أخبارالحكومةالرئيسية

حكومة الغلاء: دخول سياسي لإنقاذ الموقف أم خروج نحو المجهول؟

في ظل حكومة تواجه انتقادات شديدة نتيجة تحميلها المسؤولية عن الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، والغلاء المعيشي الذي يثقل كاهل الفئات المتوسطة والهشة، يبدو المشهد السياسي على صفيح ساخن. الأوضاع الاقتصادية المتأزمة لا تقتصر فقط على الزيادة في الأسعار، بل تمتد إلى تأثيرات أعمق تشمل انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وتزايد معدلات البطالة، وتراجع الثقة في السياسات الحكومية.
في هذا السياق، يُطرح السؤال المحوري: هل نحن بصدد دخول سياسي جديد تحاول فيه الحكومة تدارك الأوضاع وتحقيق انفراجة، أم أننا أمام خروج سياسي ينذر بفقدانها للسيطرة على الوضع واستمرار تفاقم الغضب الشعبي؟ بين هذين الخيارين، تتشابك مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي ستحدد مسار الأحداث المقبلة، وتشير إلى أن هذا المفترق قد يكون حاسمًا لمستقبل الحكومة نفسها ولمسار الإصلاحات في البلاد.

بقلم/ ذ. زهير أصدور
  • الدخول السياسي:

في ظل الوضع الحالي، يمكن اعتبار هذه المرحلة فرصة حاسمة للدخول السياسي إذا تعاملت الحكومة بجدية مع الأزمة المتفاقمة على عدة جبهات حيوية. فإلى جانب الغلاء المعيشي وارتفاع أسعار السلع والخدمات، تشهد الساحة السياسية حراكات اجتماعية متزايدة تشمل قطاعات أساسية مثل العدل، الصحة، والتعليم. هذه الحراكات تتجلى في إضرابات واسعة النطاق في المحاكم، حيث يعاني قطاع العدالة من شلل شبه تام بسبب اضرابات الموظفين واحتجاجات المحامين، إلى جانب إضرابات مستمرة في قطاع الصحة وموجات غضب في أوساط طلبة كلية الطب. ولا ننسى المشكلات المتفاقمة في قطاع التعليم، حيث يشهد اضطرابات مستمرة في أوساط الأساتذة والمتعلمين. هذا الوضع يشير إلى أن جميع القطاعات الحيوية تعيش أعطابًا كبيرة تتطلب تدخلاً جادًا قبل إقرار أي تشريعات قد تزيد من الاختناق الاجتماعي.

في هذا السياق، الدخول السياسي لا يمكن أن يكون مجرد خطوات إصلاحية اقتصادية، بل يجب أن يكون شاملاً ويشمل معالجة الأزمات الاجتماعية الراهنة. إن تجاهل هذه الحراكات أو التعامل معها بشكل سطحي سيؤدي إلى تفاقم التوترات، و يضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع المجتمع بكافة شرائحه. هذا الدخول يتطلب إصلاحات حقيقية وجادة تبدأ بالاستماع لمطالب الفئات المحتجة والعمل على معالجة الأوضاع المعيشية والمهنية في هذه القطاعات قبل التوجه نحو إقرار أي سياسات جديدة.

في قطاع العدل: على الحكومة أن تدرك أن استمرار شلل المحاكم بسبب إضرابات الموظفين واحتجاجات المحامين يشكل تهديدًا مباشرًا لحقوق المواطنين في الوصول إلى العدالة. الحلول المؤقتة لن تكون كافية، بل يتطلب الوضع حوارًا جادًا مع النقابات المهنية لتجنب مزيد من التصعيد والعمل على تحسين ظروف عمل المحامين والموظفين، وضمان توازن عادل بين الإصلاحات التشريعية وحقوق العاملين في قطاع العدالة.

أما قطاع الصحة: الذي يعاني من إضرابات متكررة، فهو الآخر يتطلب إصلاحات عميقة لضمان تحسين ظروف العمل للعاملين في هذا المجال، وتوفير بنية تحتية قوية تضمن تقديم الخدمات الصحية للمواطنين بجودة وكفاءة. الطلبة الأطباء، الذين يحتجون أيضًا، يعكسون أزمة أعمق تتعلق بمنظومة التعليم الطبي في البلاد، ومن الضروري فتح قنوات حوار معهم للتوصل إلى حلول تضمن مستقبلهم المهني وتحسين الأوضاع الصحية بشكل عام.

