أخبارالرئيسيةفي الصميم

وداعاً يا تيك توك

“إنَّ الثَّورةَ الحقيقيَّةَ تبدأُ عندما يستطيعُ الفردُ أن يتحرَّرَ من القيودِ الداخليَّةِ التي يفرضُها عليه المجتمعُ، قبلَ أن يتصدَّى للعالمِ الخارجيِّ.” – جوليا كريستيفا

أجمل الكتب بالنسبة لي ليست تلك التي وضعتها على رفوف مكتبتي، وليست تلك التي ختمت آخر صفحاتها مبتسماً، بل هي تلك الكتب التي لم أقرأها بعد، تلك التي تنتظرني ككنز مخفي وراء غلاف صامت.

اجمل الكتب في نظري هي وعد الكلمات الصادق بمغامرة جديدة، بتثمين فكرة لم تكتمل بعد، بفتح أفق رحب و شاسع أمام مخيلتي. إنها الكتب التي تثير فضولي،و تشعل بداخلي رغبة الاستكشاف وتدعوني لسبر عوالم لم أكن لأتصور وجودها. و في ثنايا كل كتاب لم أقرأه بعد، هناك عوالم وأفكار جديدة تنتظرني، و ربما إلهام لمشروع لم يكتب بعد.

و الى جانب الكتب، فان أعظم المقالات في رايي ليست تلك التي كتبتها ونشرتها على صفحات الجرائد أو المدونات، وليست تلك التي لاقت استحسان القراء أو أثارت نقاشات عميقة. بل هي تلك المقالات التي تنتظر لحظة ميلادها، تلك التي تشعرني بالحماسة وتدعوني للجلوس أمام الورقة البيضاء، في انتظار الكلمات لتنساب بحرية وتبني جسرًا متينا بين الفكرة والواقع. انها المقالات التي أسعى لكتابتها في المستقبل، و التي أطمح أن تكون صوتًا قويا يعبر عن أفكاري ومشاعري، ويجسد لحظات التأمل العميقة والتساؤلات الفلسفية التي تراودني.

بقلم/ د. مهدي عامري

إنها تلك اللحظات بين الانتهاء من قراءة كتاب وبين الشروع في كتاب آخر، وبين نشر مقالة وبين البدء في كتابة مقالة جديدة، انها تلك الاوقات السعيدة من الكتابة الغزيرة و تصيد بنات الافكار و انقطاع الالهام و ترقب ملاك الكتابة ان يعود.. اوقات تشعرني بالحيوية و تجدد الروح. انها تجارب لا تتوقف عن دفع عجلة التفكير والتأمل إلى الأمام. ففي كل صفحة جديدة وفي كل فكرة تولد، أجد نفسي مجددًا على طريق لا نهاية له من الاكتشاف والابتكار، متجاوزا ذاتي و متحديًا نفسي لتحقيق ما هو أعظم دائمًا و ابدا.

ها نحن نعاود التحدث عن تحولات التواصل في عالم تيك توك.

لم نكن نتوقع أن يكون قضاء الساعات الطوال على شاشة بحجم كف اليد هو الطريق السريع نحو الهاوية.

ما كنا نعلم، نحن الذين وُهِبَ لنا العقل والتأمل في العصر الذهبي للمعرفة و وفرة المعلومات، أن أدوات العصر الرقمي، مثل تيك توك، ستتحول إلى قنبلة نووية تنسف الحضارة من أساساتها، لتحوّلنا إلى كائنات هشة عديمة القيمة، تقف على أطراف الهاوية، و تلهو بالفيديوهات القصيرة.

هل نحن فعلاً في عصرٍ تكاثر فيه البلهاء، كما قال أمبرتو إيكو ؟

هل هو عصر الدجل المعزز بالتكنولوجيا ؟

هل صار الرويبضة دجال العصر الحديث و متسيده دون منافس او منازع ؟

نعم، نحن هنا في المعترك السخيف للمقاطع القصيرة، نحن هنا في هذه المساحة الرمادية حيث تصطدم الأفكار السطحية بقوة العقل الفلسفي، وتنتصر في معاركها الصغيرة أمام جمهورٍ يصفق للتفاهة.

لطالما كان العالم الرقمي مرآةً تعكس تناقضات عصرنا الحالي. ففي ظل الوتيرة السريعة التي تحكم حياتنا، يأتي تيك توك ليغرقنا في سيلٍ من المحتوى السطحي الذي يسرق منا اجمل اللحظات دون أن ندرك.

