مراصد في الأدب والنقد في لقاء فكري نقدي بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال

أعد التقرير: خالد عبداللطيف
احتنضت جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال الخميس 27مارس2025، لقاء تواصليا وثقافيا سهرت على إعــــــــــداده مجموعة” مراصد في الأدب والنقد” حيث تمت استضافة الدكتور اسماعيلي محمد علوي مدير مختبر الدراسات الأدبية واللسانية والديداكتيدية والدكتور الحبيب مغراوي منسق ماستر النقد الأدبي والفني،وقد قام بتنشيط وقائع هذه المائدة الدكتور رشيد طلال.
وتميزت أطوار هذا اللقاء بعمق التحليل،حول تاريخ اللسانيات واللغة العربية وامتدادتها، عبر مادون وكتب وأرخ له في الكتب النقدية الثراتية العربية قديمها ومحدثها.وفي بداية اللقاء تحدث الدكتور طلال رشيد ،حول المنجز الفكري للدكتور اسماعيلي محمد علوي ومؤلفاته والمحددة فيما يلي: ـ التواصل الانسانيـ دراسات في الأدب وفلسفة اللغة.ـ تكامل مستويات الدرس اللسانيـ نحو العلامة في الوجود.كما أشار منشط هذه الندوة الى حصول صاحب هذه المنجزات على عدة شواهد وجوائز أهمها جائزة الشارقة للدراسات المعجمية.وفي بداية هذا اللقاء أعطيت الكلمة للدكتور اسماعيلي محمد علوي ليتحدث عن الوظائف المتعددة للغة وعن التعقيد الذي يشوبها،مؤكدا أن للغة أبعادا متعددة،وأننا دائما نركزعلى المستوى الذهني لها.وحدد أنواع هذه الأبعاد للغة فيما يلي:أ: البعد المنطقيب: البعد النفسيد ـ البعد الديني ك ـ البعد الاجتماعيم: البعد الفلسفيوقد قدم المحاضر عدة أمثلة على هذه الأبعاد معتبرا أن عبارة”السلام عليكم” ذا ت بعد ديني، وعند قول أحدهم “صباح النور” فهو متأثر باللهجة المصرية.وفي موضوع ذي صلة تساءل الدكتور اسماعيلي محمد علوي عمن يملك سلطة على الآخر،هل نحن الذين الذين نتحكم في اللغة أم اللغة هي التي تتحكم فينا؟مشيرا إلى أنه لايمكننا تغيير اللغة ، لأنها مرهونة بقواعدها الصرفية والتركيبية والدلالية،وأنه إذا تم الاشتغال باللغة في بعدها اللساني، تصبح ميسرة،مشيرا الى اللسانيات الوظيفية مع فان ديك،ولأن وظيفة اللغة هو مايؤدي إلى إبلاغ الكلام صوتا ورمزا،وأن الله جعل مصيبة الانسان في لسانه.

وتحدث عما سماه بالفيزياء التطبيقية، والرياضيات التطبيقية والعلوم الطبيعية التطبيقية،بمعنى اخر أن علم اللسانيات أفاد في الأدب خصوصا الشكلانيون الروس من خلال أعمال ميخائيل باختين،وكل هؤلاء انتقوا نظريتهم من البنيوية (سوسير) ،ولو ذهبت الى أي مجال من المجالات،لذلك فاللسانيات طورت ماعرف فيما بعد بلسانيات الخطاب ،وعندما نقول لسانيات الخطاب هناك تتظافر مكونات كثيرة ، منها ماهو بنيوي، ومنها ماهو تفسيري ومنها ماهو وظيفي،وعندما نتحدث عن لسانيات الخطاب ودورها في تحليل الخطاب فهي مجال رائع وخصب ،ويمكن أن يفيد بشكل كبير،لهذا ففي كتابي “التكامل المعرفي بين المناهج طبقتها على أربعة أعمال روائية، وأظهرت مايتبث أن لسانيات الخطاب تستطيع أن تسبر أغوار النص مما لايمكن أن تحققه مناهج أخرى. وأشار الدكتور اسماعيلي محمد علوي الى علاقة المثقف بالسلطة من خلال دراسته لثلاثة نماذج روائية وأكد على أنه يستحيل قراءة الأعمال الروائية لحسن أوريد ،إذا لم تكن متسلحا بثلاثة مناهج:أ : المنهج اللغوي: لأن الرجل يتلاعب تلاعبا خطيرا باللغة،وبارع في الكتابة باللغة،ومستواه اللغوي العربي ممتاز جدا،رغم أنه أمازيغي اللسان،ويتقن اللغة الفرنسية والاسبانية،ولكن كتابته بالعربية خطيرة جدا إذ تحتاج الى المنهج اللساني أواللغوي.ب: المنهج السيميائي: معتبرا أن جل الكتابات الروائية لحسن أوريد تحمل دلالات سيميائية ،فبدء من العنوان فأنت في الســـيميائبات،مستدلا في ذللك برواية” رباط المتنبي” الذي يعكس شخصية المتنبي، الشاعر الطموح الذي تعرض للاضطهاد والمضايقة،ونفس الأمر ينطبق على شخصية حسن أوريد الذي تعرض للاضطهاد.
