أخبارالرئيسيةفي الصميم

هل باتت الديمقراطية الأمريكية على شفا الموت؟

لا تعد جريمة محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق والمرشح للرئاسيات المقبلة دونالد ترامب، عملا طائشا قام به مراهق مستاء من سياسة الجمهوريين بقدر ما هي تعبر عن شرخ بدأ يمس المجتمع الأمريكي الذي ظل سياسيون أمريكيون لعقود يتغنون بوحدة الأمة الأمريكية وتماسكها، ما يطرح التكهنات حول مصير الولايات المتحدة الأمريكية كدولة ونظام سياسي.

وإذا كانت بوادر الانقسام تعود إلى سنين خلت، إلا أنها طفت على السطح مع وصول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الحكم، التي تميزت سياسته باسترضاء اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين والسود على حد سواء، و تجلى ذلك خلال جائحة كورونا حيث برزت العديد من التفاوتات الطبقية، ومقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد على يد شرطي أمريكي، وبلغت ذروتها عندما طالب دونالد ترامب أنصاره من اليمين المتطرف الهجوم على مبنى الكابيتول في 25 يناير/كانون الثاني 2021 احتجاجا على نتائج الانتخابات التي وصفها ب “المزورة” وأدت إلى فوز الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص خلال عملية الاقتحام.

البوهالي
خالد البوهالي/ محلل مختص في الشأن الروسي

ومنذ تلك الفترة بدأنا نلاحظ تصعيدا غير مسبوق على مستوى لهجة الخطابات السياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أملا في الحصول على المزيد من الاستقطاب السياسي للشارع الأمريكي. من خلال وسائل الإعلام الموالية لهذا الحزب أو ذاك، ومواقع التواصل الاجتماعي إذ لم يترك أي من الطرفين الفرصة دون توجيه النقد والنقد المضاد المتسم بالحدة المفرطة لبعضهما البعض، حول العديد من القضايا التي تشكل مثار خلاف بينهما، وصلت حد تبادل الاتهامات والتلاسن ما زاد من منسوب التوترات الاجتماعية والسياسية والعرقية وتعقيد وتمييع المشهد السياسي، الشيء الذي أصبح يهدد استقرار البلاد على كل الصعد.

لكن السؤال الأبرز لماذا وصلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذا المستوى من الانحدار السياسي؟

إذا تأملنا في المشهد السياسي الأمريكي نجد أنه يفتقر إلى نخبة سياسية جديدة شابة قادرة على التجديد في الخطاب السياسي وضخ دماء جديدة في شرايين الديمقراطية الأمريكية التي أصبح يعتريها الترهل والجمود في السنوات الأخيرة، بسبب احتكار الساحة السياسية من طرف فاعلين سياسيين غالبيتهم من كبار السن الذين أضحوا مُسْتَهْلَكِينَ وغير قادرين على تقديم الإضافة للبلاد، بسبب عدم استيعابهم للتحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي يعرفها المجتمع الامريكي، و رغم ذلك تصر هذه النخبة على البقاء في موقع القرار لأطول فترة ممكنة.  

كما أن العوائق التي توضع أمام نخب شابة للوصول إلى مراكز القرار في واشنطن، تَحُدُّ من طموحات غالبية الشباب القادرين على لعب دور في المستقبل السياسي للبلاد، و التعبير عن طموحات و أحلام أبناء جيلهم، أهمهما أن الانتخابات في أمريكا تعتمد في حملتها على جمع الأموال والتبرعات للمرشحين من الشركات الكبرى والمصالح الخاصة التي تفضل السياسيين المخضرمين الذين يرتبطون معها بشبكة علاقات واسعة ومعقدة.

ونتيجة لذلك، يلاحظ عزوف الغالبية العظمى من الأمريكيين الشباب عن ممارسة السياسة والنفور منها بسبب عدم الثقة في المؤسسات السياسية والحزبية بسبب الصراعات العبثية بين الساسة الأمريكيين، وبالتالي يفضل هؤلاء الشباب الانصراف للبحث عن وظائف مرموقة تضمن لهم قدرا مهما من الاستقرار المادي والاجتماعي، بعيدا عن هموم السياسة وصراعاتها المعقدة التي لا تنتهي، وهذه المسؤولية يتحملها أصحاب القرار السياسي في واشنطن، وهو ما يسبب نفورا من السياسة

هذه الانقسامات الحادة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بدأت ترخي بظلالها على المجتمع الأمريكي، وتدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى مزيد من الانحدار بعد أن بدأ تأثيرها في النسق السياسي الدولي يتناقص تدريجيا، وبوادر حرب أهلية ونَزْعَاتٍ انفصالية في العديد من الولايات الأمريكية تلوح في الأفق نذكر على سبيل المثال ولاية تكساس الأمريكية التي أعلن حاكمها رغبته في الانفصال عن أمريكا إثر خلاف حاد مع الرئيس بايدن حول إقامة سياج حدودي مع المكسيك لمنع الهجرة السرية، إضافة إلى ولايات أخرى مثل نيوهامشر و لويزيانا و غيرها.  

و في هذا الصدد كتب الصحفي والمؤلف ريتشارد كرايتنر، يقول أنه حان الوقت “لأخذ الحديث عن الانفصال على محمل الجد”.

ويضيف قائلا «أنه في أعقاب محاولة التمرد الفاشلة التي شارك فيها أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، واقتحامهم للكونغرس، فإن ميليشيات اليمين المتطرف، مدفوعة بمزاعم ترامب التي لا أساس لها من الصحة بأن الانتخابات “سُرقت”، أصبحت تطالب بشكل متزايد بالانفصال، ليس فقط في تكساس، ولكن في ولايات أخرى كذلك. وأظهرت دراسة أجراها مجموعة من الباحثين من عدة جامعات أمريكية أن الفكرة يؤيدها ثلث الجمهوريين في مختلف الولايات الأمريكية، وأكثر من نصف الجمهوريين في الولايات الكونفدرالية السابق. معتبرا أن أعلام الكونفدرالية التي رفعها مقتحمو مبنى الكابيتول لم تكن إشارة إلى الماضي، بل إلى المستقبل.

خلاصة القول، إن الديمقراطية الأمريكية التي ظلت تتغنى بها واشنطن أصبحت على شفير الهاوية، بسبب حالة الانقسام الداخلي الذي بات يهدد البلاد ويدفعها إلى التفكك، فهل سنشهد سقوطا مدويا لأمريكا في السنوات القادمة على غرار ما حصل للاتحاد السوفياتي السابق؟ الأيام القادمة تملك الإجابة.   

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button