أخبارثقافة و فن

كلمات أماكن ومعاني

  ككل يوم، جلست لأشرب قهوتي على مقهى العروبة بشارع فلسطين، المطل على ساحة الجامعة العربية. كلما آتي إلى هنا أحس برمزية وثقل المكان: إسم شارع ، إسم ساحة و إسم مقهى، أسماء تزن ذهبا لكنها لا تلتقي أبدا مع الحقيقة وتتحقق فقط في تعابير الأشياء والأمكنة.

بقلم عبدالله العبادي

فلسطين الجرح العربي الذي لم يندمل، وساحة أولئك الذين كلما اجتمعوا استنكروا ونددوا ولم يهددوا أبدا، ومقهى حيث يجتمع الكل ويتفرق بدون هدف أو غاية.

في الطاولة المجاورة جلس رجل مسن يشرب قهوته ويطالع صحيفة ويدخن سيجارته بمرارة وكأنه يتنفس في أعماق المحيط، لم أقاوم فضولي و أتركه وشأنه، بل ألقيت التحية وطلبت منه أن أشاركه الطاولة، لم يرفض وكأنه يبحث عن من يجادله الحديث ويبوح بما في داخله.

كان اليوم رائعا والجو ربيعيا والأزهار تكسو الساحة من كل الجوانب، فبادرته بالقول: “الساحة جميلة جدا والورود مزهرة” فالتفت إلي وأجاب: “نعم صحيح لكن أصحابها ليسوا سوى مجموعة أنذال”. أحسست بعمق الكلمات والهم الذي يحمله بداخله كباقي شرفاء هته الأمة. فالمسألة بالنسبة لي لا تستحق التفسير أو الإيضاح أو التأويل، ما قاله له معنى واحد لمن يفهم منطق الواقع المرير الذي نعيشه.

انتظرت هنيهة ثم واصلت حديثي بقليل من التذمر : ” وها هي فلسطين …” وقبل أن أكمل جملتي قاطعني قائلا : “وستظل فلسطين القلب النابض للأمة لمن لا زالوا يملكون قلبا في زمن بيع كل شيء فيه حتى الكرامة، وستظل سببا لعقد الإجتماعات بالنسبة للجبناء والأنذال”.

وبينما كان يحملق بعينيه في السماء ودخان سيجارته يملأ المكان سألته عن الربيع العربي والثورات، نظر إلي وابتسم واستطرد قائلا: “أتسخر مني يا بني، أين الربيع وأين الثورة، لما لا تقول الخراب، لما لا تقول نجح الغرب والصهاينة في مخططهم لتشتيت ما بقي من سايس بيكو”، فقاطعته: ” لكن هناك أمل رغم ما يحصل في بناء مجتمع جديد”. نظر إلي نظرة إشفاق وقال :” هناك دوما أمل رغم أن الواقع يقول العكس على الأقل في الأمد القريب والمتوسط”، وقبل أن يواصل حديثه قاطعته : “إذن ما العمل؟” ابتسم وقال لي إنه عنوان كتاب، قلت له نعم إنه كتاب لينين.

عرفت أنه من الجيل اليساري القديم، أكيد عاش الكثير من التجارب والأحداث، وان واقعنا لا يكفيه كتاب لينين بل مئات الكتب والدراسات.عاتبته لان جيلهم بحث عن الثورة والإنقلابات أكثر مما بحث عن الإصلاحات، على حد تعبير فولتير، وهو حال اليساريين والعلمانيين والليبراليين والإسلام السياسي ووو. لا أحد كان يبحث عن الحلول الوسط وعن سبل التعايش، الكل كان يبحث عن إقصاء الآخر واختفاءه من الساحة السياسية وهو الأمر المستحيل تحقيقه.

أجابني “بإن الأنظمة الإستبدادية لم تترك لنا خيارا آخر أو طريقا آخر نسلكه فقد أتت على الأخضر واليابس”، التمست العذر في جوابه، فأجبته ” وبسبب تراكمات الماضي انفجر الوضع فجأة بدون بوصلة أو ضوابط محددة أو طريق واضح.”

كنت أتمنى أن ندردش أكثر وأن يبوح بما في جعبته ووجهة نظره فيما يجري في بلادنا العربية، لكنه شرب ما تبقى من قهوته وأخذ جريدته وانصرف، ففهمت انه لا يريد أن يجيب حتى لا يحبط من آمالي و عزيمتي في الحياة  ويترك لي بصيص أمل في مجتمع نحلم به يوميا رغم ما يحصل.

لكني لا أعرف هل نلومهم كجيل لم يبدأ الإصلاحات سلميا أم نلوم أنفسنا لأننا لم ندبر المرحلة جيدا وصرنا جيل الخراب والنكبة العربية المعاصرة.

فهل سيلومنا أولادنا وأحفادنا عما حصل؟

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button