وفي نفس الموضوع المتعلق بإبداعات حسن أوريد فالرجل يستحضر الأحداث التاريخية من خلال منجزين روائيبن ” ربيع قرطبة” و” رباط المتنبي”ج: المنهج التاريخي :من خلال روايات” رواء مكة” و” رباط المتنبي” حيث شدد المحاضر على ضرورة معرفة العصر العباسي وسياقاته وخلفياته المعرفية فالتاريخ ضروري لمعرفة الروايات،واعتبر أن كلا الروايتين تتميز بالواقعية.
واشترط الدكتور محمد اسماعيلي علوي على أن المعرفة الحقيقية للأدب، نقتضي الاطلاع على ثلاثة جهابذة في التأليف منهم:1 ـ عبدالله ابراهيم2 – ابراهيم الحجري3 – عبد الله الغداميهؤلاء أعتبرهم من مؤسسي النقد الثقافي الذي ينبغي للباحث العودة اليهم، والاطلاع على أعمالهم في هذا الباب. وأضاف المحاضر أن كثيرا من الباحثين لو سألتهم الان ماهي اللسانيات ؟سيقولون هي الدراسة العلمية للغة الطبيعية،وهذا التــــــــــــــعريف وخاطئ،هو التعــــــــــــــــــــــريف الاول الــــــــــــــــــــــــــذي بدأت به علم اللسانيات ،والسبب هو كيف نظر اللسانيون الى اللغة،،فسوسير للغة مختلف للغة عن تشومسكي وجاء الوظيفيون بعد تشومسكي، ووضعوا الى اللغة تعريفا اخر من زاوية أخرى فتغير الموضوع. التعريف تغير فتشومسكي يقول “من الان فصاعدا سأعد اللغة مجموعة متناهية وغير متناهية من الجمل” لأن هدف سوسير ليس هو هدف تشومسكي لأن سوسير كان متأثرا بالنزعة في العلوم الطبيعية في القرن 19 هدف هذه النزعة تقول بأن كل شيء لاتتعبر دراسته علمية، إلا إذا أدخلناه الى المختبر،وشرحناه ،ونظرنا الى مكوناته،فقد اعتبر اللغة بمثابة كائن عضوي.
