أخبارالرئيسيةفي الصميم

لعنة السلطة: حين يكون الكرسي مقصلة للطغاة

بقلم: الاستاذ مولاي الحسن بنسيدي علي

على مر التاريخ، تسجل الأحداث قصص حكام وسياسيين عشقوا الكرسي لدرجة أنهم فقدوا كل شيء، من كرامتهم إلى حياتهم، حين انتفضت الشعوب ضدهم. السلطة، التي كان من المفترض أن تكون أداة لخدمة المجتمع، تحولت في أيديهم إلى وسيلة للهيمنة والفساد.

دروس من التاريخ: بين الشرق والغرب

منذ فجر الحضارات، كان الطغاة في كل بقاع الأرض يتشبثون بالكرسي وكأنه طوق نجاة. في الشرق، رأينا حكامًا استخدموا السلطة لتكريس الظلم والاستبداد، فسلبوا الشعوب ثرواتها وجعلوها تعيش في فقر مدقع، بينما كانوا يرفلون في حياة من البذخ والترف. في النهاية، لم تشفع لهم قصورهم المنيعة ولا جيوشهم الجرارة، حيث سقطوا واحدًا تلو الآخر، مطاردين باللعنات والذكريات المؤلمة.

وفي الغرب، كان سقوط نيكولاي تشاوشيسكو، حاكم رومانيا السابق، مثالًا بارزًا. حكم بقبضة حديدية، وسخر موارد الدولة لخدمة طموحاته الشخصية، متجاهلًا معاناة شعبه. لكن عام 1989، انطلقت ثورة شعبية أطاحت به خلال أيام قليلة. اعتُقل وزوجته، وفي محاكمة سريعة بثتها الكاميرات، حُكم عليه بالإعدام، ليواجه مصيره في مشهد مهيب كان بمثابة إعلان نهاية حقبة من القمع والفساد.

الطغيان في سوريا: بين القمع وصمود الشعوب.

من بين الحكايات التي ما زال التاريخ يسجلها بألم، تلك المتعلقة بالحكم في سوريا. على مدى عقود، عاش الشعب السوري تحت وطأة قبضة أمنية وسياسية خانقة. كان الحاكم هناك رمزًا للسيطرة المطلقة، حيث استُخدمت السلطة لكبح أي معارضة أو تطلع نحو التغيير. ومع اندلاع الحراك الشعبي في عام 2011، واجه الشعب آلة القمع بأبشع صورها. تفككت المدن، وسالت الدماء، وأُغرقت البلاد في فوضى دمرت الإنسان والبنيان.
لكن، كما يثبت التاريخ دائمًا، فإن الشعوب مهما طال صبرها لا تنسى. الكرسي الذي بدا حصنًا للحاكم أصبح لعنة عليه وعلى من حوله. وأمام صمود الشعوب وإرادة التغيير، لا يمكن للظلم أن يدوم مهما طال الزمن.

الأحزاب: والوجه الآخر للكارثة

إلى جانب الحكام، نجد بعض الأحزاب السياسية تلعب دورًا لا يقل خطرًا. في كثير من الحالات، تُطلق هذه الأحزاب وعودًا براقة خلال حملاتها الانتخابية، تعد فيها بالرخاء والعدالة الاجتماعية، لكنها سرعان ما تتنكر لها بمجرد وصولها إلى السلطة. تتحول هذه الوعود إلى سراب، حيث يستغل بعض قادتها المناصب لتحقيق مكاسب شخصية، بينما يبقى المواطن في دائرة المعاناة. هذه السلوكيات لا تقوض فقط ثقة الشعب، بل تسهم في ترسيخ الفساد كنهج سياسي.

لعنة الكرسي: والنهاية المحتومة
يتكرر المشهد في كل مرة: حاكم أو سياسي يظن أن الكرسي سيمنحه الخلود، لكنه يفقد كل شيء حين يثور الشعب. التاريخ لا ينسى ولا يغفر. فكما سجل نهايات الطغاة في الشرق، سجل أيضًا مصير قادة الغرب ممن استغلوا السلطة، مثل الديكتاتوريين في أوروبا خلال الحروب العالمية، الذين قادوا بلادهم إلى الفوضى والانهيار.
والعبرة ليست في مدة البقاء في السلطة، بل فيما يُترك خلفها. الزعيم الذي يدرك أن الكرسي تكليف لا تشريف هو من يبقى اسمه محفورًا في قلوب الناس، أما من يظن أن المناصب حصن منيع، فمصيره إلى النسيان أو اللعنات. في النهاية، الشعوب قد تصبر طويلاً، لكنها لا تنسى، وحين تتحرك، فإنها تُسقط كل من خان الأمانة.
إن السلطة مسؤولية عظيمة، ومن يتشبث بها دون وجه حق، يحكم على نفسه أن يكون عبرة للأجيال القادمة. فالتاريخ يمهل لكنه لا يهمل.
….

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button