أخبارإفريقيا

مصر..كيف ستمثل قمة المناخ اختبارا حقيقيا لنظام “السيسي”؟

في ظل تحفظات الداخل ووسط شكوك دولية في نواياه الحقوقية

بقلم: علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الأفريقية  

  لا شك في أن نظام السيسي يعيش أحلك فتراته منذ انقلابه على ثورة 25 يناير في 03-07-2013، وإضافة إلى ذلك مصاعب النظام ليست سياسية وحقوقية فقط (بل أن حساباته قائمة على أن الحوار الوطني هو حبل نجاة له وخاصة قبل قمة المناخ) ومصاعبه هي بالأساس اجتماعية واقتصادية، ذلك أن مصر مثلها مثل تونس ولبنان هي بلدن تنتظر خبرا سارا من صندوق النقد الدولي وسيكون خبر امضاء الخبراء بعد أسابيع ربما مُحددا رئيسيا لا في مستقبل النظام فقط بل في مستقبل كل المنطقة، ذلك أن أي هزة اجتماعية قوية في المنطقة يُمكن فعليا أن تُرحل أكثر من خمسة أنظمة في منطقتي “شمال” و”غرب” القارة وفي منطقة الشرق الأوسط ككل.

وتأتي قمة المناخ المقبلة لتكون بمثابة اختبار للنظام المصري والذي يواجه كما هو معلوم للجميع تنديدات من منظمات حقوقية تنتقد سجلاته وتحاول توجيه الرأي العام نحو تجنب المشاركة في القمة وسط مخاوف السلطات المحلية من احتجاجات مرتقبة حاولت القاهرة استباقها بالإفراج عن معتقلين سياسيين وعقد مؤتمر للحوار المشار إليه أعلاه، وذلك بهدف تهدئة الشارع والأصوات المعارضة، كما أن وضع النظام في ملفات الإقليم لن يكون مريحا في المستقبل خاصة بعد أن أصبح هامش المناورة في الملف الليبي ضعيفا مقارنة بهامش نفوذ كبير راهنا للجزائريين والأتراك).

أما الملف الفلسطيني فقد انتقل جزء كبير منه إلى بلاد الأمير عبدالقادر بينما يتعقد كل يوم ملف الجار السوداني أما القمة العربية فقد تأخذ من القاهرة كل بريقها السياسي والإقليمي السابق نتاج التحضيرات الكمية والكيفية للجزائريين لها وطرحهم أجندات تُقلق السيسي ومحيطه خاصة أن ذلك يجري في ظل أزمات القاهرة المباشرة في المنطقة ولعل أهمها وأولها هو ملف “سد النهضة الاثيوبي”، ويُجيب تقرير/مقال الحال على ثلاث أسئلة رئيسية وهي:

  • سؤال أول: ما هي خطوات نظام “السيسي” ما قبل القمة وماهي تفاصيل تحضيراته لها، وكيف يمكن ان يتفادى فخاخ تنظيمها؟
  • سؤال ثان: ما هي طبيعة العلاقة الجدلية بين تنظيم القمة في شرم السيخ وبين رؤية المجتمع الدولي للملفات الحقوقيةـ وكيف ستكون القمة اختبارا حقيقيا لنظام عبد الفتاح السيسي؟
  • سؤال ثالث: ما هي الملامح الرئيسية لمستقبل النظام المصري في ظل المخرجات الممكنة للقمة؟

