أخبارالرئيسيةالعالم

المسألة الفرنسية..فرنسا “الماكرونية” رجل أوروبا المريض

فرنسا الماكرونية ..سقوط إمبراطورية إستعمارية

الوضع الجيوسياسي المُتَرَنِّح الذي تعيشه فرنسا الماكرونية بسبب إنحسار نفوذها السياسي و العسكري في عالم ما بعد كورونا تمثل بِمُـضِيِّ بريطانيا بشكل حثيث في تنفيذ  سياسات البريكسيت و تصاعد المد اليميني القومي في مختلف الدول الأوروبية إضافة إلى الفشل الأوروبي في صياغة مواقف أوروبية موحدة تخص قضايا الهجرة و السياسات الإقتصادية و النقدية و الأمن و الدفاع و مكافحة التطرف و الإرهاب  و التوازنات المرتبطة بالتجارة الخارجية هذا بالإضافة إلى الأزمة الإجتماعية و الإقتصادية داخل فرنسا  التي بدأت تلوح في الأفق نتيجة السياسات الإقتصادية الغير الناجعة بسبب تزايد الإنفاق العام و الديون العمومية و تراجع النمو الإقتصادي و فشل ماكرون أثناء تولي فرنسا الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي في وقف الحرب الروسية – الاوكرانية و تداعياتها الماكرو -إقتصادية المدمرة على التوازنات في سوق الطاقة العالمي؛ في إفريقيا التي تعتبرها الدوائر الإستعمارية بباريس حديقة خلفية نسجل فشلا آخر لماكرون تمثل في عجزه عن وقف تمدد النفوذ الروسي على حساب مواقع فرنسا التقليدية في إفريقيا كجمهورية مالي و بوركينافاسو و تشاد وإفريقيا الوسطى و تهديد مصالحها الحيوية المصيرية في النيجر و جنوح دول مركزية في إفريقيا كالمغرب إلى إختيار سياساتها القارية الخاصة بعيدا عن إملاءات الإيليزيه و توهماته الغير واقعية ، الإنسحاب الفرنسي من مالي و إنهاء عملية برخان العسكرية في مالي و قبلها عملية سيرفال في  في غرب إفريقيا و الساحل و إضطرار فرنسا للقيام بعملية إعادة إنتشار إقليمية موسعة لقواتها العاملة في إفريقيا و خندقتها في النيجير حماية لمناجم اليورانيوم فتح مسارات جديدة للتوغل الروسي و لإعادة التموضع الأمريكي إقليميا في ظل نجاح مناورات الأسد الإفريقي في وضع تصور أطلسي – مغربي للأمن و السلام في إفريقيا بعيدا عن السياسات الكلاسيكية الفرنسية التي لا زالت أسيرة نظرة بونابارتية متهالكة لشركاءها .

بقلم : البراق شادي عبد السلام

هذا الوضع التي تعيشه فرنسا اليوم يذكرنا بوضعها بُعَيْدَ الحرب العالمية الثانية في خمسينيات القرن الماضي عندما فقدت كامل إمبراطوريتها الإستعمارية في العالم و بشكل خاص في إفريقيا نتيجة تصاعد موجة إستقلال المستعمرات و الدول الإفريقية من هيمنة الميتروبول الإستعماري في باريس ، فرنسا أنهت الحرب العالمية الثانية كإمبراطورية هشة ضعيفة تتعامل مع محيطها و باقي الشعوب التي تعرضت لإستغلالها و نهب ثرواتها بإستعلاء إستعماري و فكري في ظل سياسات دوغولية تنهل من قاموس القرن الثامن عشر و تمجد لمرحلة بونابارتية تجاوزتها الظروف الدولية التي أنتجتها الحرب العالمية الثانية ، حيث إنهزمت فرنسا في حرب الهند الصينية 1945 – 1954 ثم إنكسار العدوان الثلاثي على مصر سنة  1956 و الهزيمة المدوية في حرب الجزائر بين سنوات 1954-1961(نتيجة الدعم المغربي للثورة الجزائرية)، لتقوم باريس صاغرة بسحب قواتها من مجموعة من الدول الإفريقية و إبتداع نظام إستعماري جديد تمثل في الهيمنة المالية و الإقتصادية بفرض الفرنك الإفريقي كعملة متداولة في 12 دولة أفريقية بوسط و غرب إفريقيا كانت سابقا مستعمرات فرنسية و التدخل العسكري و السياسي المباشر بدعم الإنقلابات و القلاقل و إغراق القارة في صراعات و حروب إقليمية للحفاظ على مصالحها و مصالح شركات السلاح و التعدين و النفط الفرنسية فمنذ استقلال الدول الإفريقية في 1960 تدخلت فرنسا في دول القارة عسكريا أكثر من ثلاثين مرة.

