تتفاعل المجتمعات البشرية وتنمو باستمرار نحو ايجاد بدائل وأنماط تتناسب مع مستوى التقدم العلمي والثقافي في العالم، من أجل تحقيق حياة أفضل، تتماشى مع المتغيرات الكبيرة في العالم. إذ لا يمكن أن تبقى الثقافة السائدة في مجالات الحياة المختلفة المتمثلة بفرص العمل، والسلوك والفهم وغيرها هي نفسها، خصوصا بعد تغير كثير من القواعد التي كانت تعتمد عليها مختلف العلوم والتطبيقات.
واليوم وفي ظل التكنولوجيا الحديثة والعالم الاتصالي المفتوح، تحتم تصميم خطاب رصين يحقق رسالته وأهدافه، بعد أن أتاح له التقدم أن يدخل عالم التحول الرقمي الذي يعجل في وصول الرسالة الى المتلقي بكل سرعة ودقة ، ويحصل على رجع صدى يمكنه من تعديل ما أرسل. ويمثل الخطاب الديني أهمية في العصر الرقمي نظرا للقدسية والتأثير المجتمعي الذي يمثله، بمنأى عن التعصب والكراهية، حيث يحافظ على تماسك المجتمع واعلاء قيمه وعاداته وتقاليده الحميدة، ولذلك من الضرورة الاستفادة من الرقمنة عند التعامل مع هكذا خطاب.
وتتمحور التساؤلات في كيفية تحقيق التفاعلية والاستفادة ما بين الخطاب الديني وعملية التحول الرقمي، وما هي العوامل التي تؤهل القائم بالاتصال لتصميم خطاب ديني عبر استغلال وسائل رقمية، وكيفية تحقيق مسار للخطاب في خضم خطابات الكراهية والتعصب السائدة. وما هي العوامل المؤثرة على القائم بالاتصال وعلى الخطاب الديني عند القيام بتنفيذ هذه المهام.
كما تبرز لنا الحاجة لدراسة هذا الموضوع الحيوي لأهمية مكانة الدين ومدى تأثيره على المجتمعات، في وقت أصبحت فيه المنصات الاعلامية متاحة للجميع في عالم اتصالي مفتوح، ما يتطلب خلق حصانة فكرية وثقافة دينية تعمل على تحقيق الاستقرار والحياة الحرة الكريمة ودحر الارهاب بمختلف أشكاله وصوره، وبيان مدى تأثير العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية في الخطاب الديني، وكل ذلك باستغلال صحيح لوسائل التحول الرقمي، ووعي ومهنية القائم بالاتصال، وقدرته على التفاعل معها. وبهذا فإننا نسعى الى التوعية بأهمية الدين من خلال زيادة المعرفة العلمية التقنية بوسائل الاعلام الحديث أو البديل، من خلال استثمار التحول الرقمي، بغية ايصال رسائل اعلامية سريعة وفق خطاب ديني اجتماعي مدروس بعناية، لحماية المجتمع واعلاء قيم الدين، ومن ثم خلق حصانة أمنية فكرية ضد البروباغاندا المعادية للاساءة للدين وقيم المجتمع
ويعد الخطاب الإعلامي نمط الحياة الطبيعي الذي يعيشه الناس ونمط ممارساتهم اليومية التي تصدر عنها الأفكار والمعتقدات والأحداث التي يمرون بها، فهو يَنقَل كل هذا ويَبثّه عبر وسائل الإعلام المختلفة، ليصل إلى الجمهور في كل مكان، وهو قادر على توجيه الرأي العام كما شاء، لما له من تأثير قوي على المتلقي. فهو الممارسة الاجتماعية في أي مجتمع، وهو مجمل القول والفعل، ويقوم الخطاب بنقل الممارسات الاجتماعية الى الجمهور عن طريق وسائل الاعلام.
وبلا شك فإن هناك عوامل كثيرة تؤثر في تحقيق المتغيرات، وتقبل ثقافات جديدة وفق خطاب اعلامي صحيح، مثل التكنولوجيا، والعوامل السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية. كما أن وجود تفاهمات دولية وحوار بين الأديان، وتقارب الحضارات، بعيدا عن التقوقع والتحيز والعنصرية والطائفية، والتيقن بأن التنوع الثقافي يُستمد من تجارب وإسهامات جميع البلدان والثقافات والشعوب، يعزز من القيم الإنسانية ويقيم أرضية مشتركة، وينعكس بدوره على التفاعل الايجابي ما بين الشعوب، ويساعد على تقبل ثقافات بديلة لا تؤثر على الأصول والثوابت والعادات والتقاليد الحميدة، وصولا لتحقيق الأهداف العليا نحو بناء مجتمع سليم قادر على التعايش مع نفسه ومع المجتمعات الأخرى بسلام
ومعلوم أن وظيفة الخطاب الديني هي تلبيغ دعوة الله تعالى إلى الناس حتى تكون منهج حياة لهم، وحتى يؤدي هذا الخطاب وظيفته هذه فلا بد أن تتوفر فيه مجموعة من السمات التي تمكنه من ذلك، وتجعله أكثر إقناعاً وإفهاماً، وله سمات أهمها الربانية والواقعية والعقلانية والترفع عن البذاءة.
والقائم بالاتصال يتوجب عليه أن يكون ملما بأمور الدين وفقهه، ذو مكانة اجتماعية وثقافية، محايدا…..