
في مسرح السياسة الدولية، يظهر دونالد ترامب مرة أخرى بدور المتحكم بمصير الشعوب، وكأن الأرض العربية مزرعة خاصة، يقرر توزيعها وفق أهوائه، دون أي اعتبار للحقوق أو التاريخ أو الكرامة. ففي لقائه الأخير مع العاهل الأردني، أعلن بكل وقاحة عن خطته لتهجير الفلسطينيين من غزة، مقترحًا أن يجدوا “أرضًا” في الأردن أو مصر، وكأن الفلسطينيين مجرد أرقام تُرحّل، وكأن التاريخ يمكن شطبه بجرة قلم أمريكية!
الفضيحة ليست في ما قاله ترامب، بل في ردود الفعل العربية التي لا تختلف عن الصمت القاتل. لم نسمع صرخات غاضبة، لم نرَ بيانات تنديد حقيقية، لم نشهد تحركات دبلوماسية صارمة. وكأن مصير الفلسطينيين أمرٌ هامشي، وكأن تهجيرهم مسألة قابلة للنقاش، وكأن القضية الفلسطينية لم تكن يومًا جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي.
أما عن تهديداته بوقف إطلاق النار إذا لم تُطلق حماس سراح المحتجزين، فهي تذكير جديد بأن واشنطن لا ترى غزة سوى كغنيمة حرب، تُساوَم عليها دون أي اعتبار للدماء التي أُريقت، أو الأرواح التي تعيش تحت القصف والحصار. وأما عن دعمه الصريح لضم الضفة الغربية، فهو شهادة إثبات على أن مشروع تصفية القضية الفلسطينية مستمر، وأن الصمت العربي لم يعد مجرد خيانة، بل صار تواطؤًا مكشوفًا!
إذا كان هناك من لا يزال يراهن على “الوساطات” و”الحلول الدبلوماسية”، فعليه أن يستيقظ من وهمه. واشنطن لن تتراجع إلا إذا وُجد موقف عربي موحد، قوي، حاسم. أما بيانات الاستنكار الباهتة، والاجتماعات البيروقراطية، والانتظار الأبدي لما يُسمى “تحرك المجتمع الدولي”، فهي مجرد مسكنات خادعة.
التاريخ لن يرحم المتخاذلين، والشعوب لن تنسى من وقفوا متفرجين بينما كانت فلسطين تُمحى من الوجود قطعة قطعة!