اليوم مسببات و أسباب التدخل الفرنسي في إفريقيا أصبحت غير ذات معنى مع دخول أطراف دولية غير تقليدية إلى ساحة التنافس الجيوسياسي على مناطق النفوذ الفرنسية السابقة في إفريقيا كإيران وتركيا وإسرائيل والهند وكوريا وتايوان والبرازيل و الصين و روسيا حيث تننافس هذه القوى على التموقع و تقاسم مناطق نفود الإمبراطورية الإستعمارية الفرنسية، يذكرنا هذا بوضع مماثل عاشته كل من الإمبراطورية المغربية الشريفة والدولة العثمانية في نهاية القرن الثامن عشر و القرن التاسع عشر في ظل تنافس إوروبي محموم لتقاسم مناطق نفوذ كلا الإمبراطورتين من طرف القوى العالمية في ظل سياسات إمبريالية تهدف إلى إستغلال خيرات الشعوب و إستعمارها تحت تغطية فكرية من الفلسفة السانسيمونية التي تقدم إجابات أخلاقية للفكر الإستعماري بمسميات نقل الحضارة و الثورة التقنية إلى الشعوب الغارقة في نمط عيش القرون الوسطى .

من المسألة الشرقية و المغربية في القرن 19 إلى المسألة الفرنسية في القرن 21

في بداية القرن الثامن عشر عرفت الساحة السياسة الدولية ظهور  مصطلح ” المسألة الشرقية ” من طرف نابليون بونابارت و هي المسألة التي تُعْـنَى بالتحالفات والإستراتيجيات الدولية القائمة في أواخر عهد الدولة العثمانية في ما يتعلق بكيفية تقاسم أملاك الدولة في حالة إنهيارها و قد أستخدم مصطلح رجل أوروبا المريض كوصف لحالة الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، نفس المصطلح أطلقته الدوائر الإمبريالية المتكالبة على المغرب في ماسمي لاحقا ” بالأزمة المغربية ” حيث كان المغرب محور أزمتين دوليتين عُرفتا باسم “الأزمات المغربية”، حدثتا في عام 1905م و 1911م، وكان أثرهما مهما في سياق المسيرة المؤدية إلى الحرب العالمية الأولى بين كل الدول التي إهتمت بإستعمار المغرب كألمانيا وفرنسا وإسبانيا و بريطانيا ، سياق المسألة المغربية مرتبط بأسباب موضوعية و ذاتية تتعلق بضعف الإمبراطورية المغربية الشريفة نتيجة هزائم عسكرية حصدها جيش الإمبراطورية أمام الجيوش الإستعمارية الفرنسية في كل من حرب إيسلي 1844 بسبب دعم السلطان المغربي لإستقلال الشعب الجزائري و ثورة الأمير عبد القادر الجزائري ثم حرب تطوان سنة 1860 هذه الهزائم زادت من تعقيد الوضعية الإجتماعية و الإقتصادية التي عاشها المغرب قي نهاية القرن 18 و بداية القرن 19 نتيجة سياسة إستعمارية ممنهجة تقتضي إغراق الدولة في الديون و إفشال كل مشاريع الإصلاح المهيكلة التي قادها السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام و السلطان مولاي الحسن الأول لتطوير مؤسسات الدولة المغربية من إدارة و بنيات تحتية و تأهيل و تكوين و عصرنة المؤسسة العسكرية إنتهت بفرض عدة إتفاقيات ومعاهدات على الإمبراطورية العثمانية، والتي ساهمت في تقليص حجم الإمبراطورية وفقدانها للسيادة على بعض الأراضي ، نفس الأمر عانت منه الدولة العثمانية في نفس الفترة التاريخية حيث تعرضت لهزائم عسكرية في كل من البلقان و الجزائر كما أن كل مشاريع الإصلاح التي قادها السلاطين العثمانيون كان مصيرها الفشل و الإفشال حيث سقطت مختلف إيالات الإمبراطورية تباعا في مخالب الإستعمار الأوروبي .

