- عبد الرحيم شمسي
بمدينة كوبان في الهندوراس سنة 1840، قاما الرحالة (جون لويد ستيفنز1805-1852 John Lloyd Stephens) وفريديريك كاثروود Frederick Catherwood (1799-1854) بجولة في إحدى الغابات بنفس المدينة،ليتفاجئا بجود قطيع كبير من القردة في أعالي الأشجار مخلفين أصوات وحركات في أغصان الأشجار،رفعا رأسيهما إلى السماء ليجدا أهرامات ضخمة تكسوها النباتات ترتفع بين الأشجار.أصيبا بالهلع والدهشة لأنهما لأول مرة يشاهدا الاثار المعمارية لحضار( Maya) القديمة. كما أنهما تعثرا ببعض الحجارة التي كانت منتصبة ومنحوتة بإتقان.
تلك هي حضارة المايا (Maya) التي سبق لهما ان علما من خلال بعض التقارير عن أشياء غامضة في غابات أمريكا الوسطى، فاتفقا الاثنان على شد الرحال إلى المكان المعهود.
وعندما وصل( ستيفنز) و(كاثروود) لم يكونا يعرفان ما ينتظرهما، عبر ظهور الخيل عبرا النهر ليجدا نفسيهما وسط عدد كبير من الاهرامات والمدرجات، كما وجدا أمامهما عمودا حجريا منحوت عليه بشكل بارز رسم رجل وخطوطا (هيروغليفية) (نظام الكتابة للمايا) في غاية الإتقان، هذه البنى المعمارية كانت مختلفة تماما عن ما تم اكتشافه في منطقة الشرق ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.
الاهرامات المكتشفة كان لها تصميم خاص بنا مختلف تماما عن باقي الاهرامات الموجودة في مصر فصلت بينهما ساحات عامة وفناءات، كما تم العثور على سلسلة من الاعمدة الفردية مزخرفة وعليها الواح حجرية كانت تنصب أمام القبور لتعرف بأصحابها.
أيضا عثرا الرحالة( ستيفنز) (وكاثروود) على ساحة سميت بالساحة المركزية لأنها كانت تضم مجموعة من الاعمدة تحمل صورا للحكام، وفي نفس المكان عثرا أيضا على مجمع ملكي كبير يضم أهراما وقصور متداخلة شكلت النواة الرئيسية للمدينة،وكان أكثر الأهرامات ارتفاعا هو الذي يسمى الآن باسم( المعبد رقم 16) حيث يبلغ ارتفاعه اكثر من 30 مترا.
هذه الاثار المدهشة التي تم اكتشافها كانت مليئة بالطلاسم تختلف عن طلاسم الفراعنة، حيث لم يكن لدى السكان المحليين(الهنود ) أدنى فكرة عن مدينة كوبان المكتشفة.
استخدم (ستيفينز) البوصلة وشريط القياس ليحدد موقع المدينة القديمة من خلال تقسيم سطح الغابة على مربعات متفرقة كما عمل على دراسة كل مربع محاولا لأولةمرة في التاريخ تحديد موقع حضارة المايا (MAYA).
النقوش التي وجدت في الموقع الأثري كانت معقدة جدا حيث أرغمت (كاثيروود) على البقاء مدة طويلة لكي يعود رسم اللوحات المنقوشة، في حين ادرك زميله ان هذا الاكتشاف لايمكن ان يكون مصريا وليس من عمل المصريين القدامى لأن مدينة( كوبان) كانت مدينة غامضة وفريدة مختلفة تماما عن الأشكال التي وجدها علماء الاثار من قبل.
حاول ( ستيفيز) أن يقيم معرضا في نيويورك مما جعله يحاول ان ينقل بعض التحف والانقاض الى امريكا فقام بشراء الأنقاض من زعيم السكان المحليين بمبلغ 50 دولارا، لكن لسوء حظه ان النهر الذي كان يتواجد بالمنطقة لا يحتمل المراكب الكبيرة، لتكون فرصة أمام علماء الاثار الذين جاءوا من بعده ليجدوا الموقع لازال يزخر بآثار وكنوز ثمينة.
ثلاثة عشر يوم فقط هي التي قضاها (ستيفنز) في مدينة (كوبان) اماصديقه (كاثيروود ) فقد بقي لمدة طويلة منهمكا في دراسة الموقع ومنقبا عن آثار وكنوز حضارة المايا (MAYA).
اختار (كاثيروود) مهمة صعبة في التنقيب معرضا نفسه لهجمات البعوض والحشرات السامة ملطخا بالطين والوحل محاولا قراءة النقوش وتفسيرها .
وبعد مدة طويلة التقى العالمان في مدينة غواتيمالا (Guatemala) بعد قراءتهما تقارير تفيد بوجود مدينة أخرى توجد بجنوب المكسيك تسمى (بالينكي Palenque) قررا السفر إليها رغم صعوبة الرحلة فقد استعانوا بأربعون حمالا من السكان المحليين ليصلا إلى الموقع الذي وجدوه اصغر من مدينة( كوبان).
(بالينكيPalenque ) حكمها (باكال العظيم Kinich Janaabʼ Pakal) للفترة من سنة 615 إلى 683 ميلادية، عثرا فيها على نصب جنائزي خاص بالحاكم الذي تم دفنه أسفل هرم المعبد.
رغم صعوبة التضاريس والأمطار الغزيرة التي صادفت كل من (كاثروود) (وستيفينز) إلا انهما اقاما مخيما في مجمع قصر( باكال pakal) ،كانت جدران المبنى سميكة جدا عملا على تنظيف تلك الجدران لتكون واضحة لأنها كانت مزينة بنقوش متقنة، وقد بلغ طول المبنى حوالي 91 مترا، ولكي يتمكن الرجلان من عملهما الذي التزما به حاول ( ستيفينز) شراء أنقاض القصر بمبلغ 1500 دولار لكن تراجع عن ذلك، بعد اكتشافه أنه عليه ان يبرم صفقة الزواج من امرأة من السكان المحليين مما جعله يتراجع وفرا الرجلان في البحث عن موقع اخر لحضارة المايا (Maya) وهو موقع (اوشمال Uxmal) الذي لم يسمح له المرض الذي أصاب (كاثروود ) أن يمكثا فيه أكثر من يوم واحد.
وفي سنة 1840 عادا الباحثين الى نيوورك حيث كتب( ستيفنز) كتابه بعنوان (حوادث السفر في أمريكا الوسطىIncidents of Travel in Yucatan) الذي لخص كل تفاصيل رحلاتهما