الأسبوع الأخير قبل إنعقاد القمة العربية بالجزائر..هل من مفاجآت أخرى !!
بقلم: البراق شادي عبد السلام
شَكَّلَ غياب ولي عهد السعودية لأسباب صحية عن قمة الجزائر مفاجأة كبرى في إنتظار تأكيد مشاركة دول أخرى مما سيصعب مهمة الجزائر في “لم الشَّمْل العربي “و لنفكر بشكل واقعي أكثر فغياب ولي عهد السعودية لا يعني بالمطلق غياب المملكة العربية السعودية أو تهميش الدور السعودي المحوري في حفظ التوازنات العربية / العربية .
من ناحية أخرى على المستوى الداخلي في الجزائر فإن هذا الغياب سيؤكد كرة أخرى الفشل الذريع للدبلوماسية الجزائرية في إدارة ملف العلاقات العربية و محدودية تأثيرها على المواقف العربية و نهاية أسطورة رغبة قادة الجزائر بإرساء مقاربة جزائرية جديدة تهم القضايا العربية على إعتبارها دولة محورية و يؤكد على حقيقة ثابتة أن نهج “دبلوماسية الكيد “ وخلط الأوراق الإقليمية و العبث بالأمن القومي للدول إنطلاقا من تصريحات إنفعالية أو إستعراض القوة من طرف نظام شمولي بفكر بومديني توسعي هو أمر مرفوض عربيا و إقليميا .
هذه القمة التي تعقد في ظل مناخ عالمي تهيمن عليه ظلال مواجهة نووية بالنظر لتعقد الموقف الجيوسياسي في أوكرانيا بين أقطاب الحرب الدائرة هناك و الموقف العربي المأزوم نتيجة الأزمات الإقتصادية التي تضرب معظم الدول العربية و تصاعد المواجهات بين دول الخليج و أمريكا على خلفية أزمات النفط و قضايا التوازن في الإنتاج النفطي وجنوح السعودية للخروج من العباءة الأمريكية للبحث عن تموقع جديد في المسرح العالمي .
بناءا على ماسبق فإن الأجندة الجزائرية داخل القمة العربية تطرح أكثر من علامة إستفهام بالنظر لسلوك و طبيعة تحركات النظام الجزائري إقليميا و قاريا و دوليا خاصة في السنوات التي أعقبت الحراك الشعبي الذي عرفته مختلف مدن الجزائر لشهور رفضا للحكم العسكرتاري و تدخل الجيش في الحياة السياسية و الإقتصادية .
الملاحظ أن الجزائر طوال السنوات الأخيرة إصطفت في مواقفها السياسية و العسكرية إلى جانب المحاور المعادية للأمن العربي المشترك سواء من خلال علاقاتها المتميزة مع نظام الملالي في طهران و الإشراف على تقارب عسكري بين ميليشيا حزب الله في بيروت و الحرس الثوري الإيراني بطهران و عناصر ميليشيا البوليساريو الإنفصالية بتندوف في تهديد واضح للوحدة الترابية و الأمن القومي لدولة عربية محورية و مركزية هي المملكة المغربية ثم الموقف من نظام بشار الأسد في دمشق و التقارب مع الجانب التركي في الملف الليبي و التهديد بالتدخل داخل التراب الليبي برسم خط أحمر في طرابلس ردا على المصري سرت – الجفرة و الموقف من السودان و اليمن و تدخلات الرئيس تبون التي تمس الوحدة الخليجية و الأمن الخليجي حيث أكد الرئيس الجزائري أمام الجالية الجزائرية بالكويت سابقا بالحرف ” من يمسّ الكويت أو قطر أو السعودية كأنما مسّ الجزائر” في إستثناء مفضوح للدول التي أقامت علاقات مع إسرائيل كالإمارات و البحرين و عمان أو الشطحات الأخيرة لتبون مع الفصائل الفلسطينية .
الجزائر رفضت فكرة المشاركة في القوة العربية المشتركة التي شكلتها الجامعة العربية بمناسبة القمة العربية شرم الشيخ بمصر سنة 2015 في مسعى لمواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية والمساس بأمن وسلامة وإستقرار أي من الدول المشاركة في القوة العربية وتشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي.
كما رفضت الجزائر المشاركة في مبادرة “عاصفة الحزم“ التي شاركت فيها بعض الدول العربية تحت قيادة السعودية في حربها على “الحوثيين” في اليمن، أيضا رفضت المشاركة في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي يضم 41 دولة عربية بينها 19 دولة عربية و مقره الرياض .
