أخبارالرئيسيةثقافة و فن

القوارير و تجاذبات الزمن

اسرة مثقلة بالعادات و التقاليد في وسط اجتماعي جد محافظ ، يكاد يكون دور المرأة محصورا في وظيفة الزواج و الانجاب و خدمة البيت ، علاقتها بالعالم الخارجي منعدمة الا للاضطرار الشديد و الضرورة القصوى. ارتبط ” مولاي احمد ” بابنة عمه ” لالة خديجة ” ذات الثمانية عشرة ربيعا و اقاما بغرفة بالبيت الكبير لل ” الحاج مولاي عبد الله ” كباقي اخوته المتأهلين بالزواج .كانت لل” الحاجة لالة هنية ” كبيرة البيت السلطة المطلقة على نسوة البيت ، تأمر و تنهى ولا تسمع بين زوايا المنزل الكبير سوى كلمة “نعم لالة ” ، عندما يدخل ” الحاج مولاي عبد الله ” البيت كل النسوة يتسللن لغرفهن مسرعات كما الجردان تلج الجحور لما يلوح لها القط الجارح ، فقط ” الحاجة لالة هنية ” من يملأ المكان و يلبي حاجيات ” الحاج مولاي عبد الله ” بإصدار الاوامر للنسوة ، تلك حال البيت الكبير من طلوع الفجر الى تناول وجبة العشاء .عندما يلقي الظلام بحلكته يتسلل اولاد ” الحاج مولاي عبدالله ” الى غرفهم للخلوة بنسائهم كأنما يتسللون الى غرف عشيقاتهم في جنح الليل خفية عن عيون شريرة رامقة .انجبت ” لالة خديجة ” بنتين توأمين ، مع مرور الزمن ، تزعزعت بعض نواميس البيت الكبير ، اصبحت ” الحاجة لالة هنية ” تلج بيت ” مولاي احمد ” لمداعبة المولودتين ” لالة كلثوم ” و ” لالة الباتول ” ، واصبح اوامر الحاجة لزوجة ابنها ” مولاي احمد ” تقتصر على دعوتها لترك اشغال البيت والاهتمام بالمولودتين .اهتمام ” الحاج مولاي عبدالله ” اصبح مركزا على زوجة ابنه ” لالة خديجة ” وبنتيها ” الكبدة لمعاودة ” كما يحب ان ينعتهما.كبرت ” لالة كلثوم ” و لالة الباتول ” وقرر ” مولاي احمد ” ان يدخلهما المدرسة التي تم احداثها بالقرية ، كان موضوعا يشغل بال ” مولاي احمد ” و ” لالة خديجة ” وكيف يمكنهما تبليغ الموضوع للحاج و الحاجة ومن سيجرأ على فتح الموضوع معهما ، امر لعله جد مهم سيغير مجرى تاريخ الاسرة ويقلب موازين القوة بين نساء و رجال القرية .تكلفت ” لالة خديجة ” باقناع الحاجة و تكلف ” مولاي احمد ” بعرض الموضوع على موافقة الحاج بعد ان طلب من امام المسجد الذي استحن الفكرة في غياب كتاب بالقرية بتمهيد الطريق بالتلميح للحاج بأهمية تعليم الفتاة و المرأة في الاسلام .بكثير من المجهود الفكري تم اقناع ” الحاج مولاي عبد الله ” بتوسل من الحاجة و تلميح من الامام و التماس من ” مولاي احمد ” .تفوقت ” لالة كلثوم ” و لالة الباتول ” في دراستهما الابتدائية و الثانوية وكانت ” لالة كلثوم ” اكثر تميزا ، حصلت على الباكالوريا العلمية بميزة جيد جدا و حصلت “لالة الباتول ” على الباكالوريا الأدبية بميزة جيد . عادت سلطة التقاليد والعادات من جديد للاسرة لتحد من امل ” لالة كلثوم ” و لالة الباتول ” وهن في سن الزواج ، ميزان القوة سيعود لوضعه الطبيعي داخل القرية ، تقدم عم ” لالة الباتول ” لخطبتها لابنه ، كما طلب ابن خالة ” لالة كلثوم ” يدها للزواج .نظرا لما لسلطة ” العار ” الاجتماعية و دورها في تماسك العلاقات الاسرية المتداخلة قرر “الحاج مولاي عبدالله ” كبير الاسرة الموافقة و كلف ” الحاجة لالة هنية ” باقناع العروستين . تزوجت ” لالة كلثوم ” ورحلت الى بيت زوجها بالقرية المجاورة ، تأسف اساتذتها و ندب الكل حضها خصوصا وان جائزة التألق الدراسي اقليميا كان من نصيبها .وظلت ” لالة الباتول ” بعد زواجها من ابن عمها بنفس المدشر ببيت عمها في انتظار ان يتدبر زوجها سكنا بالمدينة التي يعمل بها كسائق طاكسي .توالت الايام ، انجبت ” ام كلثوم ” ثلاث بنات وولد وانغمست في اشغال البيت و تلبية حاجات خالتها وزوجها و تربية اولادها و نسيت كل المعادلات الحسابية التي برعت في فك رموزها وكل النظريات وكل الاشياء التي طمست معالمها تقاليد وعادات القرية .