سوسير لايتحدث عن شيء اسمه المعنى أو الدلالة،فهو يعتبر المعنى شيء مائع ولايمكن أن نشرحه لذلك استبعده،في حين باقي المكونات يمكن تشريحه،الصرف والتراكيب والنحو اشياء يمكن تشريحه.أما هدف تشومسكي فهو كيف ندخل اللغة الى الحاسوب؟ لذلك تحدث تشومسكي عن شيء اسمه الكفاية الحاسوبية، وفي تساؤل آخر،ماهي النظرية العلمية عند تشومكي في اللسانيات يقول هذا الأخير ” كل نظرية لاتحقق قدرا من الكفايات الوصفية وقدرا من الكفاية التفسيرية، وقدرا من الكفاية الحاسوبية لاتعتبرنظرية لسانية” ولما جاء الوظيفيون، قالوا بأنه لايمكن أن نتعامل مع اللغة كأننا نتعامل مع لغة الحاسوب، لأن الانسان يتكلم بغير بلغة الحاسوب،والدليل على ذلك أن كلمة واحدة تغنيك عن خطاب واحد،وكلمة واحدة تسببت في وقوع عدة كوارث (طلاق – موت – سجن). من جهته أكد الدكتور الحبيب مغراوي، منسق ماستر النقد الأدبي والفني بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال،على أن تحديد مفهوم اللغة صعب،لأنه يستدعي استحضار مجموعة من المفاهيم الأخرى،وأشار الى أن اللغة عبارة عن منجم،وفصل في هذا التعريف مستعرضا الحديث عما سماه (الأدب الخالد – أدب الفضة – أدب الذهب) ،واعتبر اللغة كونها جهاز أو نظام ولايمكن الإلمام بها الا من خلال تركيبها في قطع أخرى.وعرج الدكتور الحبيب مغراوي على أن اللغويين القدامى والمعاصرين، تكلموا كثيرا حول تعريفات اللغة ومفاهيمها،لكن هذه المفاهيم ظلت مشتتة ، والباحث فبي اللغة ينبغي أن يستجمع هذه القطع في تصور شمولي جامع ومانع.واعتبر الاستاذ الحبيب مغراوي، أن السؤال الاشكاي هو كالتالي: هل في البدء كانت اللغة؟ أم في البدء كان الأدب،سؤال فلسفي كبير،سؤال تاريخي،طبعا اذا رجعنا الى القرآن الكريم”وعلم آدم الأسماء كلها” وبها نزل آدم الى الأرض بتلك الأسماء وانتشرت البشرية من صلب آدم وكثرت الذرية بتلك الأسماء،فعلى هذا التأويل يمكن أن نقول أن اللغة هي التي كانت في البدء،ويمكن أن ندعم ذلك من خلال التعريف الذي أورده ابن جني ” اللغة هي مجموعة من الاصوات يعبر بها كل قوم عن اغراضهم” ببعد استعاري فاللغة عبارة عن منجم، مكون من التربة والمعادن.
فالتربة يمكن ان توظف في مجموعة من الأمور.وعرج المحاضر على أقوال ابن جني من خلال كتابه” الخصائص” وكذا كتاب حازم القرطاجني الشهير” منهاج البلغاء وسراج الأدباء” مشيرا الى حدث هذا الأخير في كتابه عن القوات العشرة والتي حددها المحاضر فيما يلي:أ: القوة الفكرية،والاهتداءات الخاطرية.ب: القوة الحافظة: وبمكن تسميتها بالذاكرة الواعية وهي أن “تكون خيالات المفكر منتظمة،ممتازا بعضها عن بعض،محفوظا كلها في نصابه”وعذه القوة هي إحدى القوى الذهنية وظيفتها حفظ الصور أو المدركات الحسية،ولايقتصر على حفظ تلك الصور منتظمة ومرتبة.م: القوة المائزة: وبمكن تسميتها بنسق الأداء و”هي التي بها يميز الانسان مايلائم الموضع،والنظم والأسلوب،والغرض.د: القوة الصانعة: هي القوى التي تتولى العمل في ضم بعض أجزاء الالفاظ والمعاني.ف: القوة الصانعة.وهي القوى التي تتولى العمل في ضم بعض أجزاء الألفاظ والمعاني والتركيبات النظمية والمذاهب الأسلوبية الى بعض ،والتدرج من بعضها الى بعض.ق: قوة المحاكاة والتشبيه والتصوير.ي: قوة صناعة الأسلوب التي ترجع الى التناسب في المعاني (أو الجهات)ك: قوة القدرة على الربط بين الفصول والأبيات.ز: قوة التنويع في التعبيرس: قوة التأليف.وأشار الدكتور الحبيب مغراوي، على أن النص الأدبي عند حازم القرطاجني وكذا العناصر الفنية التي تتولد منها العملية الابداعية، تحتاج الى ركيزتين متعاضدتين وهما: ( التخييل وحسن الـتأليف” وما بينهما من تعاضد،إذ أن كلا منهما لاتحقق فاعليته في النص الشعري يعيدا عن الآخر.
وفي حديثه عن آخر إصداراته” المعنى الأدبي بين خصوصية التشكيل ورهانان الفهم والتأويل” اعتبر المؤلف أن كتابه هذا يندرج ضمن القراءة المتأنية للمنجز التراثي العربي ،ومحاولة سبر أغواره من خلال الانكباب على محاولة استيعاب هذا المنجز حفاظا على التراث اللغوي والنقدي وصيانته والتعريف به.وفي موضوع ذي صلة أكد الاستاذ الحبيب مغراوي على ما دونه القدامى ، من خلال المنجز البياني للجاحظ،وما كتبه ابن البناء المراكشي،معتبرا أن غاية الأدب هو تفعيل اللغة وتنشيطها،وأن تعدد نظرية الأدب ،يتفرع عنها نظريات أخرى من فنون الأدب.