كل هذه المواقف الديبلوماسية المتقلبة و الغير ثابتة و المبنية على ردود أفعال بدون منهجية سياسية واضحة تؤكد على العطب الكبير الذي يمكن أن يصيب الموقف العربي المشترك و قد يصيب معه القمة العربية بشلل تام سيحولها لإجتماع مناسباتي إحتفالي و برتوكولي عادي ببيان ختامي بلغة إنشائية غير قابلة للتنزيل .
توحيد الصف العربي و الوحدة العربية ظل شعارا أبديا لأغلب القمم العربية من أكثر من 80 سنة من عمر العمل العربي المشترك حيث أن جامعة الدول العربية هي أقدم منظمة دولية قامت بعد الحرب العالمية الثانية في 22 مارس 1945 أي قبل الأمم المتحدة بشهور .
بالنظر للتاريخ قبل أربعين سنة في مؤتمر القمة العربية الثانية عشر بمدينة فاس التي عقدت تحت شعار :” لم شمل الأمة العربية” إستطاع الراحل الحسن الثاني الوفاء بتعهداته لكل الحضور من ملوك و رؤساء الدول العربية بتحقيق الشمل العربي في مرحلة تاريخية دقيقة عاشتها الأمة العربية تمثلت في حرب لبنان و خروج الفصائل الفلسطينية و الحرب العراقية الإيرانية و الصراع الشخصي بين صدام حسين و حافظ الأسد و معمر القذافي و الخلافات العربية / العربية الأخرى و غياب مصر عن العمل العربي المشترك بسبب إتفاقية كامب ديفيد و إنقسام الموقف العربي .
كل هذه العوامل و التحديات و الصعوبات التي واجهت القمة لمدة اربعة أيام إستطاع الملك الحسن الثاني إنجاحها و الخروج بمبادرة فاس 1982 التي مهدت لبدأ المسار السياسي لحل القضية الفلسطينية بتوافق عربي/ عربي ، هاته القمة التي إنتهت بمشهد قل نظيره في التاريخ العربي المعاصر عندما إستقل كل القادة العرب شاحنة عسكرية مغربية مكشوفة للقيام بجولة إستعراضية في إحدى ساحات إيفران كدلالة على التوافق العربي و نجاح العمل العربي المشترك .
كاريزما الراحل الحسن الثاني و عبقريته الديبلوماسية و الإحترام الشديد الذي يكنه القادة العرب للمغرب ملكا و شعبا كانت من الأسباب الرئيسية لنجاح القمة العربية في مساعيها للم الشمل العربي .
فالمملكة المغربية لها دور مركزي في العمل العربي المشترك أسسه الراحل محمد الخامس إنطلاقا من خطاب طنجة التاريخي سنة 1947 و كرسه الراحل الحسن بتوازناته العربية و علاقاته المتشعبة و حافظ عليه جلالة الملك محمد السادس بنهج سياسي متبصر واقعي و ديبلوماسية إستباقية صادقة.
اليوم الجزائر بتوجهها البومديني التوسعي و بشعاراتها التي تعود للحرب الباردة و طبيعة تحالفاتها الدولية و مواقفها القارية و أسلوب إدارة الرئيس عبد المجيد تبون الإنفعالي لملف العلاقات الخارجية سيؤثر بشكل كبير على أشغال القمة التي ستكون محفوفة بإختلاف وجهات النظر و العقبات و المطبات و الخلافات البينية و قد تكرس حالة الإنقسام العربي بدلا من تحقيق المصالحات و لمَّ الشَّمل .
القمة العربية المقبلة يراهن عليها النظام الجزائري لتثبيت موقعه كقوة إقليمية مؤثرة في الأمن الإقليمي من خلال إستعراض القوة العسكرية و تقديم الجيش الجزائري
” بشكل غير مباشر ” كضمانة إستقرار إقليمية متكئا على مداخيل تقدر ب 150 مليار دولار سنويا مستعد لتبديدها في صفقات تسليح و تمويل الميليشيات الإنفصالية و التهديد بمغامرات عسكرية غير محسوبة النتائج .
رؤية ساكني قصر المرادية تعاكس بشكل كامل رؤية أغلب الأنظمة العربية الحالية سواء في الشرق الاوسط أو شمال إفريقيا التي تنتظر تفعيل التضامن العربي في المجال الإقتصادي و البحث على فرص تنموية حقيقية و على صناديق ” سيادية ” تمول برامجها الإستثمارية و البحث عن أرضية عربية مشتركة لقضايا التغير المناخي و الأمن الغذائي و الإرهاب و قرار سياسي عربي موحد بعيدا عن التقاطبات الدولية و خطاب الهيمنة الإقليمية و إستعراض القوة في ظل تحديات إجتماعية و إقتصادية و مواجهة عالمية مقبلة تدق طبولها بشكل جدي بين العواصم المؤثرة في القرار العالمي .