غير مصنف

أوقفوا عبثكم ! إنه الوطن

يروي علي الوردي، واحد من أشهر علماء الاجتماع العرب، في كتابه “لمحات اجتماعية”، قصة راعي عربي مع جنرال بريطاني، بعد دخول جنود الاحتلال البلاد العربية، يقول فيها أن الجنرال الإنجليزي ستانلي مود دخل إحدى المناطق في وطننا العربي، مع نهاية الحرب العالمية الأولى، فصادفه راعي أغنام.

توجه الجنرال للراعي، وطلب من المترجم أن يقول له: سيعطيك الجنرال جنيه إسترليني إذا ذبحت الكلب الذي تملكه، والكل يعلم أن الكلب يمثل الشيء الكثير للراعي، كونه رفيقا وفيا يحرس القطيع من الذئاب ويساعد الراعي بالرعي وتنبيهه بوجود خطر ما. لكن الجنيه آنذاك، يستطيع الراعي أن يشتري به نصف القطيع، فوافق الراعي دون تردد وأحضر كلبه وقام بذبحه أمام الجنرال وجنوده.

بقلم: عبدالله العبادي

وأمام هذا المنظر الغير المتوقع، أضاف الجنرال ثاني جنيه إسترليني للراعي في مقابل أن يسلخ الكلب المدبوح، فوافق الراعي، فأخذ الجنيه وسلخ الكلب الصديق الوفي، لم يتوقف الجنرال عند هذا الحد، ورأى طمع الراعي في عينيه وقال له، سأضيف لك جنيه ثالث مقابل تقطيع كلبك.

 للأسف، الراعي قبل وقطع الكلب إلى قطع صغيرة، فهمﱠ الجنرال بالرحيل بعد السيناريو الذي دار أمام أعين جنوده، لكن الراعي طلب منه جنيها رابعا مقابل أكل لحم الكلب، إلا أن الجنرال لم يبالي لطلبه وقال له : “أردت أن أعرف ماهية طباعكم فقط، ومعرفة نفسياتكم فأنت ذبحت وسلخت وقطعت أغلى صديق عندك ورفيقك، من اجل ثلاث جنيهات وكنت مستعدا أن تأكله مقابل جنيه رابع .  وهذا ما احتاج أن اعرفه هنا.” ثم التفت القائد لجنوده و قال لهم، مادام هناك الكثير من هذه العقليات هنا فلا تخشوا شيئاً !

القصة تؤرخ لحقبة زمنية مضت، لكنها تبين جليا النفسية الضعيفة للإنسان أمام المال، وهي نفسيات مستعدة أن تتخلى عن كل شيء مقابل المال، إنها الطريقة التي استخدمها المستعمرون في انتشارهم داخل المجتمعات والقارات واحتلالهم وتفكيكهم للمجتمعات أيضا عبر التاريخ.

القصة قديمة، ويرويها أحد أكثر العارفين والدارسين للشخصية العربية، التي لا زال للأسف الكثير من هذه العقليات تعيش بيننا، والمؤسف والخطير جدا، حين تتقلد هذه العقليات مناصب كبرى داخل المجتمع، وتكون في مناصب حساسة ويكون مصير البلاد والعباد بين أيديهم.

أقول دوما أنه ليس هناك درجات لا في الوطنية ولا في الخيانة، فإما أن تكون وطنيا وإما أن تكون خائنا، وكل فاسد فهو خائن لبلده ولمجتمعه، وكل من كان مستعدا أن يبيع الأرض وأهله بحفنة جنيهات لا يستحق أن يستنشق هواء بلده الطاهر. حب الأوطان لا يقبل المزايدات فإما أن يجري في عروقك، وإما أن يستحيي هو نفسه من وجودك.

والوطني الحقيقي، لا يفقد الثقة في الوطن، لكنه يفقد الثقة في عمل النخب السياسية حين يشوبها الفساد، فالوطن هوية وتاريخ وبقعة جغرافية، ننتمي إليه بالفطرة والوجود، والدفاع عنه أمر مقدس، والمفسدون مهما عتوا في الأرض، فللوطن أبناء بررة، يحملون همه بكل صدق ووفاء.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button