لا يمكننا إخفاء شعورنا بالمرارة؛ على الرغم من أن هزيمة الأسود أمام المنتخب الفرنسي في نصف نهائي مونديال قطر 2022 هي هزيمة أمام بطل العالم في نسخة مونديال روسيا لسنة 2018، إذ كنا قريبين أكثر من مرة من تغيير نتيجة اللقاء..
وفي المقابل، لا يمكن لنتيجة هذا اللقاء أن تفسد علينا نشوة لحظات الحماس القوي وقتالية “أسود الأطلس” والندية رغم الأعطاب والعياء؛ وهو ما يجعلنا نقف جميعا احتراما لفريق شاب بطموح عالمي، أرغم أعرق الفرق وأقدر المدربين والمحليين المتخصصين على احترامه وخرج من التباري على الكأس مرفوع الهامة وسط تصفيقات الملايين من كل بقاع العالم…
ولأن المناسبة شرط، فإنه لا يمكن لعاقل وصف إنجاز المنتخب المغربي في “مونديال قطر 2022” بأنه صدفة أو ضربة حظ؛ لأننا بترديدنا لمثل هذه التوصيفات، التي تحاول عبثا بعض المنابر الرخيصة تسويقها، نسيء عن حسن نية إلى عمل جاد وشاق دام عشرات السنوات ارتفعت وتيرته بعد تأسيس أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، وتقدم مستوى البطولة الوطنية وفوز فِرقها ببطولات قارية ومشاركات عالمية…
وفيه جهل بيِّن بالشخصية المغربية وبتعلق أبناء هذا البلد حتى من خارج الحدود واستعدادهم الخرافي من أجل المساهمة في كل برامج التنمية بما فيها تفضيل اللعب للمنتخب المغربي على منتخبات بلدان الإقامة… كما فيه جهل فاضح لتاريخ الدولة المغربية الممتد في عمق التاريخ….
إن ما نراه اليوم من تفاعل قوي وتعاطف عالمي مع المنتخب المغربي وتشجيعه بالذهاب بعيدا في هذه النهائيات، فلأنه أصبح مثلا في الإقدام والتحدي لكل تلك الشعوب والدول وبأنه “نعم نستطيع” Yes we can.. لكن بشرط توفر ظروف العمل والمثابرة، لأن الأمر ليس بنزهة صيفية…
وبعيدا عن أي دغدة عاطفية أو مسايرة لبعض القراءات التي جنحت إلى العزف على وتر العاطفة وربطت بين نتيجة لقاءات رياضية بسياقات تاريخية أو سياسية… فإن الناخب الوطني المغربي وليد الركراكي ظل يكرر عبارة “ديرو النية”، وقد فهمت من زاويتي الضيقة كلامه بأنه كان يعني “ديرو الثقة” في شبابكم وفي مؤهلاتكم وضرورة التخلص من عقدة تفوق الآخر والثقة في النفس في خوض كل المعارك الرياضية أو غيرها.. كما فهمت أنه كان يهدف إلى إشاعة الطاقة الإيجابية، سواء داخل الفريق أو وسط المشجعين في الملاعب أو البيوت….
أعتقد أن الإنجاز المغربي بقطر هو بمثابة إشعار آخر بنضج التجربة المغربية، وأنه حان الأوان لبداية قطف بعض النتائج؛ وكانت أولاها من ملاعب دوحة العرب بقطر، وأنه تجب الاستفادة من هذا الجو المفعم بالنصر والعزيمة والتحدي حتى بعد نهاية مونديال قطر..
كما أعتقد أنها لحظة فارقة على مستوى الاهتمام الإعلامي العالمي بالمغرب، وعلى مستوى “محركات البحث الإلكتروني” عن تاريخ المغرب الرياضي والسياسي والتاريخي والثقافي؛ وهو ما قد يمهد لفرص أكبر على مستوى السياحة أو الاستثمار… ولدينا في نموذج إسبانيا، بعد مونديال 1982، خير دليل على ضرورة توظيف كل هذا التوهج والاهتمام العالمي بالمغرب…
وفي مقابل رفض قراءات ربط الإنجاز المغربي بالصدفة والفأل الحسن والحظ الوافر، فإننا نستلهم قراءات الحضور المغربي في مونديال قطر كخروج الزهر من بين الصخور وفوران عيون الماء وسط رمال الصحراء، وكل ما تحمل من رسائل الصمود والتحدي والمثابرة..
صحيح أننا لم نربح الكأس… لكننا ربحنا العالم، ووقفنا على قوة المغرب في لمّ شَمل العالم العربي والإسلامي والإفريقي… وسيحكي التاريخ بكل فخر عندما سكت العالم وتضامن مُواسيا المغرب في وجعه الجماعي بموت “الطفل ريان” في البئر، أو عندما خرج العالم في الشوارع والساحات في خريف بارد لسنة 2022 فرحا بإنجاز المغرب في مونديال قطر…
لقد شاهدت أحد الإخوة المشارقة يبكي فرحا على إنجاز الأسود متسائلا: مِين إنتو.. مين إنتو…؟ نجيبه بكل بساطة: حْنا لمْغاربة ونفتخر.. بالصورة الجديدة لمغرب اليوم.. وبشبابه في مونديال قطر وبنسائه ورجاله في المدرجات أو المقاهي أو الساحات والبيوت… نفتخر بصورة أفراد العائلة وبدفئها وتضامنها… نفتخر بصورة الحضور القوي للأم المغربية، بكل بساطتها وعفويتها ومشاركتها فرحة الفوز والتأهل داخل الملعب وخارجه…
سواء ربحنا الكأس أم لا، فإن المغرب أكد مقولة أنه ليس بسقوط الماء مرة واحدة يشق الصخر؛ بل هو تكرار عملية السقوط مرات عديدة… يعني أن النصر هو نتيجة عمل جاد لعشرات السنوات ومرور عشرات الأطر المغربية والأجنبية، أضف إليها تجارب أطر ولاعبين من مغاربة العالم… لذلك، لا نميل إلى وصف الإنجاز المغربي بـ”المفاجئ”؛ بل هو أحدى ثمرات نضج التجربة المغربية…
شكرا لـ”أسود الأطلس” على القتالية والطاقة الإيجابية.. شكرا لكل من ساهم في صنع الفرح الجماعي بشوارع المغرب وساحات عالمية.. المغرب قادم؛ لأن المستحيل ليس مغربيا