أخبارتقارير وملفات

من يَسعَى لأفغنة منطقة الساحل والصحراء، ولماذا؟

بق

بقلم/علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والإفريقية

بعد قرار الرئاسة الفرنسية انهاء عملية قُوة “برخان” يوم 09 نوفمبر الحالي

كان الصراع على أفغانستان نهاية سبعينات القرن الماضي قائما على موقعها الاستراتيجي وأهميتها الجيوسياسية في اوج الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، ومعلوم أن الأمريكيين قد اعتمدوا يومها خطة “زبيجينوبريجنسكي”– مستشار  كارتر- والتي قامت على استراتيجيا  توريط الروس في حرب لا قبل لهم بها ولتتحول لاحقا كل المنطقة (بكستان- أفغانستان وخاصة هذه الأخيرة) الى بؤرة توتر وكانت طريقا لإنهاء الاتحاد السوفياتيكقوة عالمية سنة 1989، وقد اعتقد كثيرون أيضا وفي مارس الماضي أن أوكرانيا هي أفغانستان2 – ولا شيء يُوحي حتى اليوم أنها لن تكون فعلا رغم الفوارق والخصوصيات- وفي ظل تطور الأحداث في الساحل الافريقي وما جد في دُوله من انقلابات وعدم استقرار وتقدم للروس والغضب المتنامي ضد الفرنسيين وبصور وأشكال تكاد تكون نسخ طبقا للأصل قرر الفرنسيون أخيرا انهاء وجودهم والاعلان عن نهاية عمليتهم العسكرية هناك، وأما الامتداد الكبير للتنظيمات الإرهابية على غرار خلايا داعشوفروع تنظيم القاعدة وأيضا جماعات محلية متشددة خاصة وأن هذه الأخيرة تعتمد العنف للسيطرة على الأراضي،وكل ما سبق يوحي بالتساؤل: هل نحن أمام افغاستان2  وحتى إن كان الوضع اليوم غير مشابه بما جرى سنة 1979 في افغانستان أي لحظة دخول قوات الجنرال السوفياتي “رشيد دستم”الى المدن الأفغانية،فإن الوضع مستقبلا قد يتحول الى حالة مُشابهة وخاصة في ظل صراع النفوذ بين اطراف دولية وإقليمية عدة وهي قوى واطراف تتضارب مصالحها في افريقيا ولكنها تلتقي في الأخير في حاجتها لموانئ وسواحل وثروات وخيرات افريقيا وخاصة في ظل اكتشافات الغاز الرهيبة في موريتانيا، وهو ما قد يدفع تلك القوى الدولية الى خوض حروب ناعمة تخوضها أجهزتها المختلفة وفي ما بينها للتغطية على مطامحها وتنزيل استراتيجيتها طويلة المدى والمرتبطة في بعضها بمصالح محاقل واستراتيجيات ثقافية ومصالح شركات عالمية عابرة للقارات، وهنا يطرح استفهام أولي وهو: من يسعى فعليا لأفخنة منطقة الساحل والصحراء الافريقيتين ولماذا قد يتم ذلك؟

