
أكد باحثون ومختصون، أمس الأحد بالرباط، خلال جلسة حوارية ضمن فعاليات الشارقة ضيف شرف الدورة الثلاثين لمعرض الرباط الدولي للنشر والكتاب، أن العمارة التراثية في كل من المغرب والإمارات العربية المتحدة تتجاوز البعد الجمالي لتجسد الهوية الثقافية والاجتماعية للشعوب، وتعكس في الوقت ذاته خصوصيات البيئات المحلية وتاريخ التحولات المجتمعية عبر مختلف العصور.
وقد شارك في هذه الجلسة الحوارية الشيقة، التي حملت عنوان “جماليات العمارة التراثية الإماراتية والمغربية” وأدارتها الكاتبة الإماراتية شيخة المطيري، كل من الباحث الإماراتي حمد بن صراي والباحثة المغربية زهور كرام.
وفي مداخلتها، أوضحت زهور كرام أن العمارة التراثية المغربية تتميز بتناغم عميق يجمع بين الشكل والجوهر، مشيرة إلى أن تأثيرها امتد ليشمل العمارة المعاصرة، معبرة بذلك عن أصالة الشخصية المغربية واستمرارية تقاليدها الاجتماعية والثقافية العريقة.
كما لفتت كرام الانتباه إلى وجود تشابهات ملحوظة تجمع بين العمارة المغربية والإماراتية، وفي مقدمتها انتمائهما المشترك إلى روح العمارة الإسلامية التي ترتكز على الزخارف الهندسية الدقيقة والأشكال الرمزية ذات الدلالات العميقة.
وأكدت الباحثة المغربية أن العمارة في كلا البلدين تعكس بوضوح الهوية المجتمعية لكل من المغرب والإمارات، وتعبر عن الخصوصيات البيئية المميزة لكل مجتمع، حيث تظهر العمارة كاستجابة مباشرة وذكية لظروف المناخ والبيئة المحلية. وفي هذا السياق، استعرضت كرام الخصوصية الفريدة للزليج المغربي، باعتباره نموذجًا حيًا يدل على دقة وإتقان الحرف الفنية الراقية في المغرب.
من جهته، قدم بن صراي في مداخلته عرضًا مفصلًا لملامح العمارة التراثية في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي ارتبطت بشكل وثيق بالبحر في العديد من عناصرها وتفاصيلها. وأشار إلى أن الإنسان الإماراتي وظف التراث العمراني ببراعة للتعبير عن هويته واحتياجاته البيئية المتنوعة.
وأضاف بن صراي أن أماكن استيطان الإنسان الإماراتي تنوعت بين المناطق الصحراوية الشاسعة والجبال الشاهقة والمناطق الساحلية الممتدة، وهو ما أدى إلى تكيف العمارة المحلية بذكاء مع الظروف المناخية المختلفة ومتطلبات الحياة اليومية. وأبرز في هذا الصدد نماذج لهذا التكيف التي تجلت في أنظمة التهوية التقليدية المبتكرة، مثل الأسطح المستوية التي تتناسب مع قلة الأمطار، والنوافذ التي روعيت فيها بشكل دقيق اعتبارات الخصوصية الاجتماعية.
كما توقف الباحث الإماراتي عند العناصر الجمالية المميزة في العمارة التراثية الإماراتية، مثل الشمسيات المعمارية الأنيقة والأقواس المدببة التي تظهر بوضوح في بعض المساجد التاريخية العريقة مثل مسجد البدية.
يذكر أن إمارة الشارقة تحل هذا العام ضيف شرف على المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، وتقدم على مدار أيام المعرض برنامجًا ثقافيًا نوعيًا يضم أكثر من 50 فعالية متنوعة، تشمل جلسات فكرية معمقة، وأمسيات شعرية ساحرة، وورشات عمل تفاعلية للأطفال واليافعين، بالإضافة إلى لقاءات مهنية هامة تجمع ناشرين ومبدعين من كل من الإمارات والمغرب.
كما تشارك أكثر من 18 مؤسسة إماراتية ثقافية وأكاديمية في عرض مئات الإصدارات القيمة، وهو ما يفتح، حسب المنظمين، آفاقًا واعدة أمام فرص الترجمة المثمرة وتراخيص النشر والتوزيع المشترك بين البلدين الشقيقين. وتولي الشارقة اهتمامًا خاصًا بالجيل الناشئ في هذا الحدث الثقافي الهام، حيث تنظم بالتعاون مع المجلس الإماراتي لكتب اليافعين ومبادرة “كان يا ما كان”، العديد من الأنشطة التفاعلية التي تهدف إلى ترسيخ حب القراءة في نفوس الأطفال واليافعين والتعريف بالتراث الإماراتي الغني بلغة بصرية حديثة وجذابة.