أخبارفي الصميم

المستنير في ذكرى وفاته

في مثل هذا اليوم، 19 يونيو1977، رحل عن هذه الحياة، واحد من أكبر علماء الاجتماع المعاصرين، حيث وجد ميتا ببيته بأحد المدن البريطانية، إنه المفكر”علي شريعتي” احد المفكرين البارزين في العالم الإسلامي. ورغم قصر عمره، حيث توفي في سن الثالثة والأربعين إلا أن إنتاجه الثقافي والفكري كان زاخرا، وكان له امتداد مكاني وزماني أيضا.

بقلم: عبدالله العبادي

عرف عنه نقده اللاذع لرجال الدين والمؤسسات الدينية في عصره، أي قبل قيام الثورة الإيرانية، حيث كانت إيران تحت حكم الشاه. وهي سمة تظهر جليا من خلال محاضراته وكتبه، فقد حاول صياغة علاقة جديدة مع رجال الدين ومؤسساتهم، ومن يقرا كتاباته يلاحظ هذا الأمر بوضوح، وهو هنا يلتقي كثيرا مع فكر عالم الاجتماع العراقي علي الوردي، أحد رواد علم الاجتماع العربي المعاصر، الذي كان هو الآخر من أشد المنتقدين لرجال الدين والمؤسسة الدينية في وقته.

عبر علي الوردي عن أفكاره من خلال كتابين رئيسيين وعاظ السلاطين ومهزلة العقل البشري، إلا أن علي شريعتي ومن خلال كتبه المشهورة يختلف شيئا ما عن علي الوردي، ويعد شريعتي أكثر التزاما بالتراث الإسلامي ويدعو دوما للعودة إليه، في حين كان علي الوردي يتجه من خلال ملاحظاته وتحليلاته السوسيولوجية نحو الفكر والعلم الحديث.

تشبع علي شريعتي بأفكار اليسار وهو طالب بفرنسا، وأراد صبغها بصبغة إسلامية، حرك الكثير داخل المجتمع من أجل التغيير وهو الذي ورث النضال عن أبوه، وكرس قلمه وفكره من أجل أن يحظى المجتمع بفرصة التغيير والعيش الكريم. آمن بالتوجهات اليسارية كالعدالة الاجتماعية والمساواة والحقوق لكنه لم ينسلخ من جلده الديني كما فعل الكثير من اليساريين في عهده. ناضل كثيرا من أجل اجتثاث الواقع الفاسد والنهوض في وجه الإقطاع السياسي والديني وهيمنة رجال الدين.

ما يميز علي شريعتي أنه لم يكن مفكرا إيديولوجيا متزمتا بالعكس منفتح على كل الثقافات والخيارات الفكرية، لذلك لم ينغلق على نفسه أو يحصر فكره في زاوية ضيقة، بل آمن بالقيم الكونية وتقبل الآخر وأمن بحق الاختلاف، فقد تبنى الحرية والكرامة والعدالة وقدرها أينما وجدها سواء في الشرق أو الغرب لكنه أضفى عليها صبغة إسلامية. ندد علي شريعتي بالخلاف السني الشيعي، وقال أنه لا يخدم إلا القوى الاستعمارية في الخارج، ويخدم أيضا الاستبداديين في الداخل.

في كتابه العودة إلى الذات، يقدم شريعتي نقدا لاذعا للجيل القديم ونعته بالتحجر ووصف الجيل الحالي بالعبثي، أي جيل بلا بوصلة ولا شخصية ولا أرضية صلبة يمكن الانطلاق منها. ويرى أن المثقف العضوي مطالب بإيقاظ المجتمع من سباته، والإحساس بالوعي الذاتي وتقديم تفسير كاف للظروف الاجتماعية التي يعيشها لناس.

فرغم قيمة إنتاجاته الفكرية إلا أنه لا يزال يثار حولها العديد من الجدل، هناك من لا يرى علي شريعتي كمثقف إصلاحي في حين يراه البعض مجددا إصلاحيا، وذلك راجع للطريقة التي تقرأ به كتاباته أو الزاوية التي نضعها فيها. فمن يقرأه على أساس أنه عالم اجتماع ركز على الدين في النهوض بالمجتمعات وحاول فهم الظواهر الدينية وأراد تفسيرها في بعدها الاجتماعي وتأثيرها على الناس، فسيلاحظ الفرق آنذاك بينه وبين من يقرؤها من وجهة نظر دينية صرفة.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button