Hot eventsأخبارأخبار سريعةفي الصميم

عندما يغضب الحكماء وعندما يصرخ الصبيان: مقارنة بين دبلوماسية المغرب والنظام الجزائري

العالم اليوم يشهد مظاهر مختلفة من “الغضب الدبلوماسي”، وكل دولة تعبر عن بأسلوبها الخاص، لكن يبقى الفرق بين “غضب الحكماء” و”غضب الصبيان” واضحًا كما الشمس في رابعة النهار.

خذوا مثلًا المغرب، عندما يغضب، فإنه لا يصرخ في الميكروفونات، ولا يهدد ويزمجر ثم يعود كأن شيئًا لم يكن. بل يطبق المثل الشعبي العريق: “حط ليها الحجرة في الطاس”. إذا أرادت دولة ما اللعب خارج القواعد، فإن المغرب ببساطة يرفع يده عن العلاقة، يجمّد التواصل، يضغط بأدواته الناعمة، ويمسك الورقة الرابحة حتى يأتي الآخر راكضًا، نادمًا، معتذرًا، ومقرًّا بأن “الصحراء مغربية والسلام”.
هكذا فعل مع إسبانيا، وهكذا فعل مع فرنسا، وكل مرة كانت النتيجة نفسها: عودة الطرف الآخر إلى الطاولة، أكثر أدبًا، وأكثر استعدادًا لسماع الحقيقة.

أما النظام العسكري الجزائري، فهو على نهج آخر تمامًا. عندما يغضب، تجده يصعد فوق الشجرة بسرعة البرق، يصرخ من الأعلى، يهدد بقطع العلاقات، يعلن تعليق الاتفاقيات، يسحب السفراء، ويبدأ في الحديث عن “المؤامرة الكونية” و”المخططات الشيطانية”. ثم، بعد فترة، ينظر حوله، يكتشف أنه وحيد في القمة، لا أحد يهتم بتهديداته، ولا أحد أصلاً يطلب منه شيئًا! فيبدأ البحث عن سلم للنزول، ويتحدث عن “العلاقات التاريخية” وأهميتها، وضرورة “عودة المياه إلى مجاريها”، كأن شيئًا لم يكن.

المشكلة ليست في الصعود إلى الشجرة، بل في عدم امتلاك خطة للنزول. فالمغرب عندما يتخذ قرارًا دبلوماسيًا، فهو يعلم متى وكيف سيعود الطرف الآخر إلى طاولته، بل ويجعله يفعل ذلك بنفسه، دون الحاجة إلى مناشدات أو مبررات ساذجة. أما عند الجارة الشرقية، فإن القرارات تأتي كفقاعات الصابون، تنفجر بعد أول هبة ريح، ليدخل النظام في دوامة البحث عن مخرج بأقل الأضرار.

النتيجة؟ في كل مرة يراهن فيها النظام الجزائري على التصعيد، يكون هو أول من يخسر. يسحب السفير؟ يعود بعد أشهر وكأن شيئًا لم يكن. يعلق اتفاقيات؟ يجد نفسه مجبرًا على استجداء استئنافها. يهدد بقطع العلاقات؟ ثم يتحدث بعد أيام عن “حسن الجوار” و”الروابط الأخوية”. إنها مسرحية هزلية، يعاد عرضها بنفس السيناريو، لكن بجمهور أقل تصديقًا في كل مرة.

وهنا يبقى السؤال الذي لم نجد له جوابًا حتى الآن: لماذا هذا الإصرار على “قلة العقل”؟ لماذا لا يتعلم النظام العسكري أن العلاقات الدولية ليست ساحة للخطابات الشعبوية، بل هي لعبة شطرنج تحتاج إلى حكمة ودهاء؟ لكن يبدو أن القوم مصرّون على اللعب بكرة القدم في رقعة الشطرنج، ولا عجب أن يكونوا دائمًا الطرف الذي يركل الكرة خارج الملعب ثم يبحث عنها في الأدغال.

وفي الختام، نقتبس حكمة مغربية قديمة تقول: “اللسان ماضي والدراع كاضي”. لأن الدبلوماسية ليست مجرد جعجعة بدون طحين، بل هي فن اتخاذ القرارات التي تجعل الطرف الآخر يأتي إليك، لا أن تكون أنت من يعود صاغرًا كل مرة. والفاهم يفهم!

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button