نفس الوضع تقريبا تعيشه اليوم في بداية القرن الواحد و العشرين  بقايا الإمبراطورية الإستعمارية الفرنسية في إفريقيا الغربية نتيجة التخبط الذي تعيشه صالونات باريس السياسية و تصاعد الإحتقان الشعبي بالميتروبول بسبب السياسات الماكرونية التي تخدم مصالح صناديق التمويل و البنوك و الشركات الفرنسية على حساب النظام الإجتماعي الفرنسي الذي أصبح يثقل كاهل ميزانية الدولة مع تسجيل تراجع دورها المركزي في المسرح الأوروبي بسبب تداعيات جائحة كورونا و إنعكاسات  الحرب الأوكرانية الروسية و فشل فرنسا في قيادة موقف أوروبي موحد لمواجهة التمدد الروسي في أوكرانيا و شرق أوروبا ، اليوم هناك تنافس محموم  بين مختلف القوى الدولية حول الإرث الإستعماري الفرنسي في إفريقيا الغربية فيما يشبه إلى حد ما الوضع الذي عاشته الإمبراطورية العثمانية في الشرق و الإمبراطورية الشريفة المغربية في غرب المتوسط و  أصبحنا أمام “مسألة فرنسية ” معقدة تستلزم الكثير من البحث و التدقيق حول مستقبل النفوذ الفرنسي في إفريقيا حيث تحولت  هذه المسألة المرتبطة بالضعف و الوهن الذي تعيشه السياسة الخارجية الفرنسية في إفريقيا في ظل إنسحاباتها التكتيكية من مجموعة من المسارح الإفريقية المشتعلة في ظل تصاعد التطرف الفكري و المناخي و كذا  كيفية تعامل باريس مع المتغيرات الدولية برؤية واقعية تستحضر هذه المتغيرات و رغبة الشعوب في التنمية و الأمن و الإستقرار بعيدا منطق الوصاية على مقدراتها و ثرواتها تحت عنوان التنمية المستدامة و مكافحة التطرف و الدفاع عن حقوق الإنسان .

