أخبارالعالم

تعزيز التعاون الأمني والإستخباراتي المغربي الإسباني في صلب محادثات حموشي و إسبرانزا

تولي إسبانيا للتعاون الأمني والاستخباراتي مع المغرب أهمية قصوى، والذي عرف قفزات نوعية منذ الهجمات الإرهابية التي هزت مدريد في 11 مارس 2004. وترسم العلاقات المغربية الإسبانية مسار إيجابي متصاعد في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد رسالة رئيس الحكومة الإسبانية إلى الملك محمد السادس، واعتراف حكومة مدريد بواقعية وجدية مقترح الحكم الذاتي المغربي لحل نزاع الصحراء المغربية، مقابل تقدير الرباط لموقف المملكة الإسبانية من هذه القضية.
وجرت ولازالت عدة لقاءات بين المسؤولين الأمنيين المغاربة والإسبان، تعتبر فرصة للجانبين لوضع مجموعة مواضيع أمنية ذات الاهتمام المشترك على طاولة النقاش وتبادل الآراء، خاصة تلك المتعلقة بمكافحة التهديدات التي تشكلها جماعات الإرهاب المتطرف وشبكات الجريمة المنظمة التي تنشط بمنطقة غرب البحر الأبيض المتوسط، وسبل مواجهة الأنشطة الإجرامية المتعلقة بالاتجار بالبشر والتهريب الدولي للمخدرات والمؤثرات العقلية، وكذا تعزيز آليات وقنوات تبادل المعطيات العملياتية ذات الصلة بالشأن الأمني.
وتعتمد الرباط على مدريد كشريك موثوق وصادق ومسؤول لبناء شراكة نموذجية تتأسس على التاريخ المشترك والمصالح المتعددة والجوار. ويريد المغرب الإشتغال مع إسبانيا لوضع إطار للتنسيق في الفضاء الأورو-متوسطي والإفريقي.

وألقت عدة أحداث وقضايا الضوء على الدور المتنامي للرباط، في الأعوام الأخيرة، في مساعدة مدريد في حربها على المتشددين والخلايا التي تنشط في تجنيد وإرسال مقاتلين أجانب إلى بؤر التوتر. ويبقى القبض في برشلونة في ماي 2020 على شخص يحمل الجنسية المغربية يشتبه في انتمائه إلى تنظيم “داعش”، أبرز مثال على التعاون الأمني، بعدما كشف الحرس الإسباني عن تنفيذ العملية بشكل مشترك مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في المغرب ومكتب التحقيقات الفيدرالي “أف بي آي” في الولايات المتحدة.
وتبقى حاجة مدريد إلى الرباط في مجالي محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية، تفرض عليها تجاوز النقاط الخلافية، والتركيز على توحيد الجهود لمواجهات التحديات الأمنية التي تواجه البلدين في سياق إقليمي متقلب ومتحول. وعلى امتداد السنوات الماضية، تمكن المغرب وإسبانيا من تفكيك عدد من الخلايا الناشطة في البلدين بطريقة منسقة ومتزامنة، بسبب تعاونهما المكثف وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية، ولا سيما في مجال محاربة شبكات استقطاب مقاتلين لمصلحة المجموعات المتشددة.

وأعلنت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في بلاغ لها أن عبد اللطيف حموشي المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني، استقبل صباح أمس الخميس بالرباط، إسبرانزا كاستيليرو لمزاريس كاتبة الدولة ومديرة المركز الوطني للاستخبارات بالمملكة الإسبانية.
ويأتي هذا اللقاء، على هامش زيارة العمل التي تقوم بها كاتبة الدولة ومديرة المركز الوطني الاسباني للاستخبارات إلى المملكة المغربية، على رأس وفد أمني رفيع المستوى، وذلك لدعم وتعزيز التعاون المغربي الإسباني في مختلف المجالات الأمنية التي تحظى بالاهتمام المشترك.
وشكّل هذا اللقاء فرصة سانحة استعرض فيها عبد اللطيف حموشي مع مديرة المركز الوطني للاستخبارات الإسبانية مستويات وأشكال التعاون الأمني القائم حاليا بين المملكة المغربية ونظيرتها الإسبانية وكذا الآليات الكفيلة بتطوير وتمتين هذا التعاون، ليكون في مستوى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وفي مستوى الجاهزية والفعالية التي تتطلبها موجبات حماية الأمن المشترك في ظل التحديات الأمنية المتنامية والمستجدة على الصعيدين الدولي والجهوي.
ويترجم هذا اللقاء، مثانة وأهمية التعاون المغربي الاسباني في المجال الأمني والاستخباراتي، خصوصا في ظل تسارع التحديات المرتبطة بالوضع الإقليمي والجهوي، وكذا بسبب المخاطر المتعلقة بمكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة السيبرانية ومختلف صور الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، بما فيها شبكات تنظيم الهجرة غير الشرعية والاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية.

ويعتبر التنسيق والتعاون المستمر في الشق الأمني بين المغرب وإسبانيا ثمرة شراكة إستراتيجية، وتجسيدا لإرادة راسخة لمواصلة تمديد وتدعيم علاقات الشراكة والتعاون الثنائي التي تربط المصالح الأمنية بالمغرب مع نظيرتها في إسبانيا، تهدف إلى الارتقاء بها إلى شراكة متقدمة مبنية على أسس متينة قوامها الثقة والمصداقية وخدمة المصالح المشتركة بين البلدين، بشكل يسمح بتحقيق الأمن والاستقرار ويفسح المجال أمام تقاسم التجارب والخبرات في مجال مكافحة التحديات التي تطرحها مختلف صور الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
ويُعدّ هذا التعاون بمثابة تنزيل للمرحلة الجديدة في العلاقات المغربية الإسبانية التي يتوقع أن تشهد بناء علاقات استراتيجية بين البلدين متعددة الأبعاد. ويظل البعد الأمني واحدا من الركائز المهمة والضرورية التي يبنى عليها هذا التعاون.
ومرد نجاح التعاون بين البلدين وجود آليات عملياتية عدة بين البلدين وعلى مستويات مختلفة في التدبير الأمني. كذلك أن التطور المؤسساتي الأمني في المغرب من خلال وجود المكتب الوطني للأبحاث القضائية ويقظة الأمن الخارجي المغربي، دفع جهات دولية عدة إلى الإشادة بالرباط في ما يتعلق بالسياسة الاستباقية الأمنية التي جعلت المغرب يتموضع داخل المعادلات الأمنية على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما كرّسته رئاسة المغرب للمنتدى الدولي لمحاربة الإرهاب لولايتين متتاليتين، وإشادة الولايات المتحدة في تقاريرها عن الإرهاب باستراتيجيته في هذا المجال، ووصفته بـ”الحليف الرئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي والعضو المهم في أجل مكافحة الإرهاب في إطار المبادرة الأميركية لمكافحة الإرهاب عبر الصحراء”. 
هناك نحو عقدين من الزمن من التعاون الأمني والاستخباري، بحكم القرب الجغرافي وتداخل الملفات بين البلدين، مثل نزاع الصحراء وسبتة ومليلية المحتلتين، وكون الجالية المغربية في إسبانيا هي الأكبر عددياً، فضلاً عن ملف الهجرة الذي ارتبط في الأعوام الأخيرة بملف الإرهاب، وهو الأمر الذي يجعل مراهنة إسبانيا على التنسيق مع المغرب مهمة لأمنها الداخلي، ومفتاحاً أساسياً في محيطها الدولي والإقليمي.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button