أزمة المجلس الوطني للصحافة..حــــلان لتصحيح ما حصل..
بقلم:نوراليقين بن سليمان*
من يتحمل مسؤولية النهاية الدراماتيكية لولاية المجلس الوطني للصحافة؟من المسؤول عن حالة ألا تنظيم للمهنة الحالية؟…ومن تسبب في انقسام جسم صحافي ،هو في الأصل ضئيل عدديا و عليل صحيا ؟.
ارتأيت الولوج للسؤال بشكل مباشر حول وضعية المجلس الوطني للصحافة،بدون لف و لا دوران،و في معالجته سأتفادى السقوط في التنظير و الابتعاد عن منطق تبخيس أي طرف أو التقليل و استصغار الأراء ووجهات النظر المعبر عنها من لدن زملاء و فعاليات من مشارب مختلفة و ذات قناعات خاصة.
كل ما تم التعبير عنه ، في نظري،من هذا الطرف أو ذاك،له نسبة كبيرة أو صغيرة من الصدق والصواب. باستثناء بعض الانتقادات العنيفة و التهجمات غير المبررة،أرى أن لا أحد سقط في الخطإ التام و الشامل.
ويمكن القول أن في تكامل الأفكار المعبر عنها يكمن الصواب أو الحلقة المؤدية للحل.
في التفاصيل، من المسؤول ؟
نعم،لن يتبلور لحد الساحة تحليل معمق للوضعية الحالية للمجلس الوطني للصحافة…و لحد الساعة لم تجب أي جهة عن الأسباب الحقيقية للصراع القائم ، و لا أحد حاول الإجابة عمن هي الجهة أو الجهات المسؤولة …
أولا: عن عدم تجويد قانون المجلس الوطني للصحافة و نظامه الداخلي ،و القوانين ذات الصلة المتعلقة أساسا بالصحافة و النشر و نظام الصحفي المهني ، و ذلك قبل نهاية ولاية المجلس؟…
وثانيا: من المسؤول، عن عدم تنظيم انتخابات المجلس في موعدها؟.
المسؤول عن هذا و ذاك ،برأيي هي الأمانة العامة للحكومة التي تأخرت في المصادقة على النظام الداخلي للمجلس و على ميثاق أخلاقيات المهنة ليتسنى للمجلس الوطني الاشتغال مبكرا و دون إضاعة شهور من عمره…
و مسؤولية الأمانة العامة واضحة لأنها لم تنتبه إلى مشكل الفراغ ،الذي لم يعالجه لا قانون المجلس و لا نظامه الداخلي ،في حالة عدم إجراء انتخابات لتجديد المجلس في نهاية ولايته.
و المسؤول أيضا عما وقع هو المجلس الوطني بكل أعضائه، لأنهم لم ينجحوا في توزيع زمن ولاية المجلس بشكل يؤدي إلى تنظيم انتخابات في موعدها و ليعطوا المثال على احترام قدسية مواعيد التمرين الديمقراطي…
لقد حصر المجلس جل انشغالاته أساسا في معالجة طلبات العضوية و في الدورات التكوينية وتوزيع بطاءق الصحافة ومهام أخرى… و نسي الأهم ألا وهو الاشتغال على تجويد القوانين و التحضير لانتخابات في موعدها بهدف إنجاح التجربة و فتح الآفاق لتطويرها…
و الحكومة و البرلمان يتحملان المسؤولية في ما حصل كذلك.
وبدون الدخول في التفاصيل في هذا المضمار، يكفي القول أن الحكومة كان عليها تنبيه المجلس عبر من يمثلها اي مندوبها داخل المجلس ثم اتخاذ ما يلزم في وقت مبكر.
من جهته ، البرلمان بمجلسيه ،و بمعارضته و أغلبيته، كان من المفروض عليه أن يتساءل بدوره و بالصيغة المناسبة و قبل فوات الأوان؟.
في نفس السياق،هل يجوز إعفاء قبيلة الصحافيين من المسؤولية؟ كلا…المهنيون و منظماتهم يتحملون جزء من المسؤولية بدورهم ؟..
قلة قلية من أثارت موضوع تجديد المجلس الوطني بشكل متأخر و أحيانا بشكل محتشم…لم تكن هناك حملات منتظمة و قوية لإثارة الموضوع، و نفس الأمر بالنسبة لعموم الناشرين المنتمين لمقاولات صغيرة أو متوسطة و حتى كبيرة…
وفق ما أسلفت،يتضح أن المسؤولية هي مسؤوليات مشتتة ،لكل طرف فيها نصيب ، و من النجاعة و النزاهة الفكرية معالجة المشكل القائم على قاعدة تغليب المصلحة العامة و على أساس لا غالب و لا مغلوب.