  1. أولا،قرار الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إنهاء مهمة قوة برخان المكلفة بمكافحة “الجهاديين”،اعتبره الكثير من المراقبين بمثابة إطلاق لأيدي المسلحين المتشددين في منطقة الساحل والصحراء، تماما مثل الانسحاب الأميركي من أفغانستان الذي مكّن طالبان من استلام الحكم، وان كانت عملية القياس فيها كثير من التعسف المنهجي الا أنها من حيث البيئة السياسية وطبيعة ما قد يجري ويتم الترتيب اليها فإنها صحيحة، ولكن رغم ذلك لا يمكن تغييب أن فرنسا قد سعت لخوض الحرب على الإرهاب بمفردها في الساحل والصحراءفإنها تريد اليوم أن تنسحب الآن وتكلف القوات المحلية بخوض الحرب على أن تكتفي هي بالدعم الاستخباري والتدريب – أي القيادة من الخلف بدل المواجهة الميدانية- وهو ما يعني أن الحركات “الجهادية” ستعود بقوة لأن الجيوش المحلية محدودة التسليح والخبرة في الحرب على الإرهاب، وأن دول المنطقة ستجد نفسها في مواجهة أفغانستان ثانية في الساحل والصحراء، واذا ما اعتبرنا ان باريس قد سقطت في الفخ الروسي عندما تحالفت او بالأحرى تقاطعت معه منذ سنة 2018 لتجد نفسها مغضوب عليها شعبيا بل وتُطالب بالخروج من طرف شعوب تشاد وبوركينافاسو ومالي والنيجر بل وترفع ضدها نفس الشعارات تقريبا، ولكن السؤال هنا أي علاقة لواشنطن وموسكو وباريس بما قد يجري مستقبلا لو تحولت منطقة الساحل والصحراء فعلا لأفغانستان2، وما هي مسؤوليات العواصم الثلاث في ذلك وما قد يترتب عنه؟…   
  • ثانيا، لم تتحمل باريس أخطاء سياستها التكتيكية في افريقيا وانتبهت منذ أشهر مثلها مثل بقية دول الاتحاد الأوروبي إلى أن التعاطي الأمني فقط مع القارة السمراء خطأ استراتيجي وان ثمنه كانت باهضا وهو ما دفع نحو الاستدارة الكاملة حاليا تجاهها بناء على موضوع الأمن الطاقيبل من الواضح أن باريس قد أبدت  رغبتها في تأمين حصص كافية من الغاز،وقد حاول الرئيس الفرنسي الإعلان عن قرار الانسحاب دون إثارة غضب الفرنسيين أو شركائه الأفارقة، من خلال الحديث عن الاستراتيجية الفرنسية الجديدة في أفريقيا التي قال إنها ستكون جاهزة في غضون ستة أشهر بعد مشاورات باريس مع شركائها وهي إشارة إلى الخطوات التي ستتخذها فرنسا بعد الانسحاب وكيفية تهيئة جيوش المنطقة لهذه الحرب الصعبة، وقال ماكرون خلال عرضه الاستراتيجية الفرنسية الدفاعية الجديدة “سنطلق في الأيام المقبلة مرحلة مشاورات مع شركائنا الأفارقة وحلفائنا والمنظمات الإقليمية لكي نطور معًا وضع وشكل ومهمات القواعد العسكرية الفرنسية الحالية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، ولكن السؤال الذي سيُطرح آليا ههنا هو: هل هناك ضامن موضوعي أن تتسارع الأحداث وتتحول منطقة الساحل الى ما يشبه “الأفغنة” وخاصة في ظل امتدادات حقيقية للتنظيمات الإرهابية وخاصة وان مدة كافية لتجد تلك التنظيمات لنفسها مساحات لتوج حوضان شعبية عبر تحالفات مع أطراف محلية؟…   
  • ثالثا، الرئيس الفرنسي اكد أيضا في خطابه الذي اعلان فيه القرار الأربعاء الماضي – أي بتاريخ 09-11-2022- بالقول “لن نكون متفرجين صبورين يشهدون انتشار أخبار زائفة أو سرديات معادية لفرنسا”، مشيرًا إلى أن “تأثير” فرنسا سيرتقى إلى مستوى “الوظيفة الاستراتيجية” التي ستعمل عليها وزارة الدفاع الفرنسية، وقبل كلمة “ماكرون” يومها قال قصر الإليزيه إن خطاب الرئيس “فرصة للاحتفال رسميّا بانتهاء عملية برخان والإعلان عن عملية تكييف كبيرة لقواعدنا في أفريقيا، وذكر الإليزيه أيضا أن المبدأ هو “الحد من انكشاف قواتنا العسكرية وظهورها في أفريقيا والتركيز على التعاون والدعم (…) وأساسا من ناحية المعدات والتدريب والاستخبارات والشراكة إذا رغبت الدول في ذلك…”، ومعلوم أن “ماكرون” نفسه  قد راهن فور وصوله إلى السلطة الى إنشاء قوة لمكافحة “الجهاديين” من قبل الدول الخمس في مجموعة الساحل لتمهيد الطريق أمام مهمة إنهاء عملية برخان، لكن ذلك لم يكن ممكنا، ومعلوم أن الدول الخمس لا تخفي ترددها في قبول مهمة خوض الحرب ضد الجهاديين، فهي لا تمتلك التسليح الكافي ولا الخبرات في حرب العصابات ومعارك الاستنزاف، وترى أن على فرنسا أن تستمر في تحمل المسؤولية. والآن، بعد أن حسم “ماكرون” الأمر بالانسحاب، لا يبدو أن أي دولة من الدول المعنية، جماعيا أو فرديا، قد استعدت لهذه اللحظة، ومعلوم أن الأمم المتحدة ضمن تقرير لها في ماي 2021 قد عبرت عن أسفها لأنه “بسبب محدودية قدراتها التشغيلية واللوجستية، مازالت القوة المشتركة (الخاصة بالدول الخمس) تواجه صعوبة كبيرة في إمداد قواتها”. وأضافت أن “عدم كفاية المعدات ظل شاغلا يوميا يعيق كفاءة وعمليات الجنود المنتشرين في المعسكرات ويقوض معنوياتهم”.
  • رابعا، الخلاصة أن منطقة الساحل والصحراء اليوم أمام وضع لا تُحسد عليها فالانسحاب الفرنسي ستكون توابعه كارثية – وليس معنى ذلك ان بقاؤه أيضا مُجد أو مفيد- لأن افريقيا تعيش مرحلة تحولات كبيرة فهي القارة الأقل تلويثا للمناخ بينما هي الأكثر تضررا منه وهي أيضا القارة التي ستكون مخاطر التغيير المناخي كبيرة على بلدانها وخاصة في “الشرق” و”الشمال” ودول الساحل تحديدا، كما ان التنظيمات الإرهابية تتبرص ببلدانها وخاصة في “وسط” و”غرب افريقيا” وهي تنظيمات توظف حالة الا استقرار بعد ست انقلابات تقريبا منذ بداية 2021 بل أن بلد مثل “بوركينافاسو” تسيطر فيها الجماعات على 40 بالمائة من الاراضيبل وتم فيها تنفيذ انقلابين في غضون السنة الحالية (انقلاب في جانفي وآخر أكتوبر في أكتوبر الماضي) وهي كلها معطيات ومحددات تتجه بمنطقة الساحل والصحراء مثلا الى ان تكون أفغانستان 2 ولا شك وخاصة اذا ما تظافرت المعطيات والظروف وتعدد التداعيات المتواصلة للحرب الروسية والاوكرانية وخاصة في ملف الغذاء إضافة للهشاشة الاجتماعية لمواطني المنطقة…

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button