مراكش تحتضن اجتماعًا إقليميًا ناجحًا للتحضير لمؤتمر الأمم المتحدة حول منع الجريمة

اختتمت بمدينة مراكش، أمس الجمعة، فعاليات الاجتماع الإقليمي التحضيري الهام الذي استضافته المملكة المغربية على مدى ثلاثة أيام، وذلك في إطار الاستعدادات الجارية لمؤتمر الأمم المتحدة الخامس عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، المقرر عقده في العاصمة الإماراتية أبوظبي خلال شهر أبريل من سنة 2026.
ووفقًا لبلاغ صادر عن وزارة العدل المغربية، فقد شهدت هذه المحطة التحضيرية مشاركة واسعة ومتميزة لوفود رسمية تمثل أكثر من 15 دولة، بالإضافة إلى حضور وازن لممثلي منظمات حكومية دولية وهيئات غير حكومية، مما يعكس الأهمية الدولية الكبيرة لهذا اللقاء ومخرجاته في صياغة “إعلان أبوظبي” المستقبلي.
وفي كلمته الافتتاحية، أكد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، على الأهمية البالغة التي يكتسيها مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، باعتباره أكبر محفل دولي لمناقشة قضايا العدالة وتعزيز آليات الوقاية من الجريمة. ولفت الوزير إلى أن دورة أبوظبي المقبلة ستركز بشكل أساسي على تسريع وتيرة العدالة الجنائية من أجل حماية المجتمعات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم.
من جانبها، شددت غادة والي، المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، على الضرورة الملحة للتصدي للتحديات المتنامية في مجال الجريمة المعاصرة وضمان الوصول العادل إلى العدالة لجميع الفئات المجتمعية دون استثناء.
وقد ترأس أشغال هذا الاجتماع الإقليمي المثمر، الذي تميز بزخم كبير في مستوى النقاشات وتنوع وغنى مداخلات المشاركين، السيد هشام ملاطي، مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل المغربية، الذي تم انتخابه بالإجماع رئيسًا لهذا اللقاء الهام من قبل الوفود الحاضرة.
وخلال الاجتماع، تم تناول أربعة محاور رئيسية مدرجة ضمن جدول أعمال المؤتمر الخامس عشر، وقد أسفرت المناقشات المستفيضة حول هذه المحاور عن سلسلة من التوصيات الهامة الرامية إلى تعزيز آليات العدالة الجنائية والتصدي بفعالية لأشكال الجريمة الناشئة في المنطقة.
ففي المحور الأول، الذي تناول موضوع تطوير استراتيجيات قائمة على الأدلة لمنع الجريمة، أكد المشاركون على الأهمية القصوى لبلورة نهج متخصص يتلاءم بشكل دقيق مع الاحتياجات الخاصة للفئات المستضعفة في المجتمع، مثل النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة. ودعوا إلى إحداث وحدات متخصصة ضمن منظومة العدالة الجنائية، وتطوير آليات وطنية فعالة للإحالة، وإنشاء مراكز ابتكار وطنية وإقليمية تضم نخبة من الخبراء والمتخصصين في مجالات الجريمة والمجتمع وعلم النفس والشباب والمجتمع المدني.
أما المحور الثاني، الذي ناقش سبل تعزيز نظم العدالة الجنائية التي تتمحور حول الإنسان، فقد شدد المشاركون على الضرورة الحتمية لإرساء مبدأ المساواة في الولوج إلى العدالة باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق الهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة. ومن أبرز التوصيات التي تم اعتمادها في هذا السياق: ضمان توفير المساعدة القانونية المجانية والشاملة لجميع المحتاجين، وتسريع وتيرة تعويض الضحايا، واعتماد آليات الوساطة والعدالة التصالحية كبدائل فعالة للعقوبات التقليدية، وبلورة إصلاحات قابلة للقياس من خلال وضع مؤشرات دقيقة لتقييم الأداء والنجاعة.
وفي المحور الثالث، الذي تناول موضوع مكافحة الأشكال الجديدة والناشئة للجريمة، تم تسليط الضوء بشكل خاص على التداخل المتزايد والخطير بين الجريمة المنظمة والإرهاب، بالإضافة إلى الجرائم البيئية التي تدر عائدات سنوية هائلة تفوق 300 مليار دولار أمريكي. وقد أوصى المشاركون بتبني مقاربات شمولية ومتكاملة لمكافحة هذه الأشكال المستجدة من الجريمة، وتطوير قدرات أجهزة إنفاذ القانون، وإنشاء مراكز وطنية وإقليمية متخصصة في رصد وتحليل الظواهر الإجرامية بشكل معمق، بما يُفضي إلى وضع سياسات فعالة وقائمة على الأدلة لمواجهة هذه التحديات.
فيما ركز المحور الرابع على تعزيز التعاون الدولي واستخدام التكنولوجيا بشكل مسؤول وأخلاقي في مجال العدالة الجنائية. وقد دعا المشاركون إلى تقوية التعاون الإقليمي والدولي في القضايا الجنائية المختلفة، وتشجيع الاستعمال الآمن والفعال للأدلة الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن الأطر القانونية المناسبة، مع توفير ضمانات حقوقية كافية لحماية الأفراد. كما تم التأكيد على الأهمية القصوى للإسراع في إدخال اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية، التي تم اعتمادها في شهر دجنبر من عام 2024، حيز التنفيذ العملي في أقرب وقت ممكن.
وفي سياق متصل، نظمت وزارة العدل المغربية، على هامش أشغال الاجتماع الإقليمي، فعالية جانبية هامة يوم 23 أبريل حول موضوع “تعزيز جمع وتحليل بيانات الجريمة: دور المراصد في تطوير السياسات الجنائية”، حيث تم خلالها استعراض تجربة المملكة المغربية الرائدة في إحداث وتطوير المرصد الوطني للإجرام، باعتباره آلية محورية في صياغة سياسات جنائية مستنيرة وقائمة على معطيات علمية دقيقة وموثوقة.
وقد أجمع المشاركون في هذه الجلسة الهامة على الأهمية البالغة لتوفر آليات وطنية موثوقة لجمع وتحليل ونشر بيانات الجريمة، باعتبارها أدوات حيوية لفهم الديناميات الجديدة للجريمة، وتحديد العوامل المؤثرة فيها، وتقييم مدى نجاعة تدخلات العدالة الجنائية، وتوجيه السياسات العمومية نحو تحقيق مزيد من النجاعة والفعالية في مكافحة الجريمة.
وذكر البلاغ ذاته أن التوصيات القيمة المنبثقة عن هذا الاجتماع الإقليمي الهام سيتم إدراجها ضمن وثيقة المفاوضات الحكومية الدولية الخاصة بإعلان مؤتمر أبوظبي، والتي ستنطلق في شهر شتنبر المقبل، وذلك بهدف ضمان تمثيل التحديات والأولويات الخاصة بمنطقة غرب آسيا بشكل كامل وفعال في النص النهائي للإعلان.
وفي كلمته الختامية، أعرب هشام ملاطي، رئيس الاجتماع، عن خالص شكره وتقديره لجميع الوفود المشاركة على مساهماتها القيمة والمثمرة، مؤكدًا على أن “التحديات الناشئة في مجال الجريمة والعدالة الجنائية تتطلب منا جميعًا العمل جنبًا إلى جنب لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتبادل الخبرات والممارسات الفضلى، من أجل بناء مجتمعات أكثر أمنًا وعدلاً للجميع”.