شدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبدالله، اليوم السبت 09 نونبر 2024، خلال افتتاحه لندوة الجامعة السنوية حول موضوع “السياسة أولا.. لإنجاح المشروع الديموقراطي التنموي”، بالرباط -شدد- على أن البلاد تعيش أزمة في العمل السياسي، من مؤشراتها، تراجع منسوب الثقة في السياسة؛ وكون المؤسسات السياسية لم تعد تضطلع بأدوارها كاملة؛ ووضعية الفراغ الذي لن يُملأ سوى بتعبيراتٍ عفوية. أزمة من مظاهرها، أيضاً، المس بحرية الإعلام والتعبير؛ والتدخل في القرار الحزبي، واستعمال المال في الفضاء الانتخابي والسياسي.
وأبرز الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله، أنَّ الحزب حريص على البلورة السليمة لمضامين الدستور، وعلى اعتماد منطق الإقرار بالمكتسبات وترصيدها، والتي إنْ لم يحصل فيها تقدُّم فسيكون مصيرها التآكل.
وأشار نبيل بنعبد الله إلى أن المسؤولياتٍ مشتركة بين الأحزاب، والدولة، والمواطن. ولمواجهة هذا الواقع، اقترح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن تضع الأحزابُ الوطنية الديموقراطية أهدافاً مشتركة، لتجاوز الوضع الحالي، من خلال التفعيل السليم للدستور، والسير التدريجي والمستنير نحو نظام ملكية برلمانية، طبقا لما ينص عليه الدستور، وحكومة وبرلمان بصلاحيات فــــعلية، ولامركزية حقيقية؛ ومجتمع مدني حيوي؛ وإعلام حر ومستقل.
وعرفت الجلسة الافتتاحية، تقديم أرضية الجامعة، ووضعت أسئلتها المحورية، وركزت تحديداً على تراكمات ومكتسبات المسار الديموقراطي للحزب، أساساً بفضل التوافق التاريخي بين المؤسسة الملكية والقوى الوطنية الديموقراطية. هذه المكتسبات ترى الأرضية أنها تتنافى مع ممارسات اليوم المعاكِسة لذاك المنحى الإيجابي، بما يبرز الحاجة الى تغيير التوجهات والمقاربات.
وأبرزت أرضية النقاش التخوف من المُضمَر في عودة السياسة والطرق المحتملة لهذه العودة؛ حيث يمكن إفشال المسار من خلال إدراج الإجراءات والمساطر دون عمقٍ ديموقراطي.
وذهبت وجهة نظر إلى أن الطُروحات النظرية تؤكد جميعها علاقة ثابتة بين الديموقراطية والعائد التنموي. لكن تم التمييز بين نموذج المقاربة الليبرالية الذي يقوم على أن الطريق نحو تحقيق التنمية يمر عبر التعددية والحرية السياسية والديموقراطية التمثيلية؛ وما بين نموذج مقاربةٍ أخرى مغايرة تَعتبر أن الديموقراطية والتعددية ليستا شرطاً ضروريا للتنمية. لكن على نطاق واسع دوليا، وفي المغرب، وبعد شد وجذب، يتم اعتماد النموذج الأول، على الرغم من أن هناك تخوفات حقيقية من هيمنة مقاربة ثالثة تقوم على إمكانية تحقيق التنمية من دون حاجةٍ إلى الديموقراطية سوى باعتبارها فضاءً شكلانياًّ.
وأوضح المتدخلون أن أزمة السياسة والديموقراطية، فعلاً، عالمية، لكن يتعين أن نكون في المغرب ضمن الاستثناءات الإيجابية.
وأكدوا على أنه في ظل مؤشرات خطيرة، بالأرقام، لتراجع الثقة، فانعدام التقدم والتراكم في السياسة يعني التراجع، “إذ نحن اليوم نوجد أمام نفس مطالب الكتلة الديموقراطية”. فرغم المكتسبات ورغم تقدم النص الدستوري، لم يدخل المغرب بعدُ إلى “زمن الديموقراطية”، ولم يُنجز بعدُ مهمة “الانتقال الديموقراطي”.
ويظل جوهر الديموقراطية، لدى عدد من المتدخلين، متجسداً في ربط مسؤولية القرار بإمكانية خضوع كافة السياسات والقرارات للتقييم والنقد وللمساءلة. وفي هذا السياق طُرِحَ سؤال “ما الفائدة من الانتخابات إذا كان المنتخبون لا دور لهم؟ علماً أن الديموقراطية هي حُكم الشعب نفسَهُ بنفسه”.
