شددت الأمانة العامة لحزب العدالة و التنمية على ضرورة بث نفس سياسي وديمقراطي وتنموي جديد يعيد الثقة في المؤسسات وفي العملية السياسية وفي جدوى الانخراط في العمل السياسي والحزبي والمدني وينعش الشعور بالانتماء للوطن والأمل في المستقبل.
جاء ذلك في بلاغ للحزب ليوم الخميس 19 شتنبر 2024، على هامش اجتماع استثنائي للأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية خصص للتداول بخصوص آخر مستجدات الوضع السياسي والاجتماعي العام ببلادنا، ولاسيما الحدث المؤلم الذي عرفته مدينة الفنيدق يوم 15 شتنبر الجاري.
وبعد الاستماع إلى كلمة الأمين العام عبد الاله بنكيران بهذا الخصوص، وتقديم تقارير حول مختلف قضايا الشأن الوطني والحزبي، والوقوف عند آخر تطورات حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني المجرم في فلسطين ولاسيما في قطاع غزة والضفة الغربية وتداعياتها على باقي الدول العربية.
وبعد تجديد الترحم على ضحايا الفيضانات والسيول التي عرفتها أقاليم الجنوب الشرقي ببلادنا، وبعد نقاش جاد ومسؤول خلصت فيه الأمانة العامة إلى أن الوضع السياسي والاجتماعي يقتضي من الحزب أن يستمر في القيام بكامل أدواره الدستورية والتنبيه بصراحة ومسؤولية إلى خطورة حالة اليأس وتراجع الثقة في المؤسسات والتي أصبحت تجلياتها تبرز بشكل تصاعدي.
وهو ما ينبغي على الجميع التعامل معه بشكل جدي ومستعجل للحفاظ على السلم الاجتماعي وعلى المكتسبات التي حققها وطننا. وبهذه المناسبة، تعبر الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عن المواقف التالية:
المسؤولية والدروس والعبر
إن ما شهدته مدينة الفنيدق يوم 15 شتنبر الجاري من محاولة للهجرة الجماعية من طرف مجموعة من الشباب والقاصرين استجابة لنداء مجهول تم ترويجه عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وما رافق ذلك من تصريحات وتداول للعديد من الفيديوهات والصور الصادمة للرأي العام، يتطلب الكشف عن نتائج التحقيق الذي أعلنته النيابة العامة بخصوص مصدر هذه الفيديوهات والصور ومدى صحتها، وترتيب الجزاءات اللازمة. وهي مناسبة لتشيد الأمانة العامة بالمجهودات الكبيرة التي بذلتها مختلف القوات الأمنية بغرض احتواء هذه الأزمة والمحافظة على الأمن والاستقرار بالمنطقة، ولتجدد في نفس الوقت التشديد على ضرورة احترام الحقوق والحريات المكفولة دستوريا في كل الظروف، والتصرف أفرادا وهيئات وسلطات وفق ما تفرضه سيادة القانون في تدبير كل الأحداث والوقائع. كما تنبه الحكومة إلى عجزها التدبيري والتواصلي المزمن والذي تجلى كعادتها في تجاهلها التام لهذه الوقائع وعدم تدخلها في الوقت المناسب وغياب الحس الاستباقي لديها، وتدعوها في هذا الصدد إلى تحمل كامل مسؤوليتها في التواصل بكل شفافية ومسؤولية مع الرأي العام وتقديم كل المعطيات المتعلقة بهذه الأحداث.
