تغيرات الروابط الإجتماعية وأثرها على تربية الجيل الجديد
للآباء دور محوري وعلاقتهما تُحدد بطريقة محددة مستقبل الطفل، والأسرة تمارس على الأطفال نموذجا ثقافيا خاصا، وهذا صحيح لكل أنواع المجتمعات كيفما كانت تقليدية أو ذات تصنيع عالي. ولفهم الادوار التي تقوم بها الأسرة ينبغي أن نذكر بأن الاسرة نظام اجتماعي يشتمل على اربع مكونات رئيسية :
1- المصادر : وتشمل الوسائل المتاحة للاسرة لإشباع الحاجات الفردية والجماعية لافرادها.
2- التفاعل : تمثل العلاقات بين افراد الاسرة وباقي اعضاء المجتمع.
3- الوظائف : وهي كل الحاجات التي تتحمل الاسرة مسؤولية تلبيتها.
4- السيرورة : انها سلسلة التغيرات التي تلحق بالأسرة.
وبتكامل هذه الأدوار يمكن للأسرة أن تؤدي دورها المنوط بها، ويشعر أفرادها بالارتباط الاسري والعاطفي القوي من جهة وبالاستقلالية والخصوصية من جهة أخرى. مما يقلل نسبة التفككات العائلية التي تؤثر على سلوك الطفل باعتبارها اللبنة الأولى التي يتعامل من خلالها الطفل، ويبدأ تكوين ذاته والتعرف على نفسه عن طريق عملية الأخد والعطاء والتعامل بينه وبين اعضاءها.
ويؤثر المركز الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في شخصية الطفل تكوينا واتجاها. فالأسرة ذات المستوى الاقتصادي العالي تتيح لاطفالها فرص التمتع بالخدمات الاجتماعية المختلفة بسهولة ويسر مما يؤدي إلى أن تستغل طاقات هؤلاء الافراد وقدراتهم إلى اقصى حد ممكن، بينما يكون المركز الاقتصادي والاجتماعي المتدهور عائقا أمام تمتع افراد هذه الاسر بالخدمات الاجتماعية وخاصة التعليمية منها.
ودور الاسرة نحو الطفل يتمثل في ثلاث وظائف أساسية هامة في المجتمع :
1- انها تنتج الاطفال وتمدهم بالبنية الصالحة لتحقيق حاجاتهم البيولوجية والاجتماعية.
2 – انها تعدهم للمشاركة في حياة المجتمع وفي التعرف على قيمه وعاداته.
3- انها تمدهم بالوسائل التي تهيء لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع.
إلا أن التغيرات التي طرأت على الأسرة جعلتها مقسمة بين تيارين تيار الجيل القديم والتيار الجديد، مما أدى إلى تنافر بين الاباء والابناء، ونتج عن ذلك نضال فكري يتضح في ثورة الجديد على القديم، ولا شك في أن التربية تقوم بدورأساسي في تعريف الجيل القديم بما تحقق من تطور وبالطرق التربوية الحديثة التي يجب أن تسود معاملات الاباء للأبناء في هذا العصر الذي يحس فيه الجيل الجديد بنوع من الاستقلالية والشخصية الانفرادية.
إن تبني الاباء لمواقف متطرفة ومتعصبة في تعاملهم مع الابناء كالإفراط في الحماية، والرفض والاهمال، أو قساوة المعاملة، غالبا ما يقود إلى عدم النضج وافتقار الشخصية إلى التكامل، فحماية الطفل بشكل مفرط بدون مبرر. هي في الواقع حرمان له من فرص ضرورية للنمو والتكيف والقدرة على مواجهة تحديات مصاعب الحياة اليومية. كما أن الإهمال والرفض والعنف لايولد إلا السلوكات الشادة. ومن جهة أخرى فخلافات الوالدين لها تأثيرات كبيرة على نمو شخصية الطفل واكتمالها، كما أن التشاجر بين الزوجين أمام مرأى الاطفال وباستمرار يولد لدى الطفل شعورا بالقلق والتوثر ويكونون أقل قدرة على التعامل مع مشاعرهم وسلوكهم وميولاتهم. فالجو الاسري السلبي عموما وكيفما كانت الاسباب يقود إلى مشكلات سلوكية عالية من الضيق النفسي، وتبين أن الخلافات الزوجية، في مرحلة ماقبل المدرسة، تترك تأثيرات طويلة الأمد تستمر إلى مرحلة متقدمة من العمر. يكون الابناء أقل قدرة من غيرهم على بناء علاقات اجتماعية ايجابية مع المحيط ومع الاخرين، وأقل قدرة على ممارسة الضبط الداتي، ورغم أن الخلافات والمشاجرات بين الزوجين عملية طبيعية في الحياة الاسرية مادامت في حدود معينة إلا أن الصراعات الدائمة بين الزوجين التي تحدث على مرأى الاطفال الصغار قد تكون لها انعكاسات سلبية على الاطفال.
فالروابط الأسرية إذن هي نتائج تفاعلات معقدة بين جملة من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، ويتحدد ترابط الاسرة على ضوء عوامل داخلية وخارجية، فالمحيط الاجتماعي له تأثير كبير على الوسط الاسري، إذا كانت الاسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع. وأساس وجوده. فالمجتمع هو الذي يشكل وينظم نمط الاسرة ووظائفها، أما العوامل الداخلية والتي تشمل طرق استجابة أفراد الاسرة كل منهم للآخر ومدى إشباعهم لحاجاتهم بشكل تبادلي ومستوى الانسجام والتجانس فيما بينهم، فإنها لاتقل أهمية من العوامل الخارجية على صعيد تحقيق الترابط، والحياة الأسرية بما تتضمن من تفاعلات مستمرة بين عدة مستويات وأطراف متفاوتة من الاعتماد المتبادل، قد تنطوي على صعوبات مختلفة مثلما تنطوي على الشعور بالأمن والانتماء، والنتائج المحتملة كوحدة وظيفية أصبحت أكثر وضوحا من ذي قبل. اضف إلى ذلك التحولات التي تعرفها الاسرة اليوم في مجتمعنا، تحولها من الأسرة الممتدة إلى النووية يستغرق وقتا طويلا. وفي ظل ظروف اقتصادية واجتماعية مزرية، سيكون الثمن المدفوع لذلك، هم الأطفال، عكس ما حدث بأوربا ، حيث تزامن التحول مع بداية التصنيع، ولذلك فإن تحول الأسرة اليوم يتزامن مع عصر العولمة والازمات الاجتماعية الحادة، والنمو الديموغرافي السريع، سيؤثر بدون شك على البنية الاسرية، وسيجمعها عرضة للأزمات أكثر من أي وقت مضى ويؤدي بالتالي إلى تردي دورها التربوي وإلى ظهور حالات طفولة شادة.