أخبارثقافة و فن

ممثلونا وأزمة تدبير الشأن المحلي

  • عبدالله العبادي

صارت الحكامة الرشيدة هدفا تصبو إليه العديد من الشعوب في تدبير شؤونها العامة، معتمدة في ذلك على منح الدولة المزيد من الصلاحيات للمنتخبين المحليين، على حساب الإدارة المركزية وهو ما يمكن تسميته بالسياسات الجهوية أو المحلية.

إلا أنه في الكثير من الحالات والجهات، لم نصل بعد لهذا المستوى من الحكامة، للعديد من الأسباب وأغلبها انسداد أفق العمل التشاركي والجماعي بين المنتخبين بحكم اختلاف التوجهات السياسية للمنتخبين في غياب تام للمصلحة العامة ومصلحة الوطن، وسيطرت العقليات القبلية والمحسوبية التي لا زالت معيارا أساسيا في اختيار والتصويت على المنتخبين. الشيء الذي ينعكس على عمل وتسيير مجالس البلديات والقرويات، إضافة إلى ذلك ضعف تكوين المنتخبين، وكذا مستواهم التعليمي، وعدم تكوينهم السياسي من طرف الأحزاب التي ينتمون لها، وهي التي لا يهمها المستوى الثقافي بقدر ما يهمها مقاعدهم الانتخابية.

فالكل يتحمل مسؤولية ما يجري داخل المجالس، من مجتمع لا يختار جيدا من يمثله، إلى أحزاب سياسية فاقدة للتأطير السياسي لمنخرطيها، والتي لم تعد تهتم بالتكوين السياسي حتى ننتج منتخبين سياسيين مكونين جيدا، يجيدون إدارة وتسيير الجماعات.

اليوم أرى أنه أصبح من اللازم، إعادة النظر في من يسير هذه المجالس التي أصبحت حلبات للملاكمة والمصارعة بعيدا عن الهدف الذي ينتظر منها، وهو خدمة الوطن والمواطن. إذ صار  تكوين المنتخب شرطا أساسا لانتخابه، وضرورة وضع شروط للترشح، منها المستوى الدراسي والعلمي، بل ولم لا وضع شرط إضافية لمن يترشح لرئاسة المجلس البلدي أو القروي، إذ يتعين عليه حيازة تخصصات معينة كالقانون، أو الاقتصاد، أو العلوم الاجتماعية والسياسية، حتى يتمكن من رئاسة المجلس بالشكل اللائق.

ففي الكثير من الحالات نجد رؤساء لا علاقة لهم بالتسيير ولا بالتنمية الإدارية والمحلية، ولا مشاريع يحملونها لتنمية المنطقة، مما يجعل دورات المجالس في الكثير من الأحيان، تدور في فلك مسدود.

وتكون البداية بالأشخاص الناخبين الذين يتحملون على عاتقهم اختيار الكفاءات الأصلح لتمثيلهم في المجالس البلدية أو القروية، ثم على من ينوون الترشح، وتمثيل المواطن، الترفع على استهداف المصالح الشخصية الضيقة أو الحزبية أو القبلية، والنظر إلى المواطن والتنمية كهدف أسمى وأوحد، وكأولوية قصوى خلال تأدية مهامهم، من خلال الوصول إلى توافق داخل الكتل المشكلة للمجلس، بعيدا عن المزايدات السياسية والحزبية.

هي فقط بعض الاقتراحات، حتى لا تتكرر بعض المشاهد العنيفة داخل المجالس، ويسود جو الحوار والنقاش للبحث عن حلول للمشاكل التي يعاني من حدتها المواطن الذي ينتظر الكثير من منتخبيه. فلما يتشاجرون بكل هذا العنف، هل من أجل الدفاع عن مصلحة المواطن؟ أم هي المصالح الشخصية والحزبية، ومصلحة التحالفات، وقيمة الكعكة التي يجب أن لا تذهب سدى؟ 

السؤال المنطقي والضروري والملح، هل بمثل هؤلاء تبنى الأوطان وتكسب رهانات التنمية؟ لا وألف لا، إنها فقط طفيليات انتخابية، تجري وراء مصالحها الشخصية الضيقة، ولا تهمها مصلحة المواطن ولا الوطن.

فالوطن أغلى بكثير في أن يختزل في منتخب أو مجلس أو حزب، إنه التاريخ العريق والجغرافيا، ودماء سالت من أجله، والوطنية الحقيقية هي أن تبذل كل ما في وسعك لخدمة هذه البقعة الجغرافية الغالية، كل من موقعه وكل واختصاصه وعمله. ليس هناك درجات لا في الوطنية ولا في الخيانة، فإما أن تكون وطنيا حرا شريفا، أو خائنا لا رجاء ولا أمل فيك.

وللوقوف على عمل المجالس المنتخبة اليوم، يجب أن يسود مفهوم التشاركية المجتمعية، وانخراط المجتمع المدني بشكل فعال في المساهمة ومراقبة التدبير المحلي وتقديم الإضافة اللازمة. مما يفضي إلى  حضور حس المصلحة العامة والشفافية في التسيير والمالية، الشيء الذي سيمكن المجتمع المدني من الوقوف على حقيقة التدبير المحلي وعلى المعيقات والمشاكل المطروحة، مما يسهل ويساهم في تطوير وبلورة  جل المشاريع التنموية وتتبع تنفيذها.

وكل من يقوم بتعطيل عجلة التنمية وتكريس التدبير العشوائي، والبحث فقط عن مصالحه، يجب أن تتخذ في حقه كل التدابير اللازمة،  لأنهم ببساطة حجرة عثرة في طريق تطور ونماء الوطن، كما يعتبر أيضا هدر للطاقات والإمكانيات  كهدر المال العام، مما يستدعى المتابعة والمحاسبة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button