في قطاع التعليم: حيث تستمر الاحتجاجات والإضرابات، على الحكومة أن تدرك أن التعليم هو أحد الركائز الأساسية لاستقرار أي مجتمع. إصلاح التعليم يتطلب استراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار تحسين ظروف عمل الأساتذة، وتطوير المناهج، وضمان تعليم ذي جودة يلبي طموحات الطلاب. بدون هذه الإصلاحات، ستبقى الأزمة قائمة، وستؤدي إلى مزيد من التوترات الاجتماعية.

إقرار بعض التشريعات المثيرة للجدل، خاصة في ظل هذه الأجواء المحتقنة، سيكون مخاطرة كبيرة إذا لم ترافقه إصلاحات موازية في القطاعات التي تشهد اضطرابات. التشريعات التي قد تؤدي إلى مزيد من الاختناق الاجتماعي، مثل التعديلات المقترحة في قوانين المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية وكذا القوانين المرتبطة بالوظيفة العمومية و الدعم الاجتماعي وقانونية المالية، قد تواجه برفض شعبي واسع إذا لم يتم مراعاة التوازن بين متطلبات الإصلاح وأثرها على الفئات الهشة. لذا، يجب على الحكومة أن تكون حذرة في هذه المرحلة وأن تسعى لإيجاد توافق اجتماعي حول الإصلاحات المقترحة.

الدخول السياسي الناجح في هذا السياق يعني أولاً وقبل كل شيء، التعامل مع الحراكات الاجتماعية بجدية ومسؤولية. الحكومة مطالبة بفتح حوار مباشر مع الفاعلين في كل القطاعات المتضررة، والاستجابة لمطالبهم بشكل يعيد الثقة في العملية السياسية. إعادة بناء الثقة بين الحكومة والمجتمع ستكون العنصر الحاسم في تحديد ما إذا كان الدخول السياسي سيؤدي إلى استقرار الأوضاع أو تفاقمها. إذا نجحت الحكومة في هذا، سيكون بإمكانها الانتقال إلى إصلاحات أوسع تشمل معالجة الغلاء المعيشي وتحسين الظروف الاقتصادية، مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.
الدخول السياسي في ظل هذه الظروف ليس مجرد خيار، بل ضرورة ملحة. لكن نجاحه يعتمد على مدى استعداد الحكومة لتقديم تنازلات حقيقية، وإطلاق إصلاحات جذرية في القطاعات الحيوية، مع الاستماع إلى صوت الشارع واحترام الحراك الاجتماعي الذي يطالب بحقوق مشروعة.

  • الخروج السياسي:

من جهة أخرى، يمكن الحديث عن خروج سياسي إذا استمرت الحكومة في تبني سياسات غير فعالة لمواجهة أزمة الغلاء، مما يؤدي إلى تصاعد الغضب الشعبي وتفاقم الأزمة. الخروج السياسي قد يكون نتيجة لعدم قدرة الحكومة على الاستجابة للتحديات، وفقدانها لدعم المواطنين والأحزاب المعارضة على حد سواء. في هذا السيناريو، قد تتراجع الثقة في المؤسسات السياسية، وقد يشهد المشهد السياسي اضطرابات اجتماعية أو حتى مطالبات بالتغيير الحكومي.

الخروج السياسي يمكن أن يكون تمهيدًا لإعادة تشكيل المشهد السياسي من خلال انتخابات مبكرة أو تعديلات حكومية جوهرية، في حال فشلت الحكومة الحالية في تنفيذ التزاماتها الاقتصادية والاجتماعية.

خلاصة:
نحن أمام مفترق طرق، حيث يمكن للدخول السياسي أن يعيد الأمور إلى نصابها من خلال سياسات فعالة وحوار بناء. بينما الخروج السياسي سيكون نتيجة لفشل الحكومة في التعامل مع أزمة الغلاء وتبعاتها الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button