أخبارفي الصميم

من ينتقد من؟ ومن يبني ومن يهدم؟

هناك جملة سحرية جميلة في الفكر الماركسي، إنها رائعة فعلا ومعبرة جدا، “التغيير مقرون بالوعي الطبقي”، نعم التغير المجتمعي يشترط وعيا طبقيا. أعتقد أن كل ما يروج من أفكار هو نوع من التبسيط الساذج لواقعنا، حين يتم الحديث عن كل ما يحصل داخل المجتمع، وعن تأثيرات وسائل الإعلام عن الوعي المجتمعي.

فنحن لا نشاهد القنوات والجرائد والمجلات والمواقع الإعلامية في حد ذاتها، بل نشاهد نصوصا وأفكارا محددة، هي التي يجب أن تنتقد وأشخاص مسؤولون عن نشر هذه الثقافة كيفما كانت إيجابية أم سلبية. هذا أمر مفهوم تماما، لأن النصوص المدرجة هي من تشخص الأحداث وتؤدي دورها الثقافي المنوط بها. إنها نصوص من هذا النوع أو ذاك، تحكي قصص لها بدايات ونهايات، وقضايا عويصة ومشاكل يجب حلها، وقرارات تم اتخاذها أو في طريق التنزيل.

بقلم عبدالله العبادي

 إنها مواضيع لها القدرة على تحريكنا والتأثير فينا بطرق عميقة فكريا ونفسيا، لكن السؤال المطروح، إلى أي حد يمكن الوثوق في كل ما يعرض؟ لما افتقدنا للحس النقدي الحاد في فلسفتنا المعاصرة التي غلب عليها التشاؤم الحضاري، والهروب من الواقع بشتى الطرق، وتخلى العديد عن الأدوار التي كان من المحتمل أن يقوموا بها في يوم ما وموقف ما.

حين نمارس النقد، نحاور ونجادل ونقرا بشغف، مع الوقت والنضج الفكري سنقرأ بدون أحكام مسبقة، سنحقق تراكما فكريا، وسنكتشف جزءا كبيرا من أفكارنا كانت تصنيفات خاطئة، ربما نسينا أن ننتقد ونمارس حقنا كقراء كما يرى لوسيان كولدمان.

لا تَستغني الحياة الواعية عن النقد، ولا يشكُّ أحد في ضرورة النقد المُتجدِّد للواقع السائد في نظم المعرفة والقِيَم والاجتماع، وأنماط الفكر والفعل والسلوك؛ إذ إن إحياء الحسِّ النقدي معناه إحياء الحسِّ بالحرية والاستنارة، وضرورة التغيير والتقدم والحوار المستمر. إنها قيم مدرسة فرانكفورت.

مهما تعددت مفاهيم النقد وتنوعت أساليب تطبيقه، فهو في تصوري يهدف في نهاية المطاف إلى المراجعة وتقييم الأفكار والوقائع والأفعال. النقد يهدف دوما إلى الكشف عن تعارض الكثير من الأفكار المتداولة، والأفعال السائدة، ومعايير أصابها العجز والفساد، مع ما يجب أن يكون داخل المجتمع السوي، بغية العمل على إصلاحها والعمل على تجاوزها.

إن النقد الدائم للمعايير القائمة والأوضاع السائدة هي المرآة الحقيقية للمجتمع الواعي، وهذا الوضع يكمن في النقد الذاتي الذي يمارسه الفرد والمجتمع على حد سواء. لا شيء مستقر وثابت ومطلق بالنسبة للنقد المتحرك دوما، لذلك أرى أن النقد والنقد الذاتي يظل التعبير الحي الفعال عن الوعي الجماعي والفردي داخل المجتمع المتغير باستمرار.

النقد الحقيقي والحي، يشكل صراعا حقيقيا مع النزعات المحافظة والتي لا تريد التغيير، فهو صراع أيضا ضد الأفكار التقليدية والسلبية التي تحاول الحفاظ على الوضع القائم وتباركه أحيانا.

فلا يكفي فقط أن ننتقد الواقع المعاش ونعري عيوبه، وإيجاد أخطائه، بل يجب أن يهدف النقد الحقيقي إلى إيجاد البديل المضاد للوضع الحالي، وتأليف حل جديد أكثر نضج ووعي. فالمعني الحقيقي للنقد هو الجهد العقلي والعملي الذي يسعى دوما لعدم تقبل الأمر الواقع.  

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button