كما توقفت آراء عند البناء الديموقراطي وما يعرفه من تعثرات في المسار، من تجلياته: سؤال التخليق؛ وسؤال الممارسة الفعلية للحكومة وللبرلمان لاختصاصاتهما. في حين أبرز تدخل أنه من أهم التغييرات في دستور 2011 إدراجُ بُعد إنتاج القرارات السياسات العمومي والقرار العمومي، أي ربط الجانب العملي والبراغماتي للسياسة بالبُعد القيمي والفكري والإيديولوجي للعملية الديموقراطية. وهو ما يطرح تحدياتٍ على الخطاب السياسي وعلى ممارسة السياسة.
مساهماتٌ أخرى توقفت عند أبرز أعطاب السياسة، اليوم، من قبيل: سيادة الرأي الوحيد في الإعلام؛ وضُعف توفر الرؤية وبالأحرى القدرة على الإقناع بها؛ وتراجع البُعد الفكري والنضالي لفائدة أصحاب المال وأصحاب المعرفة التقنوية. ومن المظاهر المثيرة للقلق، أيضاً، تراجع قيم المشاركة والتطوع، علاوةً على سيادة تمثلات مجتمعية بعدم الجدوى من السياسة بصيغة التعميم.
كما ذهبت آراء أخرى نحو تثمين التجربة المميَّزة لهيئة الإنصاف والمصالحة، حيث من المهم إحداث المصالحات اللازمة مع تاريخنا. والحقيقة، من زاوية النظر هذه، أننا لم نعد نعيش الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كما كان عليه الحال سابقاً.
وعبرت وجهاتُ نظر في هذه الجامعة على أن الطريق نحو الديموقراطية ليس طريقاً مستقيماً ومعبداً، بل يتخلله مد وجزر، كتعبيرٍ عن الصراع الاجتماعي الطبقي.
وأكدت هذا الرأيُ على أنه عندما يحدث الالتقاء والتوافق بين إرادة المؤسسة الملكية وبين إرادة القوى الوطنية الديموقراطية، يكون هناك تقدم في مسار البناء الديموقراطي. ويحدث التقدم أيضاً حينما تكون هناك تحالفاتٌ قوية لمكونات الحركة الوطنية الديموقراطية، طالما أن التغيير يخضع للتوافقات ولميزان القوى كذلك.
في حين تساءلت وجهاتُ نظر أخرى “إذا كنا في استمرارٍ للحظة الوطنية، فهل لدينا كقوى سياسية تحليل موحَّد للتحولات؟”. وبرزت آراءٌ من قبيل: ضرورة التفكير الجماعي لفهم طبيعة التناقضات والتحالفات والتوافقات؛ وكون تطور المغرب سار بديناميتيْن: دينامية الأزمة ودينامية التراكم، حيثُ دُبرت لحظاتُهُ الأساسية بالتوافقات الكبرى.
وركزت آراءٌ على كون السياسة هي المدخل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. لكن من الأسئلة الجوهرية في علاقة التنمية بالديموقراطية وبالسلطة، هو سؤال الثروة وتوزيعها. أما في تقييم تجارب مثل التناوب التوافقي ومحطات سنة2011، فيتبين، لدى رأي معبر عنه، أن الأمر أكبر مِن مجرد فشل حكومي.
وذهبت وجهاتُ نظر إلى أنه لا يستقيم تبرير فشل الانتقال الديموقراطي بمنطق المد والجزر، في مقابل بعض التدخلات التي أكدت هذا المنطق وركزت على دينامية المجتمع وحركة التاريخ لإحداث التغيير.
أيضاً، تم التساؤل من طرف رأيٍ، حول ماذا حدث للأحزاب التقدمية؟ ليجيب بتراجع النضال الجماهيري؛ على حساب الانخراط في اللعبة الديموقراطية، وفي منطق المشاركة والمقاعد، مع بروز تقدير سياسي بتقديم تنازلات متبادلة لم تكن مجدية، في إطار التوافق، بما أدى إلى تردي المؤسسات المنتخبة، وضياع بوصلة الكتلة وأحزاب اليسار. في حين اعتبرت آراء أخرى أن ظاهرة الأعيان في الفضاء السياسي والانتخابي هي مسألة طبيعية ولها جذر تاريخي.
ودعا المتدخلون إلى أنه يتعين طرح السؤال، بشجاعة، حول مكمن الخلل، هل هو في آليات الديموقراطية؟ أم في النخب وفي الفاعل الحزبي وممارساته؟ وما مدى تناغُم الايديولوجيا والقيم المعلنة مع السلوك السياسي في الواقع؟
كذلك، ركزت مشاركةٌ على أهمية القيم في الممارسة السياسية: كالحق؛ والعدل؛ والحريات، وخاصة حرية التعبير، لكن أحلام 2011 تبخرت فيما بعد على مستوى القيم. ويجب أن يظل الأهم بالنسبة للسياسية هو الإنسان.
