أخبارثقافة و فن

بنسيدي علي يقرأ ديوان “نور فاتنة مدريد تعيد لي مفاتيح غرناطة”

لا نقرأ سيرة ذاتية لشاعر أو تقديم لديوانه قبل أن نقرأ مضمونه، ونفك رسم كتابته، ونقف على بيانه ومعانيه ومضمونه، فنعلم ساكنه من متحركه، ونغوص في عمق محتواه، فإذا شدتني القراءة واستمتعت بها، عدت أنظر في سيرة صاحبها لأكون فكرة عنه وعن دوافعه لخوض غمار الكتابة، سواء كانت رواية أم نصا مسرحيا أم قصيدة شعرية، لأستلهم مما أرتشفته جميل المعاني، قراءة عاشقة أضيفها إلى مصنفي في ذلك وأضعها بين يد القارئ. وما ديوان نور فاتنة مدريد تعيد إلي مفاتيح غرناطة الذي بعث به إلينا صاحبه قبل طبعه، ويومها كان مشروع كتابة مسترسلة عبر الوات ساب والميسنجر، فكنت أتحين الفرصة لأجد له وقتا للاطلاع على بعضه أو جزء منه، دون معرفتي الشخصية بصاحبه، إلا من خلال المراسلات على شبكة التواصل الاجتماعي وما يوفره الفضاء الأزرق من علاقات، وكنت كلما قرأت قصيدة، استوقفني الاستفهام والتعجب، أيكون بيننا شاعر شاب بهذا الجمال يرسم الحرف بجرأة محمودة و بطريقة فنية كمن يشكل من الطين خزفا رائعا يسر الناظرين، وإن كانت تعتريه بعض العلل ناتجة عن الرقانة أو عدم الالتفات إليها والتي قد لا تؤثر على المضمون، ويمكن تلافيها وتصحيحها قبل الطبع فقررت أن أخالف ما اعتدت عليه وأن أنظر سيرة لا أعرف صاحبها.

بقلم الأديب الروائي/ مولاي الحسن بنسيدي علي

كنت أظن أنني أمام خريج إحدى أرقى الكليات الأدبية أو المعاهد العليا، والشاعر حاصل على أعلى الشهادات منها، فزاد فضولي فطلبت منه أن يمدني بسيرة ذاتية عنه، ومن غير إبطاء ولا حرج بعث إلي بمضمونها مختصرة في بضع سطور، إسمي النيت صالح، وكانت إشراقة ميلادي بجماعة تروكوت الساحلية بقبيلة تمسمان دائرة الريف، والتي تبعد بعشرين كلم عن مدينة الحسيمة، وعن مدينة الدريوش والناظور بمئة وعشرين كلم، من أبوين أمازغيين، وفي عقدي الرابع، رحلت مع أسرتي إلى حاضرة المحيط مدينة السردين والخزف ٱسفي. وبها تلقيت تعليمي الإبتدائي إلى حدود السنةالأولى إعدادي، وحالت ظروف بيني وبين إتمام دراستي، والتي أذكرها في بعض قصائدي بهذا الديوان، و مع أسرتي كان استقراري بهذه المدينة الجميلة إلى غاية سنة 1986ثم انتقلنا إلى مدينة أكادير، وبها تزوجت وخلفت ثلاثة أطفال.

انتهى لم يثنه هذا الترحال والتيهان عن شغفه بالنهل من مشارب مختلفة فوسع مداركه، ولم يوقفه انقطاعه عن الفصل الدراسي من مواصلة طريقه، فثابر على التهام الحروف والمعارف، وقراءة القصص والشعر، ووجد في الشاعر العربي نزار قباني ملاذه، فداعب كلماته، وبات رفيقه يردد ما يحفظه من دواوينه، ولم يكتف بذلك فتطلع إلى أدب الغرب والمستشرقين من شعراء وفلاسفة. حين كان يعرض علي ما يخطه كنت أنصحه بعدم التسرع في طبع ما يكتبه، فكلما تأنى الكاتب في الإصدار تكون جودة ما يكتب، إلا أن الحماس والرغبة عند صالح كانتا متوهجتان فأراد أن يقتسمها مع القارئ، ونأمل استدراك ذلك في الطبعة الثانية فاجأني بأول باكورة شعرية له وسمها بعنوان *نور.. فاتنة مدريد تعيد إلي مفاتيح غرناطة، من الحجم المتوسط ضمت بين دفتيي الديوان عددا .. تجاوز الخمسين قصيدة، واشتملت واجهة الغلاف على صورة امرأة وكأنها الموناليزا بشعر متناثر وجيب صدر مشقوق وعينين تشعان جمالا وفتونة، وعلى قسمات وجهها أكثر من علامة استفهام.

