بقلم: عبد السلام البوسرغيني**
بمناسبة ذكرى تأسيس القوات المسلحة الملكية : يوم أطلق المرحوم الملك الحسن الثاني صيحته المدوية “أريد تكوين جيش من العلماء ” .
ما الذي يمكن أن توحي به المناظرة التي عقدها بمراكش أيام21و22و23 أكتوبر 2018 رؤساء الأركان العامة للقوات المسلحة المنتمون الى أربعين دولة أفريقية بمشاركة قادة من القوات الجوية الأمريكية ؟ ما الذي يوحي به هذا الاجتماع الذي أعقبه معرض للطيران نظم بالقاعدة الجوية بنفس المدينة ؟
يبدو لي أن اختيار المغرب لعقد هذه المناظرة الهامة يرجع بالتأكيد لما تتمتع القوات المسلحة الملكية بكل أجهزتها من كفاءة عالية في تدبير الشؤون العسكرية والأمنية ، بل وحتى الشؤون التي تدخل في مجالات الحياة العامة من بناءوتشييد ومعالجة وتطبيب ، ويرجع أيضا الى رغبة الأصدقاء في الاستفادة من تجارب المغرب في تلك المجالات٠ذلك أن الخبر الذي زف إلينا نبأ مناظرة مراكش العسكرية أشار إلى أن المغرب يلعب دورا حاسما في الأمن الإقليمي وأن المتناظرين يرغبون في تعزيز التعاون مع المغرب بما يخدم استقرار القارة الأفريقية على العموم.
الواقع أن المغرب لم يصل إلى المستوى الذي استحقه في الميدان العسكري الذي نحن بصدد الحديث عنه بمحض الصدفة أو بصفة تلقائية، بل كان نتيجة ما اكتسبه من حنكة ومن حسن تدبير على يد قيادة عركتها الأحداث ، وعرفت كيف تستخلص الدروس والعبر من المحن والتحديات التي واجهت المغرب خلال العقود الأربعة الماضية بما سادها من صراع مرير مع من ينازعونه وحدته الترابية والوطنية .
في القاعدة الجوية التي احتضنت المناظرة العسكرية المشار إليها كان جلالة المغفور له الحسن الثاني قد أطلق صرخة مدوية أثارت الانتباه مخاطبا المسؤولين العسكريين ومديري معاهد التكوين العسكري قائلا : ” أريد أن نعكف على تكوين جيش من العلماء” ٠ لقد عبر رحمه الله عن هذه الإرادة وهو يخطب في حفل تخرج أفواج المعاهد والمدارس العسكرية وشبه العسكرية نظم في القاعدة الجوية بمدينة مراكش جريا على العادة في كل أعياد العرش المجيدة٠ وأنا أستمع إلى ما عبر عنه المرحوم الحسن الثاني عادت بي الذاكرة إلى حرب يونيو 1967 وإلى حديث تبادلته حول أحداث تلك الحرب مع المرحوم المهدي زنطار الذي شغل منصب سفير المغرب بالقاهرة في تل الفترة العصيبة من تاريخ العالم العربي٠
لقد أسر لي بما بذله الملك الحسن الثاني من مساعي للحيلولة دون نشوب الحرب، علما منه بما قد تسفر عنه من عواقب وخيمة ، نظرا لاطلاعه الواسع على درجة التسلح التي وصلت إليها إسرائيل وكون الاسائيليين أعلنوا أنهم يعتبرون الحصار الذي فرضته مصر على خليج العقبة بمثابة حرب معلنة ضدهم٠
كانت أطوار تلك المساعي تجري في سرية تامة يتم فيها نقل الرسائل يدا بيد ، متجنبة استعمال وسائل المواصلات السلكية واللاسلكية٠ وعلى إثر الأحداث التي كانت مصر مسرحا لها والتي أعقبت واقعة الحرب المدمرة ، استقبل الرئيس جمال عبد الناصر السفراء العرب بطلب منهم فكانت جلسة حزينة ، كما قال المرحوم زنطار الذي أسر لي بأنه نقل إلى المرحوم الحسن الثاني ما قاله عبد الناصر للسفراء العرب الذين زاروه لمواساته بعد الهزيمة المدوية التي لحقت بمصر وبالعرب عموما من جراء سوء تدبير المعركة والتقصير في الاستعداد لها٠
اقتصرجمال عبد الناصر على النطق بجملة واحدة قال فيها: ” لقد أدركت انني كنت أحاربهم بجيش من الفلاحين ، وهم يحاربونني بجيش من العلماء ” ،ويعني الاسرئيليين٠ أفلا يذكر هذا بما ورد في القرآن الكريم (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)٠أعتقد أن مفهوم ومنطوق هذه الآية الكريمة هو ما أدركه المرحوم الحسن الثاني بعد التمعن فيما ورد على لسان جمال عبدالناصر٠
وتبعا لما عبر منه رحمه الله من إرادةفي الرقي بالقوات المسلحة الملكية إلى أعلى درجات التكوين عكفت القيادات العسكرية على تزويد الجيش بالذين (يعلمون) أي بالنساء والرجال الذين يخضع تكوينهم للمناهج والبرامج الدراسية الشاملة لمختلف الشعب العلمية والهندسية بما يجعلهم مؤهلين لمعالجة مختلف المعضلات والتحديات التي تواجه وطنهم، ولضمان الاستمرار في تدبير قيادة القوات المسلحة الملكية أوكل المرحوم الحسن الثاني الى وارث سره وهو ما يزال وليا للعهد للاشراف على شؤون الجيش مع ما يتبع ذلك من إرادة في الرقي به ومواصلة العمل على تنفيذ ما يجعل قواتنا المسلحةفي مستوى ما تتطلبه ظروف الحرب المتنوعة والمتجددة٠
وما حدث بعد ذلك أظهر أن القوات المسلحة الملكية حققت تطورا نوعيا برزت معالمه فيما أبدعته خصوصا في ميادين اللوجيستيك ٠ويمكن القول بأن أهم ما أبدعته القيادة العسكرية على عهد قائدها الأعلى الحسن الثاني رحمه الله ، ذلك الجدار الأمني والدفاعي الذي يعد بحق مأثرة أصبحت محل دراسة في المحافل العسكرية الدولية ، بوصفها استراتيجية عسكرية جديدة وفعالة في مواجهة كل الاحتمالات بما في ذلك حرب العصابات المتنقلةفي منطقة صحراوية قاحلة وواسعة ومتنوعة المسالك والتضاريس وعلى طول حدود يتجاوز طولها ألفين من الكيلومترات٠
لن نقول بأننا أصبحنا. في مأمن من تجدد الحرب ،إذ ما تزال ظروف نشوبها قائمة مادامت الجزائر مصرة على استمرار نزاع الصحراء والطعن في الوحدة الترابية والوطنية لبلادنا٠فالحرب التي شنتها الجزائر على المغرب بصفة مكشوفة سنة1976 بالهجوم عل أمغالا والتوغل في كثير من الجهات ، أصبحت حربا بالوكالة تخوضها عصابات الانفصاليين الذين ينطلقون من التراب الجزائري حيث يتم شحن الصحراويين وتوجيههم وغسل أدمغتهم وتدريبهم وتسليحهم ٠
وما لم تتخل الجزائر أو بالأحرى حكامها عن عقلية فرض الهيمنة التي يظنون انها ستحقق لهم مطامعهم التوسعية ، فلن يكون هناك سلام واستقرار في المنطقة٠ هذه هي الحقيقة التي لايجهلها أي ملاحظ ولا ينكرها الا من يصر على معاداة المغرب والطعن في وحدته الترابية
**صحفي