حين تساءل أحد الوزراء عن أبناء المغرب، أردنا فقط أن نعرف ماذا يعني بذلك؟ هل هم أبناء المناطق المنسية والقرى الغابرة، أم أبناء الفيلات والشاليات. فالتسمية واحدة، لكن حقيقة الواقع تفصل بينها سنوات ضوئية. اليوم الجميع يتحدث عن الأزمة، التي تضرب المجتمع على غرار العديد من المجتمعات العالمية، وكل حكومة كانت لها تدابيرها الخاصة في التخفيف من الآثار المتربة عن ذلك.
مشكلتنا في هذا الوطن الغالي، أن غالبية من أوكلناهم تدبير شؤوننا، ليسوا مؤهلين لها، فقد وصلوا بمحض الصدف ويانصيب الانتخابات ووصفات حزبية تم إتقانها بنجاح. وصول بعض الأشخاص لمناصب القرار لم يكن ليعطي الكثير مما يعول عليه، أو يصنع الكثير مما يجب عليه فعله. فصفقات الريع لم تتوقف، وتوظيفات مشبوهة للأقارب من طرف الكثير من زعماء النقابات في حوارهم الحكومي، يعطينا صورة جيدة عن العمل النقابي والنضال من أجل حقوق الطبقة الشغيلة.
في بداية الشهر الجاري، نشرت المندوبية السامية للتخطيط في تقرير لها عن نسب الشباب النشيط، فقد احتل القطاع الفلاحي والغابات والصيد نسبة 43،6 بالمائة، في المركز الثاني قطاع الخدمات بنسبة 32،8 بالمائة وأخيرا القطاع الصناعي بنسبة 12،9 بالمائة. أي أن غالبية الشباب النشيط اليوم هم من الطبقات المتوسطة الأقرب للهشاشة، أي أن لدينا مخزون حقيقي من اليد الفلاحية العاملة ورغم ذلك لم نحقق الاكتفاء الذاتي بعد. القراءة الثانية وهي توارث المهن في مجتمعنا المعاصر، فالنخب تتوارث المناصب، كما يتوارث الآخرون المهن والعلل والمآسي أحيانا، إلا بعض الاستثناءات لكنها لا تنفذ القاعدة العامة.
كل المسؤولين اليوم بالوزارات يغتنمون فرص الاغتناء، وربح الصفقات قبل الخروج من الحكومة أو البرلمان أو أي منصب كبير، فالمصالح الشخصية طغت والفساد استفحل، رغم دعوات صاحب الجلالة في كل خطاب إلى العمل لخدمة الوطن والمواطن. وفي خطابه الأخير شدد صاحب الجلالة، على توفير كل ما يلزم لتسهيل الأمور الإدارية لمغاربة العالم وخصوصا بديار المهجر، والكل يعلم حال القنصليات وموظفيها وتعاملهم مع الجالية.
تصرف العديد من المسؤولين السياسيين، واقتناص الفرص والبحث عن المصالح الضيقة والحزبية يطرح أكثر من تساؤل، فقد تركوا تدبير شؤون المجتمع وهم يدبرون اليوم مشاريعهم وأعراسهم وسفرياتهم، فمن يوقف هذا الزحف المخيف للعقلية الاستغلالية التي تطغى على العديد منهم؟
حالهم يذكرني بحكاية شعبية من البادية المغربية، فقد كان الأب وعائلته الصغيرة يتناولون العشاء على ضوء الشمعة، وبغثة دخل ثور يجري بسرعة، فطلب الأب من ابنه أن يوقفه ويعود به إلى الحظيرة قبل أن يكسر كل شيء، لكن الابن وهو يقف مسرعا أطفأ الشمعة، وقلب الطاولة والشاي الساخن، فصرخ الطفل الصغير، ثم مشى على رجلي أمه فصرخت بدورها، قبل أن يضرب رأس أباه بركبته، فصرخ الأب، أوقفوا علي واتركوا العجل، أوقفوا علي!
فالمشكلة اليوم ليست في الأزمات ولا في النكبات ولكن في من يدبرها، فكم من علي في بلادنا وجب علينا أن نوقفه قبل أن يكسر كل ما وجده أمامه.