زيارة جيرار لارشي إلى العيون: رد سياسي مباشر على تصريحات تبون وعطاف

أثارت زيارة جيرار لارشي، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، إلى مدينة العيون — كبرى حواضر الصحراء المغربية — موجة من التفاعلات السياسية، خصوصًا في ظل التصعيد الدبلوماسي الأخير بين المغرب والجزائر. وإذا كان موقف فرنسا من قضية الصحراء قد تم تأكيده رسميًا في عدة مناسبات، فإن هذه الزيارة جاءت بمثابة رد عملي ورسالة سياسية مباشرة إلى الجزائر، التي كثفت في الآونة الأخيرة ضغوطها لمحاولة التأثير على موقف باريس.
– زيارة تحمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية
لا يمكن النظر إلى زيارة لارشي إلى العيون بمعزل عن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أكد في وقت سابق دعمه لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. كما أن خطابه أمام البرلمان المغربي في 24 أكتوبر الماضي كان مؤشرًا واضحًا على توجه الدولة الفرنسية نحو موقف أكثر وضوحًا بشأن النزاع الإقليمي.
لكن ما يميز زيارة رئيس مجلس الشيوخ هو أنها جاءت في سياق سياسي مشحون، خصوصًا بعد تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، التي أدلى بها لصحيفة “لوبينيون” الفرنسية، حيث انتقد فيها موقف ماكرون بشأن الصحراء ودعا إلى مراجعته. كما جاءت بعد البيان التصعيدي الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية، الذي عبّر عن رفض واضح للموقف الفرنسي، وهو ما اعتُبر تصعيدًا غير مسبوق في العلاقات الجزائرية-الفرنسية.
– جيرار لارشي.. أكثر من مجرد رئيس لمجلس الشيوخ
يُعتبر جيرار لارشي ثالث أهم شخصية في النظام السياسي الفرنسي، بعد رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون والوزير الأول غابرييل أتال. وتمنحه رئاسته لمجلس الشيوخ سلطة سياسية ورمزية كبرى، إذ يُعد المجلس مؤسسة راسخة في النظام الدستوري الفرنسي، تمثل استمرارية الدولة الجمهورية وتوازنها المؤسساتي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن رئيس مجلس الشيوخ هو أيضًا رئيس المجلس الأعلى للجماعات الفرنسية، وهي هيئة تعكس البعد المؤسسي العميق الذي تمثله زيارته إلى العيون. بمعنى آخر، فإن موقفه ليس مجرد رأي شخصي، بل هو تعبير عن توجه ثابت داخل الدولة الفرنسية، يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة أو الظرفيات الانتخابية.
– رد مباشر على الجزائر عبر زيارة ميدانية
في ظل الهجوم الجزائري المتكرر على المواقف الفرنسية الداعمة للمغرب، لم يكن الرد هذه المرة مجرد بيان دبلوماسي أو تصريح سياسي، بل جاء عبر زيارة ميدانية إلى الصحراء، وهو أمر يحمل دلالة رمزية كبيرة. فالزيارة، التي جاءت بعد أيام قليلة من زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي، تعزز فكرة أن فرنسا ماضية في موقفها، ولن تتراجع تحت أي ضغط خارجي.
عندما صرّح جيرار لارشي بأن “الموقف من السيادة المغربية لا جدال فيه”، لم يكن ذلك مجرد تأكيد لموقف الرئيس ماكرون، بل كان أيضًا ردًا مباشرًا على تصريحات تبون، الذي ادعى أن الموقف الفرنسي قد يكون قابلًا للمراجعة. لكن عبر زيارته إلى العيون، وجّه لارشي رسالة واضحة مفادها أن فرنسا حسمت موقفها، وأن الدعم المغربي داخل مؤسسات الدولة الفرنسية ليس ظرفيًا أو قابلًا للتغيير.
– من الأزمة إلى الشراكة الاستراتيجية المتجددة
تمر العلاقات المغربية-الفرنسية بمرحلة جديدة تتجاوز تدبير تداعيات الأزمة السابقة بين البلدين، حيث انتقلت إلى مرحلة التنفيذ العملي للشراكة الاستراتيجية المتجددة، والتي تم الإعلان عنها خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى المغرب.
وتتمثل أبرز معالم هذا التعاون في:
1- دعم اقتصادي واستثماري متزايد بين البلدين
2- تعاون أمني واستخباراتي لمواجهة التهديدات في منطقة الساحل والصحراء
3- إرساء دينامية جديدة في العلاقات الدبلوماسية، بعيدًا عن الضغوط الجزائرية
– زيارة غير مسبوقة تعزز الموقف المغربي
تُعد زيارة جيرار لارشي إلى العيون سابقة في تاريخ العلاقات المغربية-الفرنسية، إذ لم يسبق أن قام مسؤول فرنسي بهذا المستوى بزيارة إلى الأقاليم الجنوبية. ويعكس هذا تطورًا مهمًا في الموقف الفرنسي من قضية الصحراء، حيث لم تعد باريس تكتفي بالتعبير عن دعمها عبر القنوات الدبلوماسية، بل باتت تؤكد ذلك عبر تحركات رسمية على الأرض.
فهل ستتصاعد ردود الفعل الجزائرية بعد هذه الخطوة الفرنسية؟ أم أن باريس ستحافظ على مسارها الجديد رغم الضغوط؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.