كيف نسيت أن أبدأ ..

كيف نسيت أن أبدأ ..
سألني صديق لماذا ومتى نَسيتُ كيفَ كُنتُ أبدأ،
قلت لست أدري،
أو ربما منذ أن تعلمت أن أخاف،
أخافُ البدايات،
كما كنت أخاف الأمواج صغيراً،
وأخشى ظلَّ الأشباح ليلا،
والعبورَ على الجسور المعلقة،
وغيبوبة الصّباح،
ورشفة صدق،
وأن أُصَدِّق كل مَن يقول،
أو ربما منذ أن خفَتَ صوتُ الطفولة …
ربّما لأنّني رأيت الحروف تثور على الكلماتِ،
والرموز تهجر المعاني،
والدلالة تعرض عن القولِ،
تركوني في فلاةِ الإلتباس،
أجمعُ شظايا الإبهام كما يُجمَعُ الرمادُ
بعدَ احتراقِ القصيدة،
وانتفاضة الريح.
1٠أيها السائلون لا تسألوني فقد بدأت …
أيّها العابرون في ظلالِ الذاكرة،
لا تبحثوا عن نبوءاتٍ في الرماد،
فالنارُ التي تُنيرُ دربَكم
قَد تَكونُ وَهْمًا خَفِيًّا
أو حريقًا يُضْمر الأسرار بين جمراتهِ.
أيّها الطيّبون،
أعيدوا للغيمِ لونه،
وللصوتِ صَدَاه،
وللقلوبِ يقينَها الطفوليّ.
تعلّموا كيفَ يُزْرع النورَ
في أرواحٍ أَكَلها الظلام،
وكيفَ تُحْيى الحكاياتِ
في زمنٍ تنكّر للحكاية.
لا تُصدّقوا مَن يقول:
“انتهت الحِكمة، إنتهى التاريخ، إنتهى الفن، إنتهى الأدب”
فهم لا يموتون،
قد يتوارون، أحيانًا،
خلفَ صمتِ الطفولة،
أو في رعشةِ عجوزٍ تُصلّي.
أيها السائلون لا تسألوني فقد بدأت …
أنا لستُ نبيًّا لتسألوني،
ولا حاملاً لِخاتمِ الأسرار،
ولا انا أزرع النور،
أنا فقط صوتٌ من بين الأصوات
يحاولُ أن يُبلّلَ عطشَ العالم
بِرَشفةِ صدقٍ صغيرة.
فإنْ ضلَلْتُ الطريق،
فلا تلوموا قلبي،
بل انتظروا — مثلي —
أن ينجلي الغبارُ عن الرؤية،
وأن يُفيقَ الصباحُ
من غيبوبتهِ الطويلة.
لا تسألوني فالحكايةُ لمْ تنته،
لازالتْ في فلاة الإلتباس،
تتقفى ظلالَ ذاكرة انطفأ نورها،
وعطش حروفٍ ثائرة،
ووَهْمَ نارٍ لا تُضيء …
عبداللطيف زكي
ترييْز-سپتيي، في 25 أبريل 2025