وبالمقابل،سيكون من المخجل و المحزن أن تدعي جهة بأنها هزمت جهة أخرى،و الصواب في هذه الحالة هو أن المنهزم سيكون هو الجسم الصحفي ..هو المهنة و بالتالي سمعة البلد هي من سيكون المنهزم الأكبر.
فشل مروع للحكومة…
لقد انتهت المدة القانونية لولاية هذه الهيئة المهنية بمرور أربع سنوات على تأسيسها في يونيو 2018 ، و كان من المفترض أن تكون قد جرت انتخابات لفرز فريق جديد يتولى تدبير المجلس الوطني ، بيد ان هذا الأمر لم يتحقق …
إزاء هذا المعطى تقدمت الحكومة بمشروع مرسوم يرمي إلى تمديد انتداب أعضاء المجلس الوطني للصحافة لمدة ستة أشهر، و بالإجماع صادقت لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب على هذا المرسوم يوم 3 أكتوبر الماضي. رغم هذا التمديد لم ينجح المجلس لا في إجراء انتخابات و لا في إعداد مقترحات لتعديل القوانين ،لكن برزت صراعات بداخله بمبرر تعدد و تناقض التوجهات و الرغبات و المصالح…
أمام هذا الانحباس تدخلت الحكومة مرة أخرى ،وعوض جمع الشمل و تقريب وجهات النظر زادت في تعميق الجراح بين جزء ممن يمثلون الناشرين و جزء ممن يمثلون الصحافيين داخل المجلس،و انعكس ذلك على جسم الصحافيين المصاب أصلا بشتى الأمراض بفعل بعض العقليات المهيمنة على تدبير شأنه المهني والاجتماعي والتنظيمي .
لقد ظل هذا الجسم في حالة شرود و في وضع المتفرج ، و هو ما سمح للحكومة ركوب المغامرة و المصادقة على مشروع إحداث لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الإعلام و النشر محل المجلس الوطني ،بدون الأخذ بعين الاعتبار للحساسيات القائمة و لمصلحة البلاد .
عمليا، لقد فشلت الحكومة في معالجة مشكل كان ينبغي التعامل معه بالجدية اللازمة عوض تطويره و تحويله لمخطط يراد به في نهاية المطاف التحكم أكثر في المهنة و تعهيرها، لمزيد من ترويض الناشرين و لتركيع أكثر للمهنيين.
حــلان لتدارك ما وقع و ثالث ممكن…
من أجل وقف النزيف، و لجبر ما تقدم و تصحيح كبوات الحكومة ،و من أجل توفير أكثر ما يمكن من شروط التوافق، لا بد أن تحد الحكومة من اندفاعها و تفسح المجال للبرلمان للنواب والمستشارين لإجراء مساعي و استشارات في أفق بلورة مقترحات عملية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه…
و في نظري هناك حلان لا ثالث لهما و هما:
● المقترح 1 : إحداث لجنة مؤقتة موسعة تمثل فيها مختلف الحساسيات، تكلف بنفس المهام لكن على أساس تحديد تعويضات رمزية لأعضائها لتغطية أساسا مصاريف التنقل و التغذية.
● ـ المقترح 2 : إجراء انتخابات فورية،حرة و فردية ،مع إلغاء نظام اللائحة و ضمان تمثيلية مختلف القطاعات…
و في هذه الحالة تناط بالمجلس المنتخب مواصلة مهام المجلس السابق و إعداد مشاريع تعديلات للقوانين داخل فترة زمنية لا تتجاوز السنتين.
هذان المقترحان قابلان ،بالتأكيد، للضبط و التدقيق،و يتطلبان منسوبا عاليا من قوة الاستماع و القدرة على تقريب وجهات النظر دون إلغاء لأي مجهود و إرادة.
و في نظري المتواضع،إن الحل الثالث الذي ينتظر المهنة و يصون مكانة المهنيين هو فرز مجلس وطني للصحافة حقيقي ،يكون منتوجا خالصا للصحافيات و الصحفيين، و يعكس بشكل ديمقراطي حقيقة المشهد الإعلامي… مجلس ينفتح بالأساس على القضاء و تمثل فيه هيئات حقوقية بالتناوب ، لكن ينتخبه فحسب الصحافيون و يترشح له كل من له القدرة على تحمل المسؤولية من المهنيين وفق شروط ألا ريعية.
- صحافي شرفي-وقيادي سابق بالنقابة الوطنية للصحافة المغربية