** مخاوف من ارباك القمة لوضع النظام، وتساؤلات حول امكانية تجاوز فخاخ تنظيمها

  1. أولا، ضاعف النظام المصري منذ أسابيع من جهوده لضمان نجاح قمة المناخ “كوب 27” في مدينة شرم الشيخ خلال الفترة الممتدة من 06 إلى 18 نوفمبر المقبل، باعتبارها مناسبة هامة وتعكس الوجه السياسي والحضاري للقاهرة أمام العالم، والذي تبدي قوى عديدة منه اهتماما بالتغيرات المناخية والتطورات البيئية خاصة وأن هذه الأخيرة لا تخلو من مضامين سياسية، وينصب جزء كبير من التركيز المصري على المكونات السياسية التي تكشف لأيّ مدى سيكون التجاوب مع القاهرة في هذه المناسبة بعد أن رمت رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة “ليز تراس” بحجر كبير في مياه مؤتمر شرم الشيخ، حيث نشرت وسائل إعلام بريطانية معلومات أشارت إلى أنها نصحت الملك “تشارلز الثالث” بعدم حضور مؤتمر الأطراف (كوب 27)، وهو ما ينطوي على تقدير غير إيجابي من قبل لندن.
  2. ثانيا، عمليا لم تُعلق الحكومة المصرية على تلك المعطيات والمعلومات التي أكدها لاحقا قصر باكنغهام، ولكن المراقبين والمتابعين أكدوا أن هناك فعلا هواجس من أن يؤثر عدم حضور الملك “تشارلز” على المؤتمر (معلوم أن الملك الحالي لبريطانيا هو من المهتمين أصلا بالمناخ والبيئة وكان له إسهام ملموس في مؤتمر “غلاسكو” العام الماضي عندما كان وليا للعهد)، بل وكان ينوي حضور مؤتمر “شرم الشيخ”، ومنذ الإعلان عن استضافة مصر لقمة المناخ بعد مؤتمر “غلاسكو” هناك أصوات تعالت من مجموعات حقوقية في العالم خوفا من التأثيرات السلبية على القمة لما يوصف ب”القيود الصارمة المفروضة على مختلف أشكال حرية التعبير في مصر، وحذرت ما يعرف بـ”الحركة المناخية الدولية” المعنية بحالة الحريات وحقوق الإنسان من عدم توافر الأجواء المناسبة للمتظاهرين للتعبير عن مواقفهم وآرائهم أثناء مؤتمر شرم الشيخ بسبب ما يتردد حول احتمال فرض قيود شديدة على حركتهم.
  • ثالثا، فعليا قررت الحكومة المصرية تخصيص أماكن مغلقة للمحتجين أيام المؤتمر على مسافة من مكان القمة في محاولة لتحجيم حركة المئات (وربما الآلاف من المتظاهرين الأجانب) متجاوزة القوانين التي تمنع التظاهر في مصر، وهي إشارة على أن القاهرة استجابت لما تعرضت له من ضغوط في هذا الشأن وطبقتها بالطريقة التي تتناسب مع قواعدها الصارمة، وتستعد أجهزة الأمن المصرية لفرض طوق أمني على شرم الشيخ والأماكن القريبة من المؤتمر وتجمّع المتظاهرين، وتنوي السلطات دفع العديد من السيارات العامة لنقل المحتجين وسط حراسة أمنية مشددة، لضمان خروج المؤتمر بسلام، وكان “السيسي” قد دعا في أفريل/نيسان الماضي إلى عقد مؤتمر وطني للحوار الشامل بين قوى معارضة والحكومة لمناقشة الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما ربطه متابعون بقمة المناخ لأنه يوحي بانفراج في مصر انتظرتها كثيرا قوى معارضة في الداخل، وقد قيل في اكثر من مناسبة أن “السيسي” نفسه قد بعث برسائل هنا وهناك معربا عن توجه نظامه لتحقيق انفراج في ملف المعارضين (بما فيهم “الاخوان”) رغم لعبه أيضا لغة الخطوة ونفيها القوي لاحقا ( وهو ما تم أيضا في ملف العلاقة بتركيا) ثم العودة الى بعث رسائل بشأنها ومعلوم أن اشارات عدة قد أكدت أن البديل في مصر قد تم الشروع في تجهيزه على غرار  تحليل ظهور “جمال مبارك” وتعدد الظهور الإعلامي لعمرو موسى وتعدد أدوار “سامح شكري”، وكل ذلك لا يُغيّب أن هناك قراءة تؤكد أن “مهمة السيسي” الرئيسية قد شارفت على الانتهاء -إن لك تكن قد انتهت منذ حوالي سنة- والمهمة هي “فرملة الاخوان وتحويلهم الى نخبة مشابهة للنهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب..”.        
  • رابعا، فعليا عقد مؤتمر الحوار الوطني ثمانية جلسات تحضيرية لمجلس الأمناء خلال الفترة الماضية وبانتظار تدشين جلسات حوارية مباشرة بين قوى وشخصيات متباينة كما قام “السيسي” بتكليف لجنة العفو الرئاسية بدراسة حالات المعتقلين في السجون (والتي تمكنت من الإفراج على دفعات عن المئات من السجناء في قضايا رأي وحريات)، وكل ذلك عزز تصورات القاهرة ورغبتها في القيام بإصلاحات سياسية، ويؤكد المتابعون للتطورات في أرض الكنانة  أنه من المرجح أن تتزايد أعداد المفرج عنهم قبيل انعقاد قمة المناخ كدلالة رمزية على أن النظام لا يقف ضد الحريات، ويُؤيد حقوق الإنسان التي وضع لها خطة شاملة بعنوان “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” أملا في تأكيد اهتمامه بهذا الملف وتسويق مفهومه الواسع لحقوق الإنسان وأنها تشمل المأكل والملبس والمسكن إلى جانب الحريات العامة من دون أن تقتصر على الأخيرة فقط بينما الحقيق انها قراءة أقرب للتعويم، وفعليا اتخذ النظام المصري مجموعة كبيرة من الإجراءات في الشكل والمضمون كي يتمكن من عبور اختبار قمة “كوب 27″، والتي تتضافر فيها جوانب متعددة، وما يهم القاهرة أن تعبر بسلام الشق السياسي في المؤتمر، لأن الجوانب المناخية والبيئة لا تمثل ضررا كبيرا عليها ويمكنها التعاطي معها بوسائل إيجابية مناسبة حتى ولو حوت انتقادات في آلية التعامل مع المساحات الخضراء التي تعرضت للتقليص مؤخرا.
  • خامسا، منحت السمعة السلبية لمصر في مجال الحريات منظمات دولية ووسائل إعلام عالمية فرصة للتشكيك فيما تتخذه من خطوات للإصلاح السياسي حتى الآن، وأسهمت الانطباعات المسبقة حول الأداء العام في مجال حقوق الإنسان في التعامل مع التصرفات المصرية بقدر كبير من الحذر والتريث انتظارا للتأكد من أنها أصيلة ولا ترتبط بانعقاد قمة المناخ على أرض مصرية، ويقول مراقبون إن المرحلة التالية للمؤتمر قد تكون أصعب من المؤتمر نفسه وما سبقه من إجراءات، لأن النتائج المترتبة عليه سوف تلعب دورا مهما في تحديد البوصلة حول آلية التعاطي النظام ومدى ما أدخله من تغييرات في مفهوم الحريات العامة وحقوق الإنسان بما يتسق مع مفردات المنظومة السائدة في العالم، وسيتزايد الاهتمام بما يجري من تطورات في مصر من هذا المنظور، ما يضع مؤتمر الحوار الوطني والقوى المشاركة فيه أمام مسؤولية مضاعفة تفرض عليه زيادة وتيرة لقاءاته والتوصل إلى مخرجات تشير إلى وجود تغيير حقيقي على المسرح السياسي.
  • سادسا، لا يُمكن تغييب أن نجاح مؤتمر المناخ يتوقف أساسا على درجة ومستوى التمثيل من الدول المشاركة فيه، ورغم ان المعطيات الراهنة تشير الى مخاوف جدية من عدم تحقيق قمة المناخ ما يصبو إليه النظام المصري من حوافز سياسية واقتصادية، فإن الرهان لا يزال كبيرا على عدم توسيع الهوة بين القاهرة وقوى غربية في ملف الحريات وحقوق الإنسان خاصة في ظل سجن اعلاميين وسجن آلاف من السياسيين ولعبه أدوارا وظيفية للسعوديين والاماراتيين والفرنسيين والروس والصينيين والامريكيين…  