إن هذه الواقعة تستوجب أيضا من الحكومة التحلي بالمسؤولية والتواصل بالصراحة والموضوعية بخصوص الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمالي ببلادنا، عوض التصريحات المستفزة والمؤججة للأوضاع التي يرددها في كل مرة رئيس الحكومة بأن هذه الحكومة حققت “ثورة اجتماعية غير مسبوقة، وأنها حققت في نصف ولايتها “ما يفوق كل التوقعات والانتظارات” في تجاهل تام للواقع الاجتماعي الذي يطبعه تصاعد معدلات البطالة ولا سيما في صفوف الشباب، وارتباك الحكومة في تنزيل العديد من البرامج الاجتماعية وعجزها عن إيجاد الحلول والبدائل للمشاكل الاجتماعية الكثيرة التي يتخبط فيها المواطنون والمواطنات، وتأخرها وفشلها في تنزيل وعودها الكبيرة، ولاسيما تلك المتعلقة بملف التشغيل، وعجزها عن معالجة مختلف الأزمات المتفاقمة من مثل توقف المستمر للدراسة بكليات الطب والصيدلة لمدة تناهز عشرة أشهر، والارتباك الكبير الذي تعرفه محاكم المملكة في ظل صمت الحكومة وعجزها عن التفاعل مع احتجاجات الشغيلة بقطاع العدل.
إن ما آلت إليه الأوضاع ببلادنا من تزايد منسوب انعدام الثقة في المؤسسات والتراجع عن الانخراط في الحياة العامة وعن الاهتمام بالسياسة هو تجلي طبيعي لحالة الانزياح عن المسار الديمقراطي والتي شكلت لحظة “البلوكاج” السياسي لسنة 2016 انطلاقته وبلغت لحظة انتخابات 08 شتنبر 2021 ذروته والذي أنتج حكومة ضعيفة ودون سند شعبي، وَوَلَّدَ شعورا عاما لدى المواطنين والمواطنات، ولاسيما في صفوف الشباب، بعدم جدوى العمل السياسي والحزبي والمشاركة السياسية والانتخابية وخلف حالة من اليأس والنفور لدى الشباب بصفة خاصة.
كما أن بنية الهيئات المسيرة لبعض الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة والقائمة على الصراع حول مواقع النفوذ السياسي والمالي، وتوالي الفضائح لدى عدد كبير من أعضاءها وداخل هيئاتها، تساهم في فقدان الثقة وتؤكد على ما سبق وأن نبه إليه الحزب من خطورة هذا التجمع التحكمي القائم على منطق غريب عن الممارسة السياسية النبيلة، والذي يكرس الهيمنة والسلطوية والهرولة نحو المواقع الحكومية والجماعات الترابية لتحقيق المآرب الشخصية غير المشروعة وتغييب المصلحة العامة ومصالح وهموم المواطنين والمواطنات.
إن تصحيح هذا الوضع يقتضي باستعجال بث نفس سياسي وديمقراطي وتنموي جديد يعيد الثقة في المؤسسات وفي العملية السياسية وفي جدوى الانخراط في العمل السياسي والحزبي والمدني وينعش الشعور بالانتماء للوطن والأمل في المستقبل، وهو ما يقتضي إعادة الاعتبار للأحزاب السياسية الحقيقية واحترام الإرادة الشعبية الحرة بما يعيد الثقة في المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا، كما يقتضي تكريس تقيد الجميع بالتنزيل الكامل والفعلي لكل المقتضيات الدستورية والعمل على تطبيقها وفق روح وحماس وأجواء لحظة صياغة الوثيقة الدستورية، مع العمل الجاد على إيجاد الحلول والآليات والبرامج والمشاريع الكفيلة بالاستجابة لانتظارات المواطنين والمواطنات والشباب منهم خاصة، واعتماد الشفافية وتكريس المساواة في الولوج إلى الفرص الوظيفية والاستثمارية والمقاولاتية، والقطع مع الريع والفساد والرشوة وغياب المنافسة واحتكار بعض الشركات الكبرى لعدة مجالات وتركيز الثروة وتسليع الخدمات والمرافق والخدمات العمومية وتفشي الزبونية والمحسوبية والحزبية، وهو ما سبق ونبهت إليه العديد من التقارير الوطنية والدولية، والتي كان آخرها التقرير حول المغرب الذي أصدرته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
مسؤولية الحكومة:
تؤكد الأمانة العامة أنه في ظل هذا الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الصعب لا يمكن للحكومة أن تستمر في الاشتغال بمنطق التهاون والاستخفاف بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها والاستمرار في تمجيد الذات، وتجاهل الواقع المعيش للمواطنين والمواطنات، وضرورة قيامها بكامل أدوارها في التواصل وايجاد الحلول للأزمات المتتالية التي تعرفها مختلف القطاعات والمجالات، كما يجب أن يتوقف بعض وزراءها عن إذكاء عناصر تأجيج وتأزيم الوضع لدى بعض الفئات مما يؤثر على الرأي العام وعلى السير العام والعادي للمرافق العمومية والخدمة العمومية.