هل تتذكر جدتك و هي تحكي لك اقصوصة ما قبل النوم ؟

هل تتذكر انه في بداية ثمانينيات القرن الماضي كان بث التلفاز محدودا يمتد لبضع ساعات في اليوم، من السادسة زوالا الى الحادية عشرة ليلا، و انه بناء على هذا كانت الاسر تملك الكثير من الوقت للتحادث و تبادل النكات و الضحك الصافي من اعماق القلب، بعيدا عن جحيم شاشات الانستغرام و التيك توك و سواها من التكنولوجيات الغبية التي سلبت الانسان اثمن ما يملك : نعمة الوقت و راحة البال.

الكل متوحد مع هاتفه و لا احد تقريبا يكلم الاخر. منصة تيك توك ليست سوى تمثيل لمرحلة من التدهور الفكري، حيث تنتصر التفاهة على الجودة، وتتحول الفيديوهات القصيرة إلى وسيلة لقتل الوقت بلا أي فائدة حقيقية.

مرحبا بك في جحيم العالم الرقمي، حيث يشعر الفرد بالانجراف دون إرادة، كما لو كان جزءاً من موجة ضخمة لا يمكن مقاومتها. وبهذا الشكل، يصبح تيك توك أشبه بقصر رملي هش تم تشييده على أسس واهية من الشهرة السريعة والمحتوى المبتذل، و يصبح هذا القصر الرملي مرآة تعكس سطحية العصر وافتقاره للعمق.

ان تيك توك بناء مزيف. ان هذا البناء الذي نشيده في عقولنا، في كل مرة نتابع فيها تلك الفيديوهات العابرة، لا يتجاوز في طبيعته قصرًا هشًا مبنيًا على حطام من الغبار تذروه الرياح…

اصحابي و اساتذتي الكتاب و الفلاسفة ! اين انتم ؟ الحي و الميت منكم.. اناديكم جميعا ! تعالوا معي لنتفلسف حول بؤس الانسان المعاصر في زمن تيك توك..

البداية مع محمد عزيز الحبابي.. هل تذكر يا فيلسوفنا المغربي المتميز انك حذرت مرارا و تكرارا في كتاباتك من التنازل عن الفردانية لصالح الجماعية السطحية التي تُفْقِد الإنسان هويته ؟ لو كنت بيننا اليوم، لأشرت إلى أن تيك توك هو تمثيل حيّ لهذه الجماعية التافهة التي تلتهم الفرد التهاما وتحوّله إلى جزء من موجة هادرة لا تعرف إلا الانغماس في اللاشيء. لو كنت هنا لقدّمت لنا ذاك الحل السحري الذي يتمثل في العودة إلى الذات، مع تعزيز الوعي الفردي ضد الجموع الغافلة التي تتجه بلا وعي نحو الشاشات الصغيرة.

انا على يقين انه في فكرك الثاقب، يكمن الحل في تعميق الفردانية، وتوجيه الفكر إلى الداخل، حيث يمكن للإنسان أن يجد نفسه بعيدًا عن الضجيج الرقمي. و انا متاكد ايضا انك لن تتحمل ضجيجنا الرقمني و انك لو كنت حاضرا في خضمه الهادر كنت ستدعونا للبحث عن الحقيقة، بعيدًا عن زيف الخوارزميات، و كنت ستحثنا على محاولة الاستقلال عن الضغوط الجماعية التي تحكم عصرنا.

لكن اسمح لي ان اتساءل بدوري : كيف يمكننا تحقيق ذلك في عصر تسوده المنصات الرقمية التي تجذبنا إليها بكل قوة؟ و هل نحن اقوياء بما فيه الكفاية لنتخذ موقفاً فردياً ضد تيار التفاهة الجارف ؟

استاذنك يا عزيزي محمد الحبابي. ها هو وليام فوكنر يطرق الباب.

مرحبا سير وليام. ما رايك في كل هذا اللغط حول تيك توك ؟ هل يستحق كل هذه الجلبة ؟

لو كنت يا وليام فوكنر تكتب عن تيك توك، لأخذتنا إلى قرية صغيرة في عمق الجنوب الأمريكي، حيث تروي لنا قصة شخص يكافح للبقاء ضد تيار التكنولوجيا الجارف. و لعلك كنت ستخبرنا أن الشجاعة تكمن في مقاومة الانحراف نحو السهولة، وأن تلك السهولة التي يقدمها تيك توك هي الخطر الأكبر و الشيطان الاعظم. لماذا ؟ بكل بساطة لان الفرد في هذا العالم الرقمي تعلم أن يستهلك دون تفكير، و أن يضيع الوقت دون معنى، وبهذا اصبح جزءًا من دوامة لا نهائية.