** مستقبل نظام السيسي ما بعد القمة وفي أفق نهاية جوان/يونيو 2023 

  1. أولا، التحديات كثيرة أمام نظام “السيسي” قبل وبعد “قمة المناخ”، ولكن القمة ستكون مخرجاتها مهمة وتداعياتها على مستقبله كنظام ستكون كبيرة كميا وكيفيا وسيكون مضطرا لخطوات عديدة للبقاء في وضع مريح لا سياسيا وحقوقيا فقط وبل وأيضا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي وخاصة في ظل تراجعه الكبير إقليميا -كما وضحنا ذلك أعلاه- وستكون طبيعة الصراعات (وربما التباينات بين مربعاته وأركانه) محددة للمسار السياسي المستقبلي ولن تتوضح مربعات نهايته أو بقائه الا في افق نهاية جوان/يونيو 2023 أما قبل ذلك فان وضع النظام سيكون مرتبطا بالهزات الاجتماعية في بلدان المنطقة واي تغيير ولو صغيرا سيكون صداه كبيرا في المدن المصرية…
  • 2-   ثانيا ، بناء على تعدد الاضطرابات في بلدان غرب ووسط افريقيا وبناء على الامتداد الكبير للتنظيمات الإرهابية في نفس المنطقتين وفي الساحل الافيرقي تحديدا وفي ظل التراجع الفرنسي الرهيب في القارة السمراء وبناء على تشتت ذهنية الروس سياسيا (بين نية اختراق شمال وغرب ووسط القارة وغرقهم الفعلي في اتون حربهم مع اوكرانيا وفي ظل امتداد إيران وتركيا والامارات لمربعات الإقليم (عربيا وافريقيا ومتوسطيا) وفي ظل تواصل سمة العجز للاتحاد الافريقي فإن تداعيات أي تطور في أي بلد او أي مربع افريقي مهما كان بعده عن مصر فان مؤثراته على الداخل المصري ستكون كبيرة وكبيرة جدا ، ومن هنا يمكن القول أن وضع القاهرة محليا واقليميا ودوليا بن يكون مريحا بل وسيزداد كارثية بل وبوتيرة متسارعة حتى منتصف 2023 وهذا ان لم تتسارع التطورات والمتغيرات في هز اركانه اجتماعيا وسياسيا….           

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button