أخبارالرئيسيةفي الصميم

اليسار المغربي: أملٌ خافت أم مشروعُ نضال ينتظر النهوض؟

في لحظات التحولات الكبرى، حيث تبدو القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، يتساءل الكثير من المغاربة عن مصير اليسار ودوره في المجتمع. اليسار الذي لطالما شكّل صوت الفئات المستضعفة وطالب بالعدالة الاجتماعية وبالكرامة، بات اليوم في نظر البعض كأنه تائه، عاجز عن مواكبة تطلعات الشعب وعن التصدي للتحديات الراهنة. فأين ذهبت الروح النضالية التي كانت تميز اليسار؟ وهل خفتت شعلة الأمل، أم أن اليسار المغربي ينتظر فرصة ليعود، أكثر قوة ووضوحاً؟

ماضٍ ملهم، وحاضر مُتعب

بقلم/زهير أصدور
محامي بهيئة الرباط

لقد كانت لليسار المغربي بصمة واضحة في مسيرة النضال الوطني والاجتماعي، حيث ساهم في تحرير البلاد من الاستعمار، وفي بناء وعي جمعي يؤمن بالعدالة والمساواة والحرية. كانت شوارع المغرب تشهد مسيرات ترفع شعارات اليسار، وتحمل قضايا العمال والفلاحين والشباب على الأكتاف، مطالبين بحقوق كانت في يوم من الأيام شبه مستحيلة. كانت هذه الحقبة تشكّل عنواناً للالتزام والمقاومة، مع رموز وشخصيات استثنائية أفرزتها هذه الحركة، عملت بصدق من أجل ترسيخ مبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

غير أن اليسار اليوم، بعد عقود من هذا التاريخ الملهم، يعيش حالة من الانعزال السياسي والاجتماعي، حيث يجد صعوبة في التواصل مع قضايا الشباب الحالي وتطلعاتهم، كما يعاني من تراجع دوره ضمن الأحزاب السياسية التقليدية، وتشتت قاعدته الجماهيرية. لقد أصبحت هذه الحركة، التي كانت في يوم من الأيام تمثل حلماً، تعاني من خفوت صوتها، ومن تحديات تثير الشكوك حول قدرتها على مواجهة الواقع الحالي.

لماذا صمت اليسار؟

العديد من المغاربة يتساءلون عن سبب صمت اليسار، في وقتٍ تُطرح فيه قضايا اقتصادية واجتماعية مصيرية تمسّ الطبقات الأكثر هشاشة. البعض يرى أن هذا الصمت يعكس عجزاً تنظيمياً وانقساماً داخلياً، فيما يرى آخرون أن التيارات اليسارية لم تتأقلم مع التغيرات الجذرية في الواقع السياسي والاجتماعي. وقد تكون النقابات التابعة لليسار قد فقدت بعضاً من نفوذها وقوتها بسبب تشتت الجهود، أو بسبب انعدام الرؤية الواضحة.

ومع ذلك، يبقى السؤال: هل هذا الصمت هو اعتراف ضمني بفشل اليسار، أم أنه يعكس فترة تأمل وإعادة تقييم للمبادئ والاستراتيجيات؟ من المؤكد أن التاريخ يشهد على قوة اليسار عندما يتعلق الأمر بخلق التغيير الاجتماعي، ولكن هذا الصمت اليوم يعكس تحديات تعيق انطلاقة جديدة.

استعادة الأمل: هل ما زال ذلك ممكناً؟

رغم التحديات، فإن الأمل في عودة اليسار ليكون حاضراً وفاعلاً ليس مستحيلاً. ولكن هذه العودة تتطلب شروطاً عديدة، أولها توحيد صفوف اليساريين، وتجاوز الخلافات الداخلية، والعمل على تطوير رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار واقع المجتمع المغربي اليوم. كما أن اليسار بحاجة إلى التفاعل مع قضايا الشباب، واحتضان قضايا البيئة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية كأولوية. فالشباب المغربي يطمح إلى مستقبل أفضل، ولكنه يحتاج إلى قيادة مؤمنة بقضاياهم، وقادرة على تمثيلهم والدفاع عنهم.

علاوة على ذلك، ينبغي لليسار المغربي الانفتاح على آليات جديدة للتأثير الاجتماعي، كاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى قاعدة جماهيرية واسعة، والتركيز على مشاريع ملموسة في مجالات التعليم والصحة والعمل. فالناس اليوم يتطلعون إلى رؤية نتائج واقعية، وليس مجرد شعارات سياسية.

اليسار ليس مجرد تاريخ، بل هو مشروع حيّ

إن استعادة اليسار لوهجه التاريخي ممكنة إذا استطاع قادته استعادة روح التضحية والمبادرة، والعمل بتجديد ونضجٍ على حماية المكتسبات، والتصدي للهشاشة الاجتماعية التي تضرب بشدة في أوساط الفئات الشعبية. يجب أن يظل اليسار مشروعاً حياً، يتفاعل مع مشكلات الناس اليومية، ويناصر قضاياهم بلا هوادة.

قد يكون هذا الزمن زمن تحديات هائلة، وقد يشعر البعض أن شعلة اليسار خافتت، ولكنّ الحقيقة هي أن هذه الحركة قادرة على النهوض من جديد، شرط أن تجد في نفسها القدرة على التجديد والانفتاح والإخلاص لقيمها الجوهرية. فلا يُمكن أن تختفي الأصوات التي تنادي بالعدالة الاجتماعية والكرامة، وإن خبت، فهي دائماً قابلة للاستعادة، لأنها ببساطة تحمل قضية إنسانية تظل حية مهما تغيرت الظروف.

اليسار المغربي أمام مفترق طرق، وبين يديه فرصة لإحياء الأمل، ليبقى مشروعاً حياً وملهماً.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button