ما الحل اذا ؟

وفقاً لافكارك النيرة عزيزي وليام فوكنر، اظن ان الحل يكمن في الوقوف ضد التيار، و في البحث عن الأهمية والمعنى في كل دقيقة تمر. فنحن لسنا مجرد مستهلكين سلبيين للمحتوى؛ نحن كائنات من عقل و روح و نحن قادرون على خلق المعنى من داخلنا. لذا، فإن المقاومة الفردية، وإن كانت صعبة، هي الخطوة الأولى نحو استعادة السيطرة الكاملة على حياتنا ووقتنا.

لكن، هل يمكن لهذه المقاومة الفردية أن تصمد أمام الضغوط الكبيرة التي تفرضها التكنولوجيا؟ في عالمك يا فوكنر، ربما يكون الفرد قادرًا على البقاء في وجه التحديات، ولكن في عالمنا الحديث، حيث يندمج الفرد مع الآلة، هل يمكن حقًا أن نتحدث عن مثل هذه المقاومة؟ أم أن الحل يكمن في تغيير جذري في طريقة تعاملنا مع التكنولوجيا نفسها؟

و بينما نحن نتأمل في عوالم الفلاسفة الذين كان من الممكن ان يفكروا في ظاهرة تيك توك لكن ذلك لم يكن متاحا لفارق التوقيت، يظهر لنا باروخ سبينوزا ليؤكد أن العالم لا يمكن فهمه من خلال الفوضى، بل من خلال النظام والترتيب. فإذا أردنا حقاً التخلص من التأثير السلبي لتيك توك، فعلينا أن نعيد التفكير في كيفية تعاملنا مع هذه المنصات. و هنا فان السبيل ليس في الحظر و المنع و القمع، بل في بناء نظام داخلي يعتمد على الوعي الذاتي.

في هذا السياق، ستعلمنا يا سبينوزا أن القوة الحقيقية تأتي من الداخل، من القدرة على الامساك بزمام الشهوات والرغبات التي تملأ قلوبنا. و ستعلمنا ايضا انه إذا استطعنا تطبيق فلسفتك المتميزة في التعامل مع تيك توك، فسنتعلم كيف نستخدمه كأداة إيجابية، بدلاً من أن يتحول إلى سيد يتحكم فينا.

دعني اعترف لك : في عالمك يا سبينوزا، الإنسان ليس مجرد كائن خاضع لرغباته، بل هو سيد عليها. وهذا هو المفتاح الحقيقي لفهم كيفية التعامل مع تيك توك. لا مجال للحظر، بل المطلوب هو توجيه استخدامنا له بشكل إيجابي ومنظم. و من الثابت ان هذه الفكرة تمثل تحديًا حقيقيًا في عصر السرعة والتكنولوجيا، و لكنها رغم كل شيء تفتح الباب أمام إمكانية استخدام هذه الأدوات لتحسين حياتنا بدلًا من تدميرها.

على الجانب الآخر، تظهر يا فريدريك نيتشه بفلسفتك الجريئة التي ترفض القبول بالواقع كما هو، و انا اتصور انك عصبي المزاج كعادتك و انك لا تستطيع تحمل التفاهة. ها انت اذا تصرخ في وجوهنا: ” لماذا تديمون النظر إلى الشاشات كنظر عباد الطبيعة إلى النجوم ؟؟ كفى ! أنتم لم تخلقوا لتكونوا عبيدًا للشاشات! “.

لا فض فوك يا نيتشه.

ان كلامك سهام لا تخطىء الهدف. انك تحثنا على خلق فلسفة جديدة للحياة، فلسفة تحتقر السطحية وتتمرد على الخوارزميات التي تتحكم في أذهاننا.

لقد فهمتك ايها الفيلسوف العظيم. انت تؤمن أن البشر يجب أن يرتقوا، و أن يتجاوزوا حدودهم، ولكن كيف يمكن لنا أن نرتقي ونحن ملتصقون بالشاشات التي تملي علينا ما نراه وما نؤمن به؟

ان قابلية التمرد هنا ليست مجرد رفض، بل هي دعوة لإعادة اكتشاف الذات، لتجاوز القيود الرقمية التي أصبحت تحاصرنا من كل جانب.