وحين طلب رأيي فيما كتبه بعثت له برسالة مختصرة لا أحد ولد متعلما أو شاعرا أو ماسكا بيده شهادة علمية، فالتعلم واكتساب المعرفة والرغبة هي سبيل النجاح، فمحمود عباس العقاد لم يكن معه غير الشهادة الابتدائية لكنه راكم ثقافة واسعة، وأصبح وجيها بين الشعراء ومن فحول اللغة العربية وحجة زمانه، وحين عرضت عليه شهادة الدكتوراه اكتفى بالنظر إلى وجوه أعضاء الجهة المانحة..، والمعرفة لا تقاس بالشهادات وإنما بما يمتلك الكاتب من حصيلة علمية وغيره كثير، فانهل من العلوم وأكثر من القراءة ونقف على بعض مقاطع صالح نيت يقول 12في الصفحة الحب الخالد.

الشاعر النيت صالح مؤلف ديوان “نور فاتنة مدريد تعيد لي مفاتيح غرناطة”

حبيبتي أعدك أن نلتقي في مدريد لا تضعي عطرا أحب أن أشم رائحة جلدك الناعم لمعرفة نوعية الأترج التي كان يهديه ابن زيدون في زوايا قصر المستكفي في قرطبة….لحبيبته. لا يعتمد على التفعيلة ولا على العروض في صياغة بيانه مما يبعده عن التكلف وإنما على تقطيعه للأشطر وهذا ما سار عليه كثير ممن يكتبون في الشعر الحر أو في الأنماط الجديدة الحديثة كالهايكو مثلا الذي قد يجد له متابعين وعشاق وكما نلاحظ في هذه المقطوعة النثرية استعمال صالح النيت أسماء ومصطلحات لها رمزيتها ومكانتها عند القارئ مما يبرز اطلاعه على الأدب العربي وللمرحلة التاريخية التي واكبت سقوط الأندلس ابن زيدون، والمستكفي وولادة، وقرطبة، ومدريد، والأترج، فما معنى الأترج الذي كان يهديه الشاعر لحبيبته ذكره المعجم اللغوي بأنهمفرد أُتْرُجَّة: (النبات) شجر حمضيّ ناعم الأغصان والورق والثَّمر، وهو حامض كاللَّيمون، ذهبيّ اللّون ذكيّ الرائحة، يصنع من ثمره نوع من الحلوى وقال إنه طعام الملوك القدامى وقد ورد ذكره في الأثر الحسن:-مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ وهذا المصطلح يستعمل في هذا الديوان في أكثر من موضع يحاول صالح النيت أن يلامس الساكت فيه ليخرجه إما غضبا على واقع مرير أو عشقا انطفأت جذوته أو أملا يرجو أن يتحقق فالقضية العربية الفلسطينية وسقوط غرناطة والصراع العربي الاسرائلي والخيانة كلها مجسدة في جسد امرأة وضعها على لوحة غلاف ديوانه، قطعة من طين خزفية، يشكلها بحسب حالته النفسية، مستعملا الرمز والاستعارة والمجاز ويكثر من التشبيه ونقاط الحذف وهذا ما سارت عليه محتويات هذا المؤلف وقد ذكر ذلك في مقدمة هذا الديوان بقوله في هذا الديوان الشعري، هدفي إعادة قراءة نهد المرأة ، قراءة تاريخية لكل حضارات الشعوب منذ استقبال الأرض للملكة حواء حين بدأ تدوين الإرث الإنساني والحضارات بحليب نهديها ، هدفي مسح نهد المرأة من لوحات الفن التشكيلي إلى قراءة في كتب التاريخ والجغرافيا وكل علوم الأرض هدفي أن أعيد التاريخ من خزانة سيف الدين برقوق والاسكندر المقدوني إلى مملكة أميرات بنات الملكة حواء لذا فديواني الشعري كاعتذار رسمي لكل نساء الأرض /انتهى يحاول في هذا الاعتذار أن يوهم القارئ بأن ما يحتويه ديوانه هو تعرية لجسد المرأة أو أنه يستبيح فتنتها، ويكشف سترها، بغية إثارة انتباه المتلقي فينشد إليه قراءة إلى ٱخره والواقع أن صالح النيت يرى المرأة بعين شاعر مرهف الاحساس يمجدها في أكثر من موضع فهي حبيبته زوجته وابنته وأمه يقسو عليها تارة حين لا يستقيم وضعها الأخلاقي أو العقائدي فيتحول جمالها إلى قبح والمرأة ملهمته، فلها ومن أجلها يكتب فهي بمثابة نوستلجيا للأمكنة والأزمنة تذكره ببطولات وتاريخ داسته سنابك الخيول، ونقرأ له مايلي ماجدلين ليستيقظ العرب.

