الخيارات المحدودة أمام النظام الجزائري مع إغلاق ملف الصحراء المغربية
جاء إعلان الإكوادور سحب اعترافها بجمهورية البوليساريو الوهمية ليشكل ضربة موجعة للنظام الجزائري، الذي يدرك أن هذا الحدث لن يمر دون تداعيات تؤثر على دعمه للكيان الانفصالي.
وإذا كانت هذه الخطوة تمثل انتصارا دبلوماسيا للمغرب،فإنها بمثابة جرس إنذار ينبئ بانهيار مزيد من الدول التي لا تزال تعترف بهذا الكيان الوهمي،خاصة مع تقلص عددها إلى نحو عشرين دولة فقط.
ولعل ما يضاعف من حجم الصدمة بالنسبة للجزائر، هو أن الإكوادور كانت من أكثر الدول المناهضة للوحدة الترابية المغربية في أمريكا اللاتينية إلى جانب فنزويلا. ومع سحبها للاعتراف، يتوقع أن تتوالى الانسحابات من دول أخرى في القارة،مما قد يضع الجزائر في موقف أكثر عزلة في دعمها للبوليساريو.
في أمريكا اللاتينية، لم يبق للنظام الجزائري من داعمين نشطين سوى فنزويلا تحت حكم نيكولاس مادورو، فيما تحافظ دول أخرى مثل المكسيك وكوبا على علاقات باردة مع البوليساريو. أما حكومات دول مثل بيرو وكولومبيا وبوليفيا فتغيرت مواقفها حسب أيديولوجية الرئيس المنتخب،ما يجعلها غير ثابتة في دعمها للقضية الانفصالية. ومن المتوقع أن تنضم دول أخرى مثل بليز وترينيداد وتوباغو قريبا إلى قائمة الدول التي سحبت اعترافها، مما يزيد من عزلة البوليساريو.
وفي قارة آسيا، الوضع ليس أفضل حالا بالنسبة للجزائر، حيث تقتصر الدول التي تدعم البوليساريو رسميا على كوريا الشمالية، سوريا، لاوس، وتيمور الشرقية. أما إيران، فبينما لا تعترف رسميا بالبوليساريو، تمارس ضغوطا على المغرب عبر تحالفاتها مع الجزائر في مواقف إقليمية.
الدعم الأفريقي: آخر معاقل الجزائر
تدرك الجزائر أن أفريقيا تمثل آخر معاقلها الرئيسية في الدفاع عن جبهة البوليساريو. من بين 16 دولة أفريقية تعترف رسميا بالجمهورية الوهمية، تعتمد الجزائر على دعم عدد محدود من الدول مثل جنوب أفريقيا، ناميبيا، موزمبيق، وزيمبابوي، إضافة إلى أنغولا وأوغندا. لكن الدعم الأفريقي للبوليساريو بدأ بالتلاشي مع تزايد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب.
تطورات في الأمم المتحدة
على مستوى الأمم المتحدة، لا يزال ملف الصحراء يتجه نحو تسوية لصالح المغرب، خاصة مع تهميش خيار “الاستفتاء” الذي كانت الجزائر تدافع عنه بشدة. مجلس الأمن الدولي لم يتناول هذا الخيار منذ سنوات، مما يؤكد أن المنتظم الدولي يعتبره غير واقعي، لا سيما بعد تعمد الجزائر تعطيله من خلال التلاعب بعملية تحديد الهوية عبر قيادات البوليساريو.
باتت الجزائر،التي كانت تفاخر بعضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، تجد نفسها الآن مجبرة على الدخول في حوار مباشر مع المغرب للبحث عن حل سياسي، أو مواجهة عزلة دولية قد تكلفها كثيرا . فمجلس الأمن نفسه بات يضيق ذرعا بموقف الجزائر التي ترفض المشاركة في المباحثات السياسية، وهو ما قد يؤدي إلى فرض حل سياسي تحت السيادة المغربية دون موافقتها، كما كان من ضمن الخيارات الأربعة التي طرحها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفي عنان.
السيناريوهات المحتملة: خيارات محدودة للنظام الجزائري
اليوم،ومع اقتراب إغلاق الملف دوليا ، يتعين على النظام الجزائري اتخاذ قرارات مصيرية. أمامه خياران رئيسيان:
1. الاعتراف بالواقع: التخلي عن دعم البوليساريو والجلوس على طاولة المفاوضات مع المغرب لحل القضايا العالقة.
2. التصعيد العسكري: الدخول في مواجهة عسكرية، وهي مغامرة خاسرة قد تقود إلى انهيار النظام العسكري نفسه، خاصة مع إدراك الجنرالات لعدم قدرتهم على تحقيق نصر في مواجهة المغرب.
مع ذلك، هناك سيناريو ثالث يلوح في الأفق، وهو إمكانية اندلاع احتجاجات داخلية في الجزائر، ترفض استمرار إنفاق المليارات من الأموال العامة على قضية خاسرة. فقد بدأ الشعب الجزائري يدرك أن استمرار النظام في تمويل البوليساريو لا يجلب سوى عزلة دولية، ويفاقم من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية داخل الجزائر.
مع الاعترافات الدولية المتزايدة بسيادة المغرب على الصحراء، بدءا من الولايات المتحدة مرورا بإسبانيا وألمانيا، وانتهاء بفرنسا، يبدو أن غلق ملف البوليساريو أصبح أمرا حتميا.
إغلاق هذا الملف سيضع النظام الجزائري في مواجهة مباشرة مع الشعب الجزائري، وسيكون عليه تقديم تبريرات للموارد التي أهدرت على هذا المشروع الفاشل. الأيام المقبلة ستكشف الخيارات التي سيختارها الجنرالات، لكن من المؤكد أن أي مسار سيتخذ لن يكون سهلا أو خاليا من العواقب.