ترامب يصعّد مواجهته مع الإعلام الأمريكي عبر الدعاوى والقيود التنظيمية

يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معركته مع وسائل الإعلام التقليدية، مستخدمًا الدعاوى القضائية والإجراءات التنظيمية للضغط على المؤسسات الصحفية التي يعتبرها خصمه السياسي. ويبدو أن استهدافه المتجدد للإعلام يتخذ أبعادًا جديدة مع تصعيد قانوني وإداري يهدد مستقبل بعض وسائل الإعلام.
منذ توليه الرئاسة، لم يُخفِ ترامب عداءه لوسائل الإعلام الكبرى، واصفًا إياها بأنها “عدو الشعب”. وبينما تحظى شبكة “فوكس نيوز” المحافظة بمعاملة مميزة، يستهدف البيت الأبيض مواقع وصحفًا أخرى بقرارات تهدف إلى تقليص نفوذها، سواء عبر وقف الاشتراكات الحكومية فيها أو عبر فرض تحقيقات تنظيمية على بعض المحطات العامة.
● استهداف بوليتيكو وإجراءات تنظيمية جديدة
وجد موقع “بوليتيكو” نفسه في مرمى حملة يقودها مؤيدو ترامب، حيث تم تداول مزاعم غير دقيقة بشأن تلقيه ملايين الدولارات من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). وعلى الرغم من أن السجلات الحكومية أظهرت أن هذه المبالغ كانت ضمن اشتراكات عادية للوكالات الفيدرالية، إلا أن الرئيس الأمريكي استغل الأمر لتجديد هجومه على الإعلام، زاعمًا أن الأموال العامة تُستخدم لدعم “أخبار كاذبة”.
البيت الأبيض بدوره أعلن إلغاء اشتراكاته في “بوليتيكو”، مما يثير مخاوف حول تأثير مثل هذه القرارات على استقرار المؤسسات الإعلامية التي تعتمد جزئيًا على عائدات الاشتراكات الحكومية. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة جزء من نهج أوسع لتقليص تأثير الإعلام المعارض.
وفي سياق متصل، أمر بريندان كار، الرئيس الجديد للجنة الاتصالات الفيدرالية، بفتح تحقيق في تمويل محطات “NPR” و”PBS”، مما قد يؤدي إلى تقليص التمويل الفيدرالي لوسائل الإعلام العامة. ويعتقد البعض أن هذه الخطوات تهدف إلى فرض ضغوط إضافية على الصحافة الأمريكية، وليس فقط إلى إعادة هيكلة الدعم الحكومي.
● معركة قانونية بمليارات الدولارات
على الجانب القانوني، تبرز سلسلة دعاوى قضائية رفعها ترامب ضد مؤسسات إعلامية بارزة مثل “نيويورك تايمز”، “واشنطن بوست”، و”CNN”، متهمًا إياها بالتشهير. إحدى أبرز هذه القضايا تشمل دعوى بقيمة 10 مليارات دولار ضد شبكة “CBS News”، التي تواجه أيضًا تحقيقًا تنظيميًا حول تغطيتها الإعلامية.
في خطوة غير مسبوقة، أعلن البيت الأبيض أن بعض المؤسسات الإعلامية، بما في ذلك “واشنطن بوست” و”NPR”، مطالبة بإخلاء مكاتبها في البنتاغون لصالح وسائل إعلام أخرى أكثر تقاربًا مع توجهات الإدارة. وتزامن ذلك مع تقارير تفيد بأن بعض المؤسسات الإعلامية تدرس التسويات القانونية مع ترامب لتفادي معارك قضائية طويلة الأمد، خاصة في ظل الضغوط المالية التي تواجهها الصناعة الصحفية.
● تداعيات استراتيجية الضغط على الإعلام
يرى محللون أن الإدارة الأمريكية تسعى لإعادة تشكيل المشهد الإعلامي عبر استهداف مؤسسات كبرى بقرارات تنظيمية وإجراءات قانونية قد تُضعف قدرتها على الاستمرار. كما أن التأثير المحتمل لهذه السياسة لا يقتصر على الإعلام التقليدي فقط، بل قد يطال حرية الصحافة في الولايات المتحدة بشكل أوسع.
في المقابل، تواصل المؤسسات الصحفية الدفاع عن استقلاليتها، معتبرة أن ما يحدث هو محاولة لتقييد حرية التعبير. ويعكس هذا الصراع المستمر بين السلطة التنفيذية ووسائل الإعلام أجواء غير مسبوقة في العلاقة بين الحكومة والصحافة، في وقت تزداد فيه الانقسامات داخل المجتمع الأمريكي حول دور الإعلام في الحياة السياسية.