تعليق الإضراب..خطوة نحو الحوار أم تراجع عن موقف المحامين؟
الحدث الافريقي- زهير أصدور**
في خطوة لافتة، قررت جمعية هيئات المحامين بالمغرب تعليق الإضراب الشامل الذي بدأته منذ فاتح نونبر، وذلك بعد اجتماع جمع مكتب الجمعية مع ممثلي وزارة العدل يوم 11 نونبر الجاري، حيث تم الاتفاق على تأسيس لجان موضوعاتية ومأسسة الحوار بين الطرفين بجدول زمني محدد، لمعالجة مجموعة من الملفات العالقة، أبرزها تعديل قانون مهنة المحاماة، والتعاضدية العامة، والمساعدة القضائية، والرقمنة وملف الضرائب.
هذا القرار، الذي سيعيد المحامين إلى مزاولة مهامهم ابتداءً من يوم الثلاثاء 12نونبر، أثار ردود فعل متباينة داخل الأوساط المهنية، حيث اعتبره البعض خطوة إيجابية نحو تحقيق تفاهمات قد تكون مرضية للطرفين، فيما رأى آخرون أنه قرار سابق لأوانه، خاصة في ظل عدم وضوح التعهدات الفعلية من الوزارة تجاه المطالب المهنية.
خطوة نحو الحوار:
جاء هذا القرار في وقت يبدو أن هناك تقديرًا من جانب الجمعية لأهمية فتح قنوات التواصل مع وزارة العدل كبديل عن الإضراب، وهو ما يعكس رغبة المكتب التنفيذي في منح الوزارة فرصة لترجمة الوعود إلى واقع ملموس. ويعتبر البعض أن هذا القرار يعبّر عن اتجاه الجمعية نحو التهدئة، ما يمكن أن يُحدث انفراجًا في أزمة طال أمدها وتسبب في توقف العديد من الملفات القانونية والقضائية التي تتعلق بمصالح المواطنين.
خلال الاجتماع، تم توقيع محضر مفصل لما تم الاتفاق عليه، وهو ما اعتبرته الجمعية مؤشرًا على جدية