ان التمرد في فكرك يا عزيزي نيتشه ليس مجرد مقاومة سلبية، بل هو رفض كامل للنظام القائم وإعادة بناء الواقع من جديد. و في هذا السياق، يمكننا أن نفهم استخدام تيك توك كجزء من هذا النظام الذي يجب أن نرفضه ونتجاوزه، ليس من خلال الهروب، بل من خلال خلق بدائل جديدة تعيد إلينا إنسانيتنا.

طاق طاق طاق!!!

من بالباب ؟

هيجل ؟

يا مرحبا ! اشرقت الانوار !

لعلك ترى يا استاذ هيجل أن تيك توك هو مجرد مرحلة في “ديالكتيك” التطور الاجتماعي. فهذه المنصات ليست النهاية، بل هي حلقة صغيرة في سلسلة من التغيرات التي ستقود في النهاية إلى وعي جديد. انك ربما تعتقد ان الصراع الذي نعيشه مع تيك توك ليس سوى خطوة على الطريق نحو تطور اجتماعي جديد.

هيجل.. انت تؤمن أن الصراع هو الذي يخلق التغيير. ونحن الآن في صراع مع هذا الوحش الرقمي الذي يسلب عقولنا ووقتنا.

ما الحل اذا ؟

لعل الحل يكمن في التصالح مع هذا الصراع، و في فهمه واستغلاله لتحقيق قفزة نوعية في تطورنا الاجتماعي والفكري.

و في فلسفتك يا اخي هيجل، يمثل الصراع مع تيك توك مرحلة انتقالية نحو وعي جديد. و هذا الوعي الجديد يمكن أن يولد من رحم هذه الأزمة الرقمية التي نعيشها. فالوعي الاجتماعي لن يتطور إلا من خلال مواجهة هذه التحديات، وليس بالهروب منها.

ان بناء الحوار الفلسفي حول تيك توك او ما عداه من المنصات الرقمية شيق حد الثمالة. فبينما نغوص في عوالم الفلسفة، تأتي نوال السعداوي لتقدم رؤيتها الثورية. فالسعداوي التي كانت ترى أن تحرير المرأة لا يقتصر فقط على التحرر من القيود الاجتماعية، بل من القيود العقلية أيضًا، ربما ترى ان تيك توك، في نظرها، يمثل قيداً جديداً يحد من تفكير المرأة و الرجل على حد السواء، بل من إنسانية الاثنين بشكل عام.

انك يا نوال السعداوي كنت ستوجهين لنا دعوة صريحة إلى الثورة على الرقمنة، و هي لعمري ثورة تبدأ من العقل و تنتهي اليه، وترفض القبول بالواقع الرقمي كما هو. ان هذه الثورة لا تتمثل فقط في الهروب من تيك توك، بل في تغيير قواعد اللعبة بالكامل، وبناء عالم رقمي جديد يرتكز على القيم الإنسانية والفكر النقدي.

في نظرك يا استاذة نوال السعداوي : التيار الرقمي لا يستهدف فقط المرأة، بل الإنسان ككل. و في هذا الصدد فان تيك توك وغيره من المنصات الرقمية تمثل أدوات تحكم جديدة في العقول، وهذا التحكم يأتي من خلال الإغراء المستمر بالفيديوهات القصيرة والسريعة، والتي تصرفنا عن التفكير العميق والمعنى الحقيقي للحياة.

ما عساه يكون الحل ؟

وفقًا لنوال السعداوي، لعل الحل ليس فقط في مواجهة هذه الأدوات، بل في تحرر شامل من كل أشكال القيود التي تفرضها علينا التكنولوجيا.

إن تحرير الإنسان من هذا القيد الجديد يتطلب ثورة حقيقية، ثورة لا تستهدف فقط النظام الاجتماعي بل العقل ذاته. إنها دعوة للوعي، للعودة إلى الذات والتأمل في معنى وجودنا كأفراد قادرين على السيطرة على الحياة، بدلاً من أن نكون أسرى لأهواء التكنولوجيا.

لكن هل يكفي أن نطلق الثورة ضد التكنولوجيا؟ هل يمكننا بالفعل التخلص من تأثيرات تيك توك بالتمرد والتفكير العميقين؟

هنا يدخل الى المشهد و السجال الفلسفي يوڤال نوح هراري بمنظوره العملي، ليقدم إجابة مغايرة. فهراري يرى أن التكنولوجيا ليست بالضرورة عدواً، بل يمكن أن تكون أداة قوية إذا استُخدمت بحكمة.