الجمهورية الخامسة الفرنسية رجل أوروبا المريض

مصطلح “رجل أوروبا المريض” هو الإسم الذي أطلقه قيصر روسيا نيكولاي الأول على الدولة العثمانية سنة 1853 بسبب ضعفها ويرجع سبب ذلك إلى الهزائم التي تكبدتها الدولة العثمانية من الدول الأوروبية وأفقدتها الكثير من أراضيها، فذهبت مهابتها ومكانتها بين الدول وأخذت القوى الأوروبية تخطط فيما بينها لإقتسام أملاكها الممتدة على ثلاث قارات ، في ديسمبر 2018 اعتبر وزيرالخارجية البولندي ياتسيك تشابوتوفيتش أن “فرنسا هي رجل أوروبا المريض، إنها تشد بأوروبا نحو الأسفل، في حين أن بولندا نقطة مضيئة”..//.. بلغة الأرقام و برؤية من داخل فرنسا عبر قراءة موضوعية  اليوم فرنسا هي بلد يعاني من إختلالات خطيرة بالمقارنة مع محيطها القريب حيث تجاوز الدين الخارجي عتبة 3 آلاف مليار يورو، أي ما يعادل 115 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي حيث أن  نصيب الفرد من الدين يقترب الآن من 46 ألف يورو، مقابل 40 ألف يورو في بريطانيا، و37 ألفا في اليونان، و32 ألفا في إسبانيا ، ويتجاوز الإنفاق العام، وهو الأعلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ب 61  بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي 51.6 بالمائة في حالة إسبانيا، 47.8 بالمائة في البرتغال، 42.3 بالمائة في الولايات المتحدة ويبلغ العجز العام حوالي 5 بالمائة والعجز التجاري تجاوز بالفعل 100 مليار يورو ويواصل الارتفاع  جوي صرمان Guy Sorman ، هو مفكر ليبرالي فرنسي يذكر في كتابه ( J’aurais voulu être français ( أتمنى لو كنت فرنسيًا )  واصفا فرنسا بأن “الدولة مريضة، والإقتصاد مريض، والتعليم مريض، والبلد ككل مريضة بتاريخ مُفعَم بالعظمة لا يستطيع أحد الفكاك منه” ، فرنسا اليوم تعيش حالة من التفكك المجتمعي الداخلي الذي إنعكس على إختيارات المجتمع الفرنسي الإنتخابية و السياسية هناك شبه إنقلاب كلي على مبادئ الثورة الفرنسية : حرية – عدالة – أخاء  في ظل فقدان الشعب الفرنسي لحرية التصرف في مقدراته و غياب عنصر الإخاء الذي يؤكده الخطاب العنصري و الإقصائي الذي أصبح مسيطرا على بلاتوهات وسائل الإعلام و تصريحات السياسيين و النخبة الفرنسية كما أن العدالة  كمبدأ فلسفي يؤسس للجمهورية الفرنسية بعد سنوات الإستعباد في عهد أسرة البوربون  فقد أصبحت غائبة في ظل غياب مفهوم العدالة المجالية في التنمية و الفوارق الإجتماعية و الإقتصادية و تدهور البنية التحتية التي يعيشها الريف الفرنسي بالمقارنة مع المدن المركزية مما جعل فرنسا تنتقل في  تصنيفها إلى جانب دول أوروبا الشمالية الغنية  لتنحدر إلى تصنيفات قريبة لدول شرق و جنوب أووربا الفقيرة ، الإقتصاد الفرنسي يعاني من حالة تضخم أصبحت أكثر وضوحا بعد جائحة كورونا كما أن جواهر التفوق الصناعي الفرنسي في زمن مضى إنتقلت ملكيتها من فرنسيين لجنسيات أخرى فشركة بوجو مملوكة جزئيًا للمستثمرين الصينيين، ورونو أصبحت تقريبًا رومانية ويابانية، ولافارج للأسمنت انتقلت لسويسرا، وقطاع الطاقة في شركة ألستوم إستحوذت عليه جينرال إلكتريك الأمريكية ، حيث أن الصناعة الفرنسية  خسرت أكثر من مليون وظيفة على مدى السنوات العشرين الماضية مما يؤدي إلى إضمحلال النشاط الصناعي أمام السياحة التي ستشكل قريبًا نصف ما يشكله القطاع الصناعي بأكمله، إذ يزور فرنسا الملايين سنويًا (90 مليون العام الماضي فقط) ،يحدث هذا في ظل حالة من التراجع الكبير للنفوذ الفرنسي في السياسة الدولية خاصة بعد إنسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي و تصاعد الخلافات الجوهرية الفرنسية – الألمانية حول العديد من  الملفات كأزمة الطاقة و الملف الدفاعي الأوروبي و العلاقات مع الصين بالإضافة لإغراء القيادة الأوروبية بين الدولتين المحورتين في المجموعة الأوروبية حيث أن ألمانيا تقود القاطرة الإقتصادية للإتحاد في وقت تعتبر فرنسا حجر الأساس للسياسات الدفاعية بعد خروج بريطانيا من منطقة الأورو، التباعد الألماني من الموقف الفرنسي تجلى في توقيع ألمانيا على هامش مؤتمر حلف الناتو مع 14 دولة أوروبية أخرى، من دون فرنسا، على مشروع مشترك للدفاع الجوي أطلق عليه اسم “مبادرة درع السماء”، رغم أن فرنسا تعمل مع إيطاليا على تطوير مشروع مظلة مضادة للصواريخ باسم “مامبا”. وقد إكتسب الدفاع العسكري أهمية جيوسياسية جديدة وكبيرة بعد غزو روسيا لأوكرانيا و تصاعد الأخطار الأمنية ، فرنسا أوروبيا تشعر بأنها تسير في الطريق وحدها بعيدا عن حلفاءها التقليديين حيث تطفوا إختلافات عميقة مع باقي شركائها في حلف الأطلسي حول العديد من القضايا و الملفات التي أصبحت تزيد من عزلتها مما يطرح الكثير من الأسئلة داخل فرنسا حول دورها الأوروبي المستقبلي في ظل العديد من المتغيرات الدولية و الإقليمية  ، كل هذه العوامل تجعل من فرنسا ماكرون الرجل الأوروبي المريض الذي يثقل كاهل القارة العجوز و يمنعها من تطوير سياسات أكثر مرونة و نجاعة مع محيطها الإقليمي في ظل التحديات المشتركة العديدة بين ضفتي البحر المتوسط من جهة و دول الشمال و الجنوب من جهة أخرى.

