أخبارالرئيسيةتقارير وملفات

عزوف الشباب عن الزواج..مؤشرات مقلقة وتوجهات استراتيجية جديدة

كشفت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة،نعيمة بنيحيى أن وزارتها بصدد إعداد برنامج وطني جديد يهدف إلى دعم المقبلين على الزواج وذلك استنادا إلى نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 والتي أظهرت تحولات ديمغرافية مقلقة،أبرزها اتساع فئة كبار السن على حساب فئة الشباب مما يعكس “انقلابا في الهرم السكاني”على حد تعبير الوزيرة.

وخلال عرض قدمته أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب،أوضحت الوزيرة أن من بين التحديات الكبرى التي تسعى الحكومة إلى معالجتها ظاهرة “تهرّب” الشباب المغربي من الزواج خاصة في ظل غياب سياسة وطنية واضحة تؤطر وتواكب التغيرات التي تطال الأسرة المغربية والتي لطالما شدد جلالة الملك محمد السادس على ضرورة الحفاظ على تماسكها باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع.

وأكدت بنيحيى أن الأسرة المغربية تمر بتحولات عميقة لم تعد النصوص التشريعية قادرة وحدها على معالجتها في ظل سياق اجتماعي متغير يمس قيما راسخة كبر الوالدين والنيابة الشرعية بين الزوجين.ولفتت إلى أن المنظور الحديث لسياسات الأسرة لم يعد يقتصر على القوانين،بل أصبح يتطلب حلولا عملية ومقاربة تشاركية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية والثقافية.

في هذا السياق،أشارت الوزيرة إلى أن الوزارة تتجه نحو تقليص عدد مؤسسات الرعاية الاجتماعية ولا سيما مراكز إيواء النساء ضحايا العنف وكبار السن،معتبرة أن التوسع في هذه المؤسسات يعكس فشلا في الحد من الظواهر المؤدية إلى تفكك الأسرة مثل العنف الزوجي وارتفاع حالات الطلاق.

كما تطرقت أيضا إلى انخفاض متوسط حجم الأسرة المغربية الذي تراجع من 4.6 أفراد سنة 2014 إلى 3.9 أفراد في 2024 في كل من الوسطين الحضري والقروي وهو ما يعكس تحولات واضحة في البنية الأسرية ونمط العيش.

عرضت الوزيرة معطيات إحصائية تفصيلية،تفيد بأن عدد الأسر المغربية بلغ سنة 2024 حوالي 9,275,038 أسرة، مقارنة بـ 7,313,806 أسرة سنة 2014 بمعدل نمو سنوي قدره 2.4%. كما كشفت المعطيات عن تزايد في نسبة الأسر الصغيرة حيث ارتفعت نسبة الأسر التي تتكون من فرد واحد إلى 11.1% سنة 2024 بعدما كانت 7.2% فقط سنة 2014 في حين تراجعت نسبة الأسر التي تتكون من أربعة أفراد أو أكثر من 66.7% إلى 57.2% خلال نفس الفترة.

وأضافت أن الوزارة بصدد إعداد دراسة ميدانية شاملة تستند إلى بيانات جمعت من خمس جهات بالمملكة من خلال لقاءات تشاورية بهدف وضع سياسة وطنية أسرية مندمجة تمكن من صياغة استراتيجية فعالة تلائم التحولات المجتمعية وتعزز استقرار الأسرة المغربية.

إن المعطيات التي كشفت عنها وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة لا تعكس فقط تغيرا ديمغرافيا في بنية الأسرة المغربية،بل تطرح تساؤلات عميقة حول التحولات الاجتماعية والقيمية التي تعرفها البلاد،خاصة في صفوف الشباب.فالعزوف عن الزواج لا يمكن قراءته فقط من منظور اقتصادي،بل يتداخل فيه ما هو ثقافي ونفسي وقيمي في ظل عالم متغير وتحديات معقدة.

ومع أن الحكومة تبدو مدركة لخطورة المؤشرات الحالية،إلا أن فاعلية البرنامج الوطني المنتظر ستظل رهينة بمدى قدرته على معالجة الأسباب الحقيقية للعزوف والتي تشمل ارتفاع تكاليف المعيشة،غياب الاستقرار المهني،تغير أولويات الشباب وتراجع ثقة البعض في مؤسسة الزواج.

كما أن تبني مقاربة تشاركية تعتمد على إشراك الشباب أنفسهم وتراعي التفاوتات الجهوية والخصوصيات الثقافية سيكون عاملا حاسما في صياغة سياسات فعالة ومستدامة تسهم في إعادة الاعتبار لقيم الأسرة وتماسكها.فإن نجاح أي سياسة أسرية مرهون بمدى تكاملها مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية،وضمان التنسيق بين مختلف المتدخلين لتكون الأسرة فعلا في قلب النموذج التنموي الجديد.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button