و وفقًا لهراري، ليست المشكلة في التكنولوجيا نفسها، بل في كيفية استخدامها. و إذا أعدنا صياغة علاقتنا مع التكنولوجيا، واعتمدنا على أسس التفكير النقدي والتعلم المستمر، يمكننا تحويل هذه الأدوات إلى وسائل للنمو والتطور الشخصي. فهنا يكمن التحدي في بناء أنظمة تعليمية جديدة تُعلّم الأجيال القادمة كيفية استخدام التكنولوجيا بطرق بناءة وفعّالة.

ربما ان هراري كان سيعتقد أن الحل لا يكمن في حظر تيك توك أو غيره من المنصات، بل في تعليم الناس كيفية التعامل مع هذه الأدوات بشكل واعٍ ومسؤول، سيما و اننا بحاجة إلى جيل جديد من المتعلمين الذين يعرفون كيف يحمون أنفسهم من الإدمان الرقمي وكيف يستغلون التكنولوجيا لخدمة تطورهم الشخصي والفكري.

و علاوة على هؤلاء الجهابذة السالف ذكرهم يأتي علاء الأسواني ليضعنا أمام سؤال محوري: “وداعاً يا تيك توك، ولكن إلى أين الوجهة ؟”

قد يكون الحظر حلاً مؤقتاً، لكنه ليس كافياً إذا لم نكن على استعداد للتغيير الفعلي. فالأسواني اذا اعطيت له الكلمة حول الموضوع كان سيرى أن الحظر هو مجرد خطوة أولى، لكنه يجب أن يكون مشفوعا بتعليم جديد وثورة فكرية حقيقية.

ان الأسواني بواقعيته المعهودة، سيدرك أن تيك توك ليس هو الجذر الحقيقي للمشكلة. لان المشكلة تكمن في النظام الذي يدفع الناس نحو التفاهة والسطحية. و بالتالي، نحن بحاجة إلى تغيير شامل في كيفية فهمنا للتكنولوجيا وفي كيفية توجيه حياتنا. فالحظر وحده لن يحل المشكلة إذا لم نصاحب ذلك بتعليم جديد يعزز التفكير النقدي ويشجع على الإبداع والتفكير العميق.

ان حوارنا المتخيل طويل، و من المؤكد ان رحلتنا الجميلة مع هؤلاء المفكرين الفلاسفة و غيرهم لا تنتهي. و مجمل القول ان الحل لا يكمن في الهدم الكلي، بل في إعادة البناء. فتيك توك وغيره من المنصات الرقمية ما هي الا ترسانة من الأدوات؛ و من المؤكد ان المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية استخدامنا لهذه الأدوات.

و هنا لنفهم بوضوح انه إذا استطعنا أن نعيد بناء أنفسنا من الداخل، وأن نوجه التكنولوجيا لخدمة أهدافنا الفكرية والإنسانية، فإننا سنكون قادرين على التغلب على هذا التحدي الرقمي.

ان الفلاسفة الذين تخيلنا التواصل معهم في ثنايا هذا المقال.. من محمد عزيز الحبابي إلى نيتشه إلى السعداوي… يرسمون لنا خارطة طريق للعودة إلى الذات، و لتجاوز التفاهة والسطحية التي تسيطر على حياتنا الرقمية.

ان احتواء المد الجارف لتيك توك و ما شابهه من المنصات لا يكمن في الحظر فقط، بل في الوعي والفهم العميق لكيفية استغلال هذه الأدوات لصالحنا.

فنحن بحاجة إلى جيل جديد من المفكرين والفاعلين الذين يستطيعون استخدام التكنولوجيا بذكاء وحكمة، ويعيدون بناء العالم الرقمي على اسس صلبة من القيم الإنسانية والفكر النقدي الحقيقي.

هل نقول : وداعا يا تيك توك؟

لا يهم ان تبقى معنا او ان ترحل.

انت جزء من التحدي، و لكنك لست و لن تكون النهاية.

فالنهاية او حسن الختام بالاحرى سيكون متاحا عندما نستطيع أن نهدم قصور الرمال التكنولوجية لنبني قصرًا جديدًا، قائمًا هذه المرة على أساسات قوية من الفكر الثاقب و الوعي الذاتي و الإبداع اللامحدود.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button