محور الرباط – باريس نموذج إقليمي للتعاون شمال – جنوب تفسده السياسات الماكرونية  

العلاقات المغربية الفرنسية ظلت لعقود نموذجا إقليميا ناجحا لمتانة و قوة العلاقات بين الشمال و الجنوب و ظل محور باريس – الرباط صمام أمان إقليمي للأمن و الإستقرار في وقت كانت الأفكار القذافية و البومدينية تعيث فسادا في المنطقة تحت مسميات دعم الثورات و الإنقلابات و حق الشعوب في تحقيق مصيرها .

رغم فتور العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا في الآونة الأخيرة نتيجة خلافات جوهرية في وجهات النظر و الأولويات التي تحدد طبيعة المواقف الفرنسية بشكل خاص من مجموعة من الملفات كملف الوحدة الترابية للمملكة و الهجرة وحقوق الإنسان، فقد شهدت المبادلات التجارية بينهما نموا قويا خلال سنة 2022 ،إذ بلغ حجمها 13,4 مليار يورو، و بحسب المعطيات الصادرة عن وزارة الخارجية الفرنسية، فقد نمت المبادلات بين البلدين بنحو 24 في المائة في 2022 مقارنة بعام 2021 كما أن صادرات فرنسا إلى المغرب زادت بنحو 40 في المائة لتصل إلى 6,5 مليارات يورو (ما يعادل 71,6 مليار درهم)، في المقابل إرتفعت صادرات المغرب بنسبة ناهزت 12,1في المائة، لتحقق 6,9 مليارات يورو ، الميزان التجاري بين البلدين لا يزال في صالح المغرب، لكنه شهد إنخفاضا كبيرا خلال العام الماضي، حيث حقق 432 مليون يورو، مقابل 1,5 مليار يورو عام 2021. ويعد الفرنسيون أكبر جالية أجنبية في المملكة المغربية ، ثمة 53900 مواطن فرنسي مسجّلين في سجّل الفرنسيين المقيمين في الخارج (المرتبة الثامنة عالميًا)، ويحمل 51 في المائة منهم الجنسيتين الفرنسية والمغربية.يتصدّر السيّاح الفرنسيون عادةً قائمة السيّاح الأجانب في المغرب ، في عام 2019 بلغ عدد السيّاح الفرنسيين 4،2 ملايين سائح أي ما يمثّل 33 في المائة من إجمالي عدد السياح الوافدين إلى المغرب ، الجالية المغربية في فرنسا حسب تقديرات تتجاوز مليون و نصف في المرتبة الثانية من أصل حوالي 8 مليون مهاجر تستقبله فرنسا .