وأكد تدخلاتٌ على أنه ليس هناك عزوف للشباب، بل إنهم يرفضون السلوك السياسي السائد؛ ولا يتعين دائماً قياس الاهتمام بالشأن العام بمعيار المشاركة الانتخابية، حيث أن المشاركة موجودة اليوم بزخم أقوى، لكن بصيغ جديدة بعيدة عن أدوات التأطير التقليدي. ويتعين طرح السؤال: هل تراجعت ممارسة السياسة أم تطورت أساليب ممارسة السياسة؟ وهل للأعطاب الذاتية للأحزاب مسؤولية في هذا الوضع؟ وفي هذا السياق، رأت بعض الآراء أن هناك اتفاقاً بين عدد من المكونات السياسية حول الخطاب ومطلب الديموقراطية، لكن الاختلاف الحقيقي يكمن في الممارسة.
واختتمت الجامعة على إيقاع الأمل، وإنْ تأرجَح استشرافُ الآفاق بين التفاؤل وما بين صعوبة التحلي به في ظل الحجم الكبير للتراجعات.
ودعا المشاركون إلى أنه آن الأوان للعودة إلى السياسة كحجر الزاوية في المشروع الوطني الديموقراطي، مع إسناد دور الطبقة الوسطى في تنشيط الديموقراطية.
في حين ركز المشاركون على أنه من أهم مقتضيات الديموقراطية: المنافسة الاقتصادية النزيهة والمشروعة، والتي تشوبها اليوم اختلالات كبيرة.
بينما أكدت آراءٌ على أنه يتعين أن تكون، في مقابل سلطة التعيين، السيادةُ الشعبية مصدر الشرعية، وهو أهم ما جاء به دستور 2011، لكن هذا المبدأ لم يكن الدفاعُ عنه أولويةً لدى القوى الديموقراطية منذ 2011.
وتوجهت آراءُ ووجهات نظرٍ أخرى إلى وجوب اعتبار الهاجس الوحيد لتدبير الشأن العمومي هو تحقيق العيش الكريم للإنسان، مع ضرورة مأسسة الحوار العمومي، ولُزوم احترام الدولة للاحتجاج لأنه تعبير عن الضمير الجمعي بوظيفة التنبيه.
أما بالنسبة للوسائط المجتمعية، وأساساً الأحزاب، فاعتبرها الجميعُ هي حجر الزاوية في بناء الديموقراطية، لكن هناك حاجة مجتمعية إلى أحزاب ديموقراطية قوية، تحمل مشروعاً مجتمعياًّ، قادرة على تحديث خطابها وأدواتها، وعلى التخلي عن تمثلاها وأصولياتها السياسية لصالح إنتاج أفكار جديدة وفق التحولات المجتمعية، أحزاب تُحترَمُ استقلالية قرارها، وتغلِّبُ منطق الوحدة على التشتت، وتلتفُّ حول القضايا المشتركة الأساسية، ومنها الدفاع عن مكانة السياسة، أحزاب تنأى بنفسها عن تبرير بعض السلوكات السلبية للدولة لا سيما في مجال الحريات وحقوق الإنسان.
وخلصت بعضُ وجهات النظر إلى أن خلق اتجاهٍ إيجابي في الفضاء السياسي الوطني يظل رهيناً بِلَمِّ شمل اليسار والقوى الوطنية والديموقراطية، وبالقدرة على تجميع المبادرات.
كما انتهت آراءٌ معبر عنها إلى أن المطلوب هو تقوية العمل مشترك، وتوفير شروط التعايش الديموقراطي بين مختلف المشارب الفكرية والسياسية، وتخليق الحياة السياسية والحزبية والانتخابية، والدفع في اتجاه تغيير موازين القوى، بينما ذهب رأيٌ إلى المطالبة بتعديلات دستورية.
وأكد تدخلات على أنه يتعين تقوية دور الدولة، لكن بالقانون والديموقراطية. كما يتعين تكريس حيادية المؤسسة الملكية إزاء الفاعلين السياسيين، والمنع المطلق لاستعمال الدين في السياسة، ومكافحة تضارب المصالح في الحقل السياسي المؤسساتي، وتجريم توظيف المال في الفضاء السياسي حتى يظل هذا الأخير مجالاً خالصاً تنافس البرامج.