ماجدولين سرقوا منا بابل وآشور وما غضبنا شربوا الفرات ودجلة وسكتنا اغتنموا نومة الأمة العربية ذبحوا الأطفال الأطفال والشيوخ في غزة فضوا بكارة حرائر العرب في عقر الدار وما سمعنا غضباهدموا الجامع الأموي شنقوا الفارس العربي في بغداد وفي البيت الأبيض شربوا كؤوس الشامبانيا وعلى قنوات الإعلام .أعلنوا الحداديمزج الشاعر بين عدة أمكنة وأزمنة مختلفة ليكتوي بأفول مجدها ويبكي على أطلالها بأسلوب سلس ومباشر، متأثرا بشعراء .. كنزار قباني في قصيدته الشهيرة غرناطة وقصيدة الحمراء وقد ذكره خوسيه أنطونيو غونزاليس ألكانتود، أن نزار قباني يُشَّبِه الأندلس على أنها امرأة اسبانية تستذكر جذورها العربية وتعبر عن استيائها وحزنها لبعدها ومفارقتها هذه الجذور وللمسافة التي نشأت بينها وبين جذورها وهذا ما سار عليه صالح النيت في مجمل ما كتب هو التغني بغرناطة والأندلس ويشبهها بحال الأمة العربية حاليا وقد مزقتها الأحقاد والحروب وتكالبت عليها الخطوب يقول في قصيدته التي عنونها ب المرأة والتاريخ .

أمازلت ماجدولين تحفظين دروس ماما في فن الطبخ كي تفوح رائحة الكسكس المغربي في بهو قصر الاليزي ورائحة النعناع في كؤوس الشاي المغربي ورائحة الحناء من يديك ستحفظ حضارتي التي ماتت في ذاكرة الشعراء والأدباء ورجال الفكر ليعلموا أن مفاتيح غرناطة في خزانة ملك قشتالة لم تنه حضارتنا وتاريخنا ولا تقاليد البيت العربي في قرطبة فما زالت ماجدلين تتكحل بالكحل المغربي تتسوك بالسواك المغربي تتزين بالحناء المغربي لم ينته …والأمة العربية لم تمت بعد يعتمد صالح النيت على النسق الشعري والجرس الموسيقي بأسلوب شيق وممتع لا يهتم بوزن ولا قافية ولا على الإسهاب والاطناب فقصائده برغم قصرها محملة بصور شعرية جميلة مما يجعلها قريبة من ذائقة القارئ على اختلاف مستواه يقول صالح النيت فيما كتبه بأول ديوانه مبرزا أسلوبه وشريحة القراء الذين يكتب لهم في مطلع قصيدة وسمها بعنوان اسلوبي في كتابة الشعر أسلوبي في الشعر يقرأ في روض الأطفال في محاربة الأمية يقرأه بائع السجائر بالتقسيط في أزقة المدينة القديمة حاضرة المحيط وبائع السردين في السوق الأسبوعي ويفهم في برلين في معركة حطينأسلوبي مثل المرأة البدوية في إقناع الزوج للمارسة الحب في غرفة مهترئة على حصير مثقوب أسلوبي يحول مشرط جراحي الذماغ والأعصاب قلم رصاص يخفي الجرح فور انتهاء العمليةمن مخاض الحروف تصبح الولادة عسيرة والإجهاض مباحا، فتخرج الٱهات من ذات الكاتب والشاعر ينقلها بحرقة إلى قارئه ليشركه في مٱسي واقع أمته التي ضاع مجدها أو تكاد تتلاشى حضارتها وفي مغبة الحزن وعمق الجرح تنكسر جماجم الأطفال وعظام النساء وتنحني هامات الرجال ويمتح التراب دماء الشهداء فتنبت شجيرات الصفصاف وتبرعم الزهور لتستمر المقاومة ومن كل حبة رمل تنتفض الأجساد ألغاما تعصف صدور المغتصبين المحتلين وتهد أسوار المتخاذلين غدا تسمو راية النصر وترفرف في سماء الحرية .تحياتي لبوحك ولنصرة حرفك والقضية مستمرة ونقف عند هذا الحد آملين أن يتولى آخرون النظر في مضامين هذا الاصدار، وما قمنا من التعريف به يندرج في حث الشباب على القراءة والكتابة وخوض غمار التأليف وفتح الأبواب لهم وكثير من كتابات الكتاب كان يعتريها بعض الشوائب واللحن والعلل ولكن الممارسة والتعلم مكنتهم من أن يرتقوا مدارج الكبار وندعو لصاحب ديوان نور.. فاتنة مدريد، تعيد لي مفاتيح غرناطة بالتوفيق والنجاح ونلتقي معه في إصدار جديد والقادم أجمل أن شاء الله .

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button