في الصميم

تحرير العقل لنستيقظ

 

إن استقلال العقل يؤدي حتما إلى استقلال الفرد والوطن برمته وتبعيتنا الفكرية هي حتما تبعية سياسية واقتصادية، فحين يصل العقل لمرحلة التقويم والنقد الذاتي آنذاك يمكنه أن يحقق لنا تحررا فكريا أي تحررا عقليا يولد طاقات هائلة للقضاء على كل أنواع الإستبداد.

 لأن الإستبداد عمل فكري بدائي غير متحضر في مجال السياسة، والتقييم الفكري هو تحرر فكري في مجال المعرفة، و الديمقراطية في الواقع هي عملية التحرر الفكري قبل أن تصل إلى مرحلة التحرر في مجال السياسة كآلية وصيرورة إبداع .

بقلم عبدالله العبادي

إلا أن الواضح في مجتمعنا العربي الحديث أننا لا زلنا لا نفرق بين الحرية والتحرر، فالحرية كمفهوم لا تدعم مشروعا واضحا أو تنبئ بتحقيقه فهي لن تستطيع المحافظة على ذاتها طويلا بموجب القوانين التي سنت، وفي مقابل هذا المفهوم غير الجدي للحرية نتعرف على أهمية مفهوم التحرر لأننا بصدد الحديث عن الممكن والواقع والموجود والضروري.

نحن في مجتمعنا المعاصر نعيش حركة دائمة لكنها غير مبنية على الخيارات اللازمة وتحمل تبعاتها أيضا، نحن بحاجة إلى أفكار تهدم العوائق الذاتية كاليأس والخوف وكل العوائق الموضوعية كالجهل بالأمور وكل المعتقدات القديمة والرواسب السلبية العالقة في الفكر العربي المعاصر، كل هذا يعبر عن محطة يائسة من تاريخنا الحديث.

فالتحرر هو تلك الحركية المتجددة والإيجابية لتجدد الحياة وقدرتها على التغيير والتواصل عبر التجدد الدائم والتقدم نحو الأفضل، لأن تحقيق العدالة الإجتماعية والمساواة والديمقراطية الحقة هي نتاج خالص للفكر العلمي أي القفز على كل الشوائب العالقة في الأذهان المتحجرة والغير الراغبة في التغيير. فالديمقراطية إذن  ليست سوى هذا التحرر الفكري.

لكن كيف السبيل لتحقيق هذا المبتغى؟ لا شك أن المثقف يشكل الحلقة الضائعة في المشروع المجتمعي المعاصر، فمسؤولية المثقف اتجاه مجتمعه وتحديات لحظته التاريخية هي الهم والرسالة التي يجب أن يحملها دوما، فنشر الفكر الحقيقي والوعي الحضاري بدوره مسؤولية حتى يضل هذا الفكر  والزاد الثقافي حاضرا في الوعي الجماعي ومتاحا للأجيال لتنهل منه في صياغتها لرؤى التجديد وتستثمره في حركة التغيير وصناعة المستقبل وتحقيق النهضة المنشودة والآتية حتما.

الدروس التي نعيشها الآن يجب أن تحلل وتدرس جيدا لتكون بداية لفهم الواقع وبلورة أفكار استباقية للمستقبل، الحضارات الأخرى ليست في أوج توهجها وحسب المفهوم الخلدوني لكل حضارة نهاية وانحدار. يعترف المفكر الفرنسي إدكار موران بفشل ثورة القرن العشرين ويؤكد أن تاريخ الإنسانية متواصل، أكيد هو تحليل قاسي للمبهورين بما تحقق لكن مظاهر الفشل ظاهرة للعيان: تفاوتات طبقية وحروب ومجاعات وشعارات فارغة….

تراجع مفهوم الحداثة في المجتمع العربي وقصور النظرية و ملاءمتها للواقع حيث أصبحت شعارا يردده المثقف المبتدئ والسياسي المتخلف والمتعصبون للغرب وحضارته. وبتراجع هذا الخطاب سمح للفكر السلفي بالوجود على الساحة، وضاعت فرصة البناء مرة أخرى بسبب تيارين متعصبين وغير واقعيين.

تتعلق كل هته المشاكل المجتمعية بالأخطار التي تهدد دوما الهوية واتساع الهوة بين الشعوب وانتشار الكراهية والعنف السياسي والمدني وفشل كل الإيديولوجيات التي جربت على مجتمعنا مما تسبب في ردة فعل غير محسوبة العواقب.

لكن أليست الديمقراطية وهما سنكتشف يوما أنها هدية ملغومة وأنها جزءا من الحل وليست بالضرورة الحل الكامل؟

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button