إذا ضاق بك المكان فغادر…
رحل محمد و زوجته ووحيدتهما عائشة الى المدينة البعيدة بعد أن ضاق به المكان وتأزمت وضعيته المادية بفعل توالي سنوات القحط و الجفاف.
استقر و أسرته الصغيرة بدكان استأجره من أحد معارفه القدامى ، عمد الى تخصيص جزء منه للسكن و جزء لبقالة بيع الخضر التي كان يجلبها من البساتين المجاورة للمدينة.
تأقلم محمد و زوجته فاطمة مع البيئة الجديدة ، و تم الحاق الصغيرة عائشة بالكتاب المجاور لمسجد الحي ، تستيقظ فاطمة باكرا، تعد الفطور و تعيد ترتيب اثاث الغرفة المبثورة الاطراف و تظفر خصلات شعر عائشة و تجرها جرا للكتاب ودموع مقلتيها تعيد غسل وجنتيها المتوردتين جراء كثرة البكاء . يذهب محمد لجلب الخضر و تقوم فاطمة بجلبابها المحتشم و نقابها المغربي الاصيل بإعادة ترتيب الخضر المعروضة للبيع كأنما تعيد حياكة زربية العيد القادم من صوف كبش العيد الماضي بالوان متناسقة.
استمرت الحياة ، ألفت عائشة الذهاب للكتاب بمفردها و تعودت فاطمة على الجمع بين العمل بجزأي المكان الغرفة و الدكان.
تيسرت أمور محمد و تحسنت وضعيته ونسي بطش القحط و شراسة الجفاف، اكترى غرفة بسطح بيت عتيق مجاور للكنيسة بالحي و استقل الدكان بعد تحريره من سطوة فاطمة ، وسع محمد من نشاطه التجاري ليشمل الفواكه الطازجة وتوقف عن الذهاب للبساتين المجاورة حيث اصبح تموينه من السوق المركزي بالمدينة.
وسعت فاطمة من علاقاتها بالحي ، كانت امرأة نشيطة ، اجتماعية بطبعها ، تفهم في امور الحياة و زادها انفتاحا تعاملها مع نسوة الأمكنة الجديدة وتبادل اطراف الحديث في قضايا المعاش اليومي وإكراهاته.
إلتحقت فاطمة بالمسجد للإستفادة من برنامج لمحو الأمية بجوار كتاب عائشة ،جرأتها وطبعها الاجتماعي المنفتح قادها للتعرف خلال حلقات الدرس و التوعية على مستفيدة تعمل بتعاونية نسوية للخياطة و الحياكة.
تقوت العلاقة بين فاطمة و الحاجة آمنة و تعززت بالزيارات المتكررة لمقر التعاونية.
التحقت عائشة بالمدرسة وانقطعت علاقاتها بالكتاب كما انقطعت علاقة امها بالمسجد الذي ظلت علاقة محمد به قائمة لأداء صلاتي الفجر و العشاء.
التحقت فاطمة كمنخرطة بالتعاونية واعادت صقل موهبتها القديمة في حياكة و نسج الزرابي التقليدية التى تعلمتها من جدتها لالة كلثوم رحمها الله.
مع مرور الزمن و سع محمد من تجارته و ضمنت فاطمة مدخولا محترما من العمل بالتعاونية وتقدمت عائشة في دراستها بتفوق.
اقتنى محمد بيتا جديدا بالسكن الاجتماعي بالحي المجاور بطلب قرض بنكي وتحسنت ظروف إقامة الاسرة واصبح لعائشة غرفة مستقلة وكدا المطبخ استقل و لم يعد المرحاض مشتركا مع الجيران.
وسع محمد تجارته لتمتد لسوق الجملة و تزويد الاسواق الاسبوعية و استفادت فاطمة من دكان بمجمع الصناعة التقليدية لعرض زرابي التعاونية وولجت عائشة كلية الطب ….
وتوالت الايام وادرك الجميع ان العيش ضيق، لكن منفرج مع فسحة الأمل و الارادة و الاصرار ….
مراكش 2020/09/16