مشددا على ضرورة استحضار سيرورة وصيرورة الأدب ،والوقوف على حجم الانتاج الأدب الموجود في الساحة الثقافية. وتحدث الدكتور سجلماسي الى الحديث عن المعاني عند حازم القرطاجني واقفا عند الإدراك والصورة الذهنية في أسماع السامعين وأذهانهم،مستعملا قوة الترميز والبلاغة، والمجاز والاستعارة،وما أدركته ليفهمه السامعون،هناك معنى مدرك من الوجود ومعنى مدرك من الألفاظ.فاذا احتيج الى وضع رسوم من الخط تقيم في الافهام هيآت الألفاظ فتقوم فيها بالأذهان سورة المعاني إما يأتيك باللفظ المنطوق أو اللفظ المكتوب. واعتبر المحاضر أن قولة الجاحظ المعروفة”المعاني مطروحة في الطريق” هي المنجم حسب تعبير سجلماسي.مؤكدا أن اللغة ممارسة اجتماعية عند فيرست.فالتجربة والخيال مكونات،واللغة تدخل ضمن هذه المكونات.وعرض في حديثة إلى ماعبر عنه ابن طاباطابا العلوي، وهو يتحدث عن تشكل القصيدة الشعرية هو حاجتها الى صياغة وتشكيل مكونات اللغة.وفي سياق تفعيل وتنشيط هذا المائدة المستديرة، تحدث الدكتور رشيد طلال على “أن هناك من يتحدث عن النظريات وهناك من يتحدث عن أوهام النظرية ،و مانتداوله حول الأدب فهو كلام مشترك غالبا يسير نحو الوظيفي، ولانعرفه بالبنية،هذه الاخيرة التي يعتبرها البعض شكلية،وكل ماهو أدبي يِؤصل من القديم،واعتبر أن الأدب يسير نحو حتفه من خلال تأملاته في المنجز الفكر للدكتور محمد العلوي الاسماعيلي.وقد قدم الدكتور رشيد طلال، وجهة نظر مميزة تقف عند أكبر الاشكالات، من خلال قراءة الأدب من الثرات بعلم الغير،وتحدث عن الملفوظ والتلفظ داخل مساحة اللغة الغير المنتهية او المحدودة.متأملا في تخوم هذه اللغة وتفرعاتها المتعددة.مبرزا عواملها وعوالمها، وفق خطة أكاديمي يعرف أسباب متغيرات اللغة وتجلياتها الكبرى عبر آلية الحوار والمحاورة والتحاور مع ضيفي هذا اللقاء .
وخلص هذا اللقاء إلى طرح مجموعة من الأسئلة الوازنة، من طرف مجموعة من الطلبة والطالبات في سلك الاجازة والماستر والدكتوراه وكانت إجابة الضيفين رصينة وذات عمق معرفي، تروم إزالة اللبس من أذهان المتسائلين وتحاول الكشف عن خارطة الطريق ،في مجال الأدب والأثر الادبي ،وكذا مقومات الابداع الأدبي عند النقاد العرب القدامى والمحدثين ،ونزع الغموض مما تدول داخل هذه القاعة من تفسيرات وتحليلات للدرس البلاغي واللغوي على يدأشهر أعلامه ، (كابن سلام الجمحي وابن طابا طابا العلوي وثعلب والمبرد وعبدالقاهر الجرجاني وأبو هلال العسكري والامدي وحازم القرطاجني .
ولقد جاءت هذه المائدة المستديرة التي نظمتها مجموعة” مراصد في الأدب”، لتكون مدخلا حقيقيا لتداول المعرفة وتبادل الخبرات، والتجارب بين الباحثين والمشرفين،وإرساء أسس ابستمولوجية ومنهجية من أجل مد الجسور، بين كل أنواع الثقافات وإعادة قراءة المنجز التراث العربي القديم على ضوء تجريب مناهج علمية كفيلة بتفكيك كل الخطابات ومكوناتها.وفي الأخير تم توزيع شواهد تقديرية على الدكاترة الافاضل اعترافا بمجهوداتهم في إرساء معرفة بحثية أصيلة ومميزة.