العلاقات المغربية – الفرنسية تشكل نموذجا مرجعيا للعلاقات الثنائية المتميزة بين بلدان الشمال و الجنوب حيث ظلت لعقود مضت تتميز بالشراكة الهيكلية و التكامل الإقتصادي البيني و الدعم السياسي و الديبلوماسي المتبادل ، اليوم السياسة الماكرونية إتجاه المغرب المتسمة بعدم الوضوح و إختيار المسارات الرمادية أرخت بضلالها على مواقفها إتجاه العديد من القضايا التي تهم الأمن القومي للمملكة المغربية و المصالح العليا للشعب المغربي إنطلاقا من الحملات الإعلامية التضليلية التي تستهدف مؤسسات وشخصيات سيادية مغربية إلى مواقف مناهضة للمغرب داخل هياكل الإتحاد الأوروبي تستهدف نظامه القضائي وتسيئ للنهج التراكمي الذي حققه المغرب بإنجازات ملموسة تخص ملف حقوق الإنسان و الحريات خاصة في العشرين سنة الماضية ، العلاقات المغربية الفرنسية بفضل التراكم التاريخي و البعد الثقافي الذي يحضر بقوة كفاعل أساسي في إختيارات المغرب لشراكاته المستقبلية بلغت من النضج ما يؤهل البلدين لوضع إستراتيجيات واضحة المعالم تحترم رؤية كل بلد لقضاياه و ملفاته الداخلية، المملكة المغربية كدولة ديبلوماسية فاعلة إقليميا و دوليا في العديد من الملفات الأمنية و السياسية و البيئية بفضل الرؤية الملكية  المتبصرة التي تحرص المؤسسات الديبلوماسية المغربية و المصالح الخارجية على تنزيلها بشكل دقيق هي اليوم حريصة على حماية قرارها السيادي بعيدا على التخندق في أجندات أوروبية لا تلائم المصالح العليا للوطن ، المواقف العدائية لفرنسا لا يمكن فصلها عن مواقف نمطية لبعض الدول الأوربية التي لا تزال تعارض خيارات المغرب الاستراتيجية خاصة  قضية الصحراء المغربية ، أو على الأقل تزايد عليه سياسياً داخل الفضاء الأوروبي، وجيو-استراتيجياً في العلاقات الثّنائية مع أعضاء من الاتحاد الأوروبي ، لذا فالمغرب إعتمد في سياسته الخارجية على خيارات ديبلوماسية صارمة و مسؤولة و وواضحة إتجاه كل القضايا التي تمس الأمن القومي للمغرب فقد سبق للسيد ناصر بوريطة وزير الخارجية  و التعاون أن قدم  تصريحا واضحا للفضاء الأوربي بأكمله قائلا : [بكل مسؤولية المغرب طلب من الاتحاد الأوروبي الخروج من منطق الأستاذ والتلميذ، والدخول في منطق التشاور حيث يستوعب كل واحد انشغالات الآخر، قصد التوصل إلى حلول بوسعها تلبية مصالح أوروبا دون الإضرار بمصالح المغرب ] ..// المغرب اليوم  يتصرف  كقوة إقليمية لديه مصالح قومية عليا لايمكن المس بها أو الإضرار بها ، السلوك الجديد للمملكة ديبلوماسيا هو دليل على فهم دقيق للمتغيرات الدولية على خلفية الإعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية و تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الأمن و السلم العالمي ،كل الدول الأوربية اليوم مدعوة للخروج من منطقة الظل و الحياد السلبي و إتخاذ موقف إيجابي يراعي مصالح الشعب المغربي و طموحاته المغرب له دور فعال وفق مصالحه الوطنية العليا في الحد من الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا حيث عبر السيد وزير الخارجية في مناسبة سابقة بصريح العبارة : أن « المغرب يتحمل مسؤولياته، لكنه لن يلعب أبدا دور الدركي لأوربا ، لأن ذلك ليس وظيفته ولا من صميم قناعته » داعيا الإتحاد الأوروبي لإعتماد مقاربة أكثر شمولية لملف الهجرة كما أن المملكة المغربية تعتدّ بدورها القيادي الجديد المتنامي بشكل متواصل في أفريقيا و التي توجه إليها 70 في المائة من استثمارات المغرب في الخارج ، و بشكل خاص في منطقة غرب إفريقيا و الساحل التي يوليها المغرب إهتماما خاصا و لديه مشاريع كبرى رائدة ستغير وجه المنطقة كمشروع خط الغاز النيجيري المغربي العابر للقارات ، وبإنتهاجه ديبلوماسية الأسمدة مع دولها و توطيد علاقاته مع غرب إفريقيا و تعزيز دوره الإقليمي في الحفاظ على الأمن و محاربة الإرهاب والتطرف في منطقة الصحراء الكبرى و مواجهة التدخل الإيراني و حزب الله في المنطقة ،هذا ماعبر عنه وزير الخارجية السيد ناصر بوريطة في حواره مع السيدة بيتسي بيرن كورن رئيسة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) في أبريل 2021 قائلا : ” نحن بحاجة إلى تنسيق العمل كحلفاء، لمواجهة التهديدات الإيرانية، المرتبطة بالأنشطة النووية، وإيران تعمل على زعزعة استقرار شمال إفريقيا وغرب إفريقيا”. و أضاف قائلا : “لقد هددت إيران وحدة الأراضي المغربية وأمنها، من خلال دعم ميلشيات البوليساريو، وتدريبهم ومنحهم السلاح، كما أن إيران تنتشر من خلال حزب الله في غرب إفريقيا، واليوم نحن لا نزال نحتاط من التهديدات الإيرانية لأمن الشعب المغربي” ../// .تصريح وزير الخارجية المغربي هو تأكيد على الدور الإقليمي الواسع الذي يلعبه المغرب في الحفاظ على الأمن و السلم العالمي من خلال مواجهة تهديدات القاعدة و التنظيمات الإسلامية المتطرفة في الصحراء الكبرى و مواجهة محاولات الإختراق الإيراني لدول غرب إفريقيا.

