إلى ثكنات عسكرية!
وبعد اشتعال حرب الخرطوم، أدركنا أن أغنى الأغنياء من يستطيع تأمين طعامه وشراب عندما اضطرت الحرب أصحاب المحلات التجارية والمطاعم في الأسواق والشوارع لإغلاق أبوابها؛ خوفاً على أنفسهم وحفاظاً على محلاتهم.
جعلتنا الحرب ندرك تفاهة الدنيا التي ضخمناها أكثر مما يلزم، والتي يتنافس الناس عليها ويتقاتلون من أجلها، فرأينا بعض أصحاب القوة والمنعة والسلطة لم تغنِ عنهم قوتهم ولا منعتهم ولا سلطتهم من الهلاك،
ورأينا بعض أصحاب الأموال لم يستطيعوا حملها أو الدفاع عنها، فضلاً عن أن يشتروا بها ما شاؤوا أو يعالجوا بها أنفسهم وذويهم إذا اعتلت صحتهم أو أصيبوا بطلق ناري!
حينها، عايشنا حقاً وحقيقة، وأدركنا صدقاً ويقيناً معنى ومغزى حديث النبي عليه الصلاة والسلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى: (مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حِيزت لَهُ الدُّنيا) صحيح الترمذي للألباني (2346).
فهل ستجعلنا هذه المواقف والتجارب التي شاهدناها عياناً بياناً في حرب الخرطوم، تجعلنا نستشعر نعم الله عز وجل العظيمة التي لا تعد ولا تحصى، ونراجع موقفنا من شكرها واستخدامها في طاعة الله عز وجل؛ حتى يزيدنا منها ويبارك لنا فيها، أم نسترسل في غفلتنا وجحودنا للمنعم سبحانه وتعالى وعدم شكره وذكره؛ قال تبارك وتعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدࣱ)