خطاب الوحدة والسيادة
في خطابه بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، قدم صاحب الجلالة الملك محمد السادس رؤية سياسية واضحة ومتماسكة حول قضايا سيادية مصيرية تتعلق بوحدة المملكة المغربية، خصوصًا قضية الصحراء، وأيضًا بشأن العلاقات مع المغاربة المقيمين بالخارج.
الخطاب كان بمثابة تأكيد قوي على التزام المغرب بحماية سيادته الوطنية وتأكيد مغربية الصحراء، جنبًا إلى جنب مع إشراك المغاربة المقيمين في الخارج في المشروع التنموي الوطني.
بدأ الملك خطابه بالحديث عن الذكرى التاريخية للمسيرة الخضراء، التي شكلت نقطة تحوّل كبيرة في تاريخ المغرب، حيث استطاع الشعب المغربي في عام 1975 استرجاع أقاليمه الصحراوية بوسائل سلمية من خلال التحرك الجماهيري الواسع الذي تزامن مع تنامي الوعي الوطني بأهمية هذه الأقاليم بالنسبة للوحدة الترابية للبلاد.
الملك محمد السادس أكد أن المغرب قد نجح في ترسيخ هذا الحق في الصحراء على أساس شرعي وقانوني لا يقبل التنازع، وأشار إلى ثلاثة أبعاد رئيسية تبرز هذا الواقع:
– أولا، تعلق سكان الأقاليم الجنوبية بمغربيتهم.
– ثانيا، التنمية المستدامة التي شهدتها المنطقة منذ استرجاعها.
– ثالثًا، الدعم الدولي المتزايد لمغربية الصحراء، خصوصًا من خلال المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
وفي هذا السياق، وجه الملك رسالة واضحة إلى الأطراف التي لا تزال تصر على أطروحات تجاوزها الزمن، مثل الدعوة لاستفتاء حول مصير الصحراء، على الرغم من أن الأمم المتحدة قد تخلت عن هذا الخيار في وقت سابق.
كما أشار إلى أولئك الذين يستغلون قضية الصحراء لتحقيق أهداف سياسية ضيقة أو لتغطية مشاكلهم الداخلية.
كما شدد صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه على أن المغرب لن يتنازل عن سيادته على صحرائه، مؤكدًا في الوقت ذاته أن هذا الموقف لا يتعارض مع الانفتاح على حلول سياسية سلمية قائمة على الحوار والتعاون مع كافة الأطراف المعنية.
اما على المستوى الداخلي، ركز الملك على تطوير علاقات المغرب مع مغاربة العالم، وهي قضية تشكل أحد أولوياته في هذا الخطاب. حيث أعلن عن إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بشؤون الجالية المغربية في الخارج بهدف تحسين التنسيق وتسهيل التعامل مع القضايا التي تهم المغاربة المقيمين في مختلف أنحاء العالم.
وقد تم الإعلان عن إحداث هيئتين رئيسيتين: الأولى هي “مجلس الجالية المغربية بالخارج”، وهو مؤسسة دستورية تهدف إلى أن تكون بمثابة مرجعية للتفكير وتقديم الاقتراحات حول قضايا الجالية، والثانية هي “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، وهي الهيئة التي ستتولى تنفيذ السياسات العامة المتعلقة بالمغاربة في الخارج وتنسيق الجهود من أجل تعزيز انخراطهم في التنمية الوطنية.
تأتي هذه الخطوات في إطار التوجه نحو تعزيز دور المغاربة المقيمين بالخارج في المشروع التنموي الوطني، بما في ذلك تحفيز استثماراتهم والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني.
من خلال هذه المبادرة، يسعى المغرب إلى استغلال الخبرات والكفاءات التي يمتلكها المغاربة في الخارج، وتعزيز الروابط الثقافية والدينية بين الأجيال المختلفة من الجالية المغربية في الخارج وبين الوطن الأم.
كما خصص الملك جزءًا من خطابه للتأكيد على استمرارية الجهود التنموية في الأقاليم الجنوبية، مشيرًا إلى ضرورة أن تشمل ثمار هذه التنمية جميع المناطق المغربية من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب.
وتظهر هذه الرسالة التزام الدولة بالمضي قدماً في استراتيجية شاملة تحقق التوازن التنموي بين مختلف المناطق وتضمن استفادة كل المواطنين من مزايا النمو الاقتصادي والاجتماعي.
وختاما يمكن القول ان خطاب الملك محمد السادس بمثابة دعوة للمغاربة للوقوف صفًا واحدًا في مواجهة التحديات التي قد تعترض مسيرة المغرب نحو مزيد من التقدم والاستقرار.
كما كانت فيه إشادة بتضحيات الأجيال السابقة التي ساهمت في تعزيز مغربية الصحراء، وهو ما يشكل حافزًا للأجيال الحالية والمقبلة للحفاظ على المكتسبات الوطنية والعمل على تعزيزها.
بذلك، يمكن القول إن خطاب الملك محمد السادس يعكس رؤية استراتيجية متكاملة لا تقتصر على الحفاظ على السيادة الوطنية فقط، بل تشمل أيضًا تعزيز دور المغاربة في الخارج ودفع عجلة التنمية في جميع أنحاء المملكة، مستمدًا في ذلك من الدروس المستفادة من تاريخ المسيرة الخضراء.