كما تؤكد أن الإصلاحات الكبرى والهيكلية التي عرفتها بلادنا خلال العشرية السابقة لهذه الحكومة، وفي مقدمتها إصلاح المالية العمومية وتوفير مساحات وهوامش مالية معتبرة، وأن الأوراش الكبرى ذات الأثر التنموي التي انخرطت فيها بلادنا منذ عقود يجب أن تعتبرها الحكومة فرصة إيجابية تستلزم استثمارها بمسؤولية لصالح الوطن والمواطنين وتنتج آثارها على مستوى تنزيل حقيقي وعادل ودون إقصاء لبرامج تعميم الحماية الاجتماعية وتحقيق العدالة المجالية وإنعاش الاقتصاد والاستثمار وفرص الشغل، لا أن تحولها إلى مدخل لمراكمة المزيد من الثروات لدى فئات محدودة وفي مقدمتها رئيس الحكومة ومن على شاكلته ويدور في فلكه في تضارب مفضوح للمصالح، على حساب القدرة الشرائية والمعيشية للمواطنين وعلى الفرص التي ترنو إليها المقاولات والشركات الوطنية ولاسيما الصغرى جدا والصغرى والمتوسطة منها.
كما تنبه الحكومة إلى ضرورة الإسراع في معالجة الإشكالات المتعلقة بتنزيل برنامج إعادة البناء والتأهيل للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، وتدارك البطء الكبير الذي يعرفه هذا البرنامج والذي يلخصه تمكن قرابة 1.000 أسرة فقط من إنهاء أشغال إعادة بناء وتأهيل منازلها، من أصل أزيد من 50.000 منزلا معنيا، وهو ما من شأنه أن يولد حالة إحباط جديدة لدى الفئات المتضررة، ويذكي مسار انهيار الثقة في مؤسسات الدولة وفي قدرتها على الوفاء بعهودها والتزاماتها، لاسيما في ظل الإعلان رسميا عن هذا البرنامج وإحداث وكالة تنميه الأطلس الكبير في وقت قياسي لتنزيله، وفتح الحساب الخاص للتضامن المخصص لتدبير الآثار المترتبة عن الزلزال للمساهمة في تمويل هذا البرنامج.
تدعو الحكومة وبالخصوص رئيس الحكومة (وزير الفلاحة والصيد البحري سابقا) إلى الخروج عن صمته والتفاعل والتواصل بسرعة وفي الحين وعدم استصغار الآثار السلبية الناتجة عن غياب التوضيح في الوقت المناسب بخصوص ما يثار حول العديد من الاستراتيجيات العمومية والأموال العمومية الكبيرة التي خصصت لها بمئات ملايير الدراهم وضعف فعاليتها وإنتاجيتها وغياب أثرها الملموس على تحسين ظروف ومستوى عيش المواطنين في هذه المناطق، من مثل ما أثير مؤخرا حول الوكالة الوطنية للتنمية مناطق الواحات والأركان…
تطورات حرب الإبادة في غزة والضفة الغربية ولبنان
تجدد الأمانة العامة تحيتها العالية للصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية الباسلة وللشعب الفلسطيني البطل بكل من قطاع غزة والضفة الغربية وعموم أرض فلسطين المحتلة في وجه آلة العدوان الصهيوني النازي والتي تقترف جرائمها، بدعم مباشر من معظم القوى الغربية وعلى ورأسها الولايات المتحدة الأمريكية، في ضرب سافر لكل الأخلاق والحقوق الإنسانية والقوانين والمواثيق والقرارات الدولية، والتي كان آخرها تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة على قرار يطالب بأن ينهي الكيان الصهيوني “وجوده غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة” خلال 12 شهرا، بناء على فتوى طلبتها الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية لسياسات “إسرائيل” وممارستها الاستيطانية في فلسطين.