و انتقلت ” لالة الباتول ” مع زوجها وابنها للعيش بالمدينة ، كثيرا ما كانت تتدبر امورها المنزلية بنفسها لكون زوجها يغادر البيت باكرا ليعود متأخرا ، واحيانا يظل بالمحطة ليل نهار خصوصا نهاية الاسبوع والأعياد لتلبية طلب الزبناء .كان ” رشيد ” زوج ” لالة الباتول ” شخصا مختلفا ، لا تربطه بالاسرة اية رابطة ، لا في سلوكه و لا في طبعه ، مزاجي ، اناني ، حتى زيارته للقرية محدودة ، اثر كل هذا في ” لالة الباتول ” وامتد الى كل مناحي حياتها خصوصا لما عرفت ان ” رشيد ” على علاقة مع صديقة سابقة له من خلال ردها على مكالمة بهاتفه الذي نسيه بالبيت .تعرفت ” لالة الباتول ” على كل شيء خلال حديثها المطول مع صديقة زوجها ، تغير كل شيء حياة ” لالة الباتول ” . تواصلت مع امها ” الحاجة لالة هنية ” شرحت لها كل شيء ، ثارت في وجهها الام و استعرضت عليها كل كلمات ومصطلحات قاموس العادات و التقاليد الذي صدر الحكم عليها بمقتضياته وفصوله المبوبة بالعار و الفضيحة .اغلقت كل الابواب امام ” لالة الباتول” ، كانت تتواصل خفية مع اختها ” لالة كلثوم ” التي رغم ظروفها تحمد الله على طيبوبة زوجها ووالده رغم قساوة خالتها وغلظتها عليها ، كانت كل واحدة تجد متنفسا عند الاخرى .تعرفت ” لالة الباتول ” على جارة تسكن بالشقة المجاورة لها بالعمارة ، حين اضطرت لطلب دواء مسكنا للحرارة المفرطة التي اصابت ابنها ” علي ” ، توطدت العلاقة بين ام ” علي” و الجارة التي كانت تعمل بإحدى مراكز الاستماع للنساء ضحايا العنف .تأزمت ” لالة الباتول ” نفسيا و انعكس ذلك على صحتها و سلوكها وزادها تأزما لا مبالاة ابن عمها و انغامسه في عالمه الخاص به .تلقت احدى الايام المخلدة لليوم العالمي للمراة الثامن من شهر مارس دعوة من جارتها لحضور حفلة بسيطة ببيتها المجاور ، كانت اول مرة تحضر ” لالة الباتول ” لحفلةفي حياتها بعد حفلة زواج اختها “لالة كلثوم ” ، كانت الحفل درسا فتح افقا جديدة لها من خلال سرد بعض الحاضرات في الحفل لمعاناتهن و كيف كانت معاناتهن فرصة لافق جديد للعيش .اختتم الحفل وظلت ” لالة الباتول ” تساعد مضيفتها في تنظيف البيت و ترتيبه بعد خروج المدعوات ، كانت فرصة للبوح بكل معناتها لجارتها و كانت الجارة تنصت ل ” لالة الباتول ” و كانها في جلسة استماع لإحدى ضحايا العنف الاسري .ايقنت الجارة بعد تدخلها ان ” علي” الزوج الذي كان يقدرها لا يرغب في الاستمرار مع ” لالة الباتول ” و ان الزواج فقط فرض عليه من والده .تم الاتفاق بين الزوجين على انهاء العلاقة دون علم الاسرة ، قامت الجارة ” كوثر ” بكل الاجراءات القضائية و فضت رابطة الزوجية للشقاق و حضنت ” لالة الباتول ” ابنها وكانت كل شهر تتوصل بنفقات الحضانة وواجبات الكراء من ” علي ” وانتهى كل شيء .تدبرت ” لالة الباتول ” شغلا بمركز الاستماع بمساعدة من جارتها وسجلت ابنها بالحضانة التابعة للمركز .فكرت في متابعة دراستها الجامعية ، تسجلت مع بداية الموسم الدراسي الجامعي بكلية الاداب بقسم الاجتماع ، حاولت ان توازن بين عملها و حضانة ابنها و متابعة دراستها ، ايقنت انها افلت من جديد من سلطة التقاليد والعادات التي ثار عليها ” علي ” طليقها و اعادت ميزان القوة بنون النسوة في حين ظل ذكرويا في خطاب و معاناة اختها ” لالة كلثوم ” بالضفة الاخرى .حازت ” لالة الباتول ” على الاجازة و استمرت مكافحة تستمد قوتها من ظلم التاريخ الى حين حصولها علي الدكتوراه و ولوج ابنها ” سيدي مراد ” السنة الاولى اعدادي .تقدمت بملف الانتقاء لمنصب استاذ مساعد بكلية الاداب قسم الاجتماع ، حالفها النجاح و اصبحت استاذة لمادة ” الخدمة الاجتماعية ” و في نفس الوقت مستشارة لشبكة جمعيات المجتمع المدني المناهضة للعنف الاسري و زواج القاصرات و الهدر المدرسي في صفوف فتيات الارياف .تقدمت مؤخرا بطلب للسلطات العمومية بمركز مسقط راسها لتنظيم أيام تحسيسية بثانوية المركز حول موضوع ” اكراهات تعليم الفتاة القروية و هاجس الزواج المبكر ” وتنتظر الموافقة …..

الجديدة في 2022/10/4

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button