المغرب وقطر: حين تصطدم السيادة الوطنية بمنطق النفوذ الناعم

في زمن تتقاطع فيه المصالح وتتشابك فيه التحالفات،لم تعد العلاقات بين الدول تقرأ فقط من زاوية التعاون الدبلوماسي أو التبادل الاقتصادي،بل أصبحت مرآة لصراعات أعمق تتعلق بالتصورات المتباينة للسيادة،وحدود التأثير المشروع. ومن هذا المنطلق تبرز العلاقة المغربية-القطرية كحالة خاصة تستدعي التأمل.
المغرب،بتاريخ مؤسساته العريقة ومرجعيته السياسية الثابتة،لطالما اختار نهج السيادة المتوازنة،التي تحمي استقلال قراره وتحصن خياراته من منطق الابتزاز أو الاستتباع في المقابل تبنت قطر –كما في حالات إقليمية متعددة– استراتيجية ترتكز على “الهيمنة الناعمة”،من خلال استثمار المال والإعلام والرموز الثقافية،في محاولة لصياغة نفوذ يتجاوز وزنها الجغرافي والديموغرافي.
في السنوات الأخيرة،كثفت الدوحة محاولاتها لاختراق النسيج الاقتصادي المغربي،عبر عروض استثمارية في قطاعات حساسة مثل الاتصالات، السياحة والبنى التحتية ذات الحمولة الرمزية.لكنها سرعان ما اصطدمت بواقع مختلف: المغرب ليس ساحة مفتوحة،ولا يعرض قراراته الاستراتيجية في المزاد السياسي.فقد أبان عن وعي سيادي عميق يرفض تحويل القطاعات الوطنية إلى أدوات لتوسيع النفوذ الخارجي،مهما كانت الإغراءات.
ورغم هذا الفشل،لم تراجع قطر خطابها ولا أدواتها، بل لجأت إلى تنشيط قنوات بديلة للتأثير: منابر إعلامية موجهة ،دعم لخطابات موازية،ومحاولات الاندساس في الحقول الرمزية كالدين والثقافة.لكن كل ذلك لم يحدث التأثير المطلوب، لأن المغرب،ببساطةليس دولة تخترق بـ”النعومة”،ولا تستمال بسياسات الظل.
اللافت في هذا السياق،هو إدراك بعض النخب القطرية لموقع المغرب المتقدم في خارطة العلاقات الدولية، خصوصا مع مراكز النفوذ الأمريكية، وشبكات الضغط المؤثرة،الأمر الذي يخلق نوعا من الإرباك داخل المقاربة القطرية نفسها،ويحول بعض المبادرات إلى ردود فعل لا تنتج شراكة بقدر ما تعمق التوتر الصامت.
في المقابل،تتعامل الرباط بحكمة وبرودة أعصاب.فهي لا ترى في قطر خصما ، لكنها لا تسمح لها في الوقت ذاته،بتحويل العلاقة الثنائية إلى مجال لاختبار سيادتها.ولعل النموذج الإماراتي –وما يتسم به من شراكة متزنة وتفاهم استراتيجي– يظهر الفارق في المقاربات الخليجية تجاه المملكة.
إن المغرب،بمنظومته السيادية ومكانته الجيوسياسية،يرفض منطق المساعدة المشروطة،أو الشراكة الممزوجة بالوصاية. فهو لا يشترى ولا يرغم ، ولا يفاوض على استقلاله.وهذا بالضبط ما يجب على صانعي القرار في الدوحة أن يدركوه،إن أرادوا علاقة تقوم على الاحترام لا على الإملاء،وعلى الندية لا على الاستتباع.