أبرد من “يخ”

بقلم: الاستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي
مثلٌ يُقال لمن تجاوز حدّه، وأخطأ قدره، فصار كالدودة التي لا تحيا إلا في الثلج، فإن خرجت إلى الدفء ماتت.
وهكذا بعض الناس، يُغريهم الطموح الأجوف، أو الغرور المقنّع، فيتجاوزون مقامهم، ويخوضون في بحورٍ لا تجيد أرواحهم السباحة فيها، فيغرقون في أعين الناس، قبل أن يسقطوا في ميزان العقل والرزانة.
نرى أحدهم صغيرًا لم يُنضجه الفكر بعد، يلبس لبوس الحكماء، ويتقمّص أدوار الكبار، فيتحدث فيما لا يفقه، ويهرف بما لا يعرف، فيضحك عليه الناس، لا إعجابًا، بل سخرية من هذا “الشيخ الصغير”.
ونرى في المقابل رجلاً جاوزته السنين، وخطّ الشيب رأسه، لكنه يأبى إلا أن يلهو كلعب الأطفال، ويتحدث كأنّه في ريعان الصبا، يطارد خيوط العبث كما لو أن الزمن قد غفل عنه، فتبهت هيبته، وتضيع صورته بين ضحكات لا تشبه مقامه.
وقد كثر أمثالھم وظھروا.. كالباعوض في المستنقعات فنجدھم في السياسة وفي المنتديات وعلى منصات الخطابة وفي مجالس وأحزاب وھيئات ..
وهكذا يصبح هذا وذاك…
أبرد من “يخ”…
ذاك حين يتمشيخ الصغير، وهذا حين يتصابى الكبير.
في الحياة مقامات، وفي الخطاب منازل، ومن لم يعرف قدر نفسه، تاه في أعين الناس كما تذوب “يخ” إن خرجت من مأواها.
فاحذر أن تكون دودة خرجت من ثلجها… أو شيخًا نزع عنه وقار عمره… أو صغيرًا استعجل سلم الحكمة.
وقد جاء في المثل: شخصان ابرد من يخ شيخ يتصابى وصبي يتمشيخ
فاعلم قارئي: أن في التوازن… الحياة،
وفي الصدق مع الذات… النجاة،
وفي القناعة بالمقام… رفعة لا تُدركها خطى المُتَصنِّعين.