المغرب يقدم نفسه للمنتظم الدولي كشريك أساسي للحفاظ على الأمن و السلم العالمي و الحفاظ على التوازنات الدولية في القارة الإفريقية ، و هذا الدور الجديد الذي يريد المغرب أن يلعبه في عمقه الإفريقي يجد معارضة شرسة من بعض الدوائر الدولية التي تنظر بعين الريبة للتحركات المغربية  في إفريقيا المملكة المغربية الشريفة بعد التغيرات الإقليمية و الدولية التي حملتها جائحة كورنا العالمية قرر أن يدخل في مرحلة جديدة كما عبر عنها  صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش 2019  أي قبل سنة من الجائحة كرؤية إستشرافية من جلالته حيث يقول أعزه الله : [المرحلة الجديدة، التي نحن مقبلون عليها، حافلة  بالعديد من التحديات والرهانات الداخلية والخارجية، التي يتعين علينا كسبها ] ، المغرب حاليا عبارة عن ورش كبير مفتوح من شماله لجنوبه في جميع المجالات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية .

التحديات الخارجية للمغرب متعددة فبالإضافة لعمله الدؤوب من أجل الحسم النهائي  مع ملف الوحدة الترابية سياسيا بعد الحسم العسكري في ملحمة الكركرات ، المغرب حاليا يتموضع كقوة إقليمية كبرى في إفريقيا متكئا على دعم حلفاء دوليين كبار و ممرتكزا على إستراتيجية الإنفتاح قوامها الأمن القومي للمغرب و المصالح العليا للوطن أولا و أخيرا ، فالمغرب الذي نطمح له جميع هو ما عبر عنه جلالته في خطاب عيد العرش سنة 2019 :  […إن المغرب ملك لجميع المغاربة، وهو بيتنا المشترك. وعلينا جميعا، كل من موقعه، أن نساهم في بنائه وتنميته، وأن نحافظ على وحدته وأمنه واستقراره مغرب يتسع لكل أبنائه، ويتمتع فيه الجميع، دون استثناء أو تمييز، بنفس الحقوق، ونفس الواجبات، في ظل الحرية والكرامة الإنسانية…] …//.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button