حوار عبر الزمن..أبو نواس وخمرة الكلمات
في إحدى ليالي الشتاء الطويلة، جلستُ بجانب النار مستمتعًا بالهدوء، فإذا بي أسمع طرقًا خفيفًا على الباب. فتحتُ الباب بحذر، فوجدت رجلًا غريبًا يحمل ديوانًا قديمًا ويرتدي عمامة عجيبة الطراز.
قال بصوت رخيم: “هل لي بالدخول؟ أنا أبو نواس، أتيت من زمن بعيد لأشرح لك ما لا يُفهم عن الخمر وأسرارها.”
اندهشت، لكنني دعوته للجلوس وقدّمت له كأسًا من القهوة، فقال مستهزئًا: “ما هذا؟ أهذا شرابكم الآن؟” قلت له: “يا شيخنا، لقد تغير الزمن، والخمر عندنا أصبح يُحاكَى بأسماء وأشكال كثيرة.”
ابتسم ابتسامة مليئة بالسخرية وقال: “إنكم تبتكرون أسماءً فارغة. الخمر الذي نتحدث عنه نحن الشعراء لا يُقاس بالكؤوس ولا بالأشكال، بل هو حالة، هو فتنة الروح وسكر المعنى.”
قلت له: “ولكن يا أبا نواس، نحن الآن نرى الخمر في فناجين القهوة، وفي لحظات الجنون بين الكتب، وحتى في شغفنا بالأشياء البسيطة!”
رفع ديوانه القديم ولوّح به في الهواء: “هذا الديوان كله كتبته وأنا غارق في نشوة خمرتي الحمراء. أما أنتم، فتستهلكون أشياءً بلا معنى، ثم تدّعون السكر!”
ضحكتُ وقلت: “يا شيخنا، ربما خمرتنا ليست في الكؤوس، بل في الكلمات، في القصص التي نرويها، وفي محاولاتنا للحفاظ على عظمة الماضي.”
همهم وهو يغادر: “إذن، ربما تكونون أنتم المخمورين الحقيقيين… ولكن ليس بالمعنى الذي عرفناه نحن.”
ثم تلاشى في الظلام، تاركًا وراءه ديوانًا من الكلمات الثقيلة وسؤالًا لا يزال يطرق ذهني: من منا المخمور؟ نحن أم أبا نواس؟