تجدد إدانتها بأشد العبارات لما يقوم به الكيان الصهيوني الغاصب من قتل وإبادة في حق الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وللممارسات الوحشية لجيش الاحتلال الصهيوني النازي والتي كان آخرها تمثيله الوحشي بجثث القتلى ورميهم بوحشية من فوق أسطح المنازل، واحتجازه لمئات الأطفال التلاميذ ببلدة قباطية، جنوب جنين بالضفة الغربية على مرأى ومسمع من العالم.
تندد بالعدوان الصهيوني على دولة لبنان الشقيقة والتي تجاوز خلاله الكيان الصهيوني الغاشم كل الحدود وكل قوانين الحرب من خلال ابتكاره لأساليب وحشية للترويع والقتل الجماعي عبر تفجيره لآليات التواصل -بطريقة مباشرة وفي نفس اللحظة- بالآلاف من حامليها من المدنيين اللبنانيين وغيرهم بغض النظر عن هويتهم، ومكان تواجدهم في الشوارع العمومية والأسواق والمنازل، وهو ما ينذر بإدخال المنطقة برمتها في حالة حرب شاملة غير محسوبة العواقب، وهو ما يستلزم تحمل المجتمع الدولي عامة والأنظمة العربية والاسلامية خاصة كامل مسؤوليتها التاريخية في التصدي لهذا الكيان المجرم ونصرة إخوانهم في فلسطين وفي لبنان.
بخصوص الانتخابات الجزئية:
تؤكد الأمانة العامة أنه مع توالي الانتخابات الجزئية التي عرفتها بلادنا منذ انتخابات 08 شتنبر 2021، والتي أعيدت جلها بسبب جرائم الفساد، والتي كان آخرها محطة الرباط المحيط، تبين بالملموس انسحاب وعدم اهتمام المواطنين والمواطنات بالعملية الانتخابية وتسجيل نسب عزوف كبيرة، وأصبحت هذه العملية تحسم عبر لجوء بعض kالأحزاب السياسية إلى ما أسموه “الحملة الصامتة” من خلال توزيع الأموال بشكل علني ومفضوح في ظل حياد سلبي للسلطات المختصة بالسهر على نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، وهو الوضع الذي يتطلب إعادة النظر في المنظومة الانتخابية والحزبية ووضع حد للتساهل مع هذه الظواهر الخطيرة والمؤدية إلى مؤسسات منتخبة وحكومة وجماعات ترابية فاقدة للشرعية السياسية اللازمة وللسند الشعبي والعاجزة على مواجهة مختلف التحديات السياسية الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.
على المستوى الحزبي:
تهنئ الأمانة العامة شباب وشابات العدالة والتنمية على النجاح الكبير الذي حققه الملتقى الوطني الثامن عشر لشبيبة العدالة والتنمية وعلى نضاليتهم ومثابرتهم وتقديمهم لنموذج راق ومشرف لشبيبة حزبية مهتمة بقضايا وطنها وأمتها، وبالعمل بجد على تأطير وتكوين شبابها بالعلم النافع وبالأنشطة السياسية والثقافية والاجتماعية الهادفة، هذا النجاح الذي كان ثمرة مجهود وعزيمة كبيرة لأبناء وبنات الشبيبة رغم كل المحاولات اليائسة للتأثير على تنظيم هذه الملتقى، وتدعو عموم المناضلين والمناضلات إلى ضرورة مواصلة التعبئة من أجل القيام بكافة الأدوار النضالية والاستمرار في تأطير المواطنين والمواطنات والتواصل معهم لمحاربة عوامل اليأس والتثبيط والعزوف، وإشاعة الأمل في قدرة الوطن على تجاوز مختلف اللحظات الصعبة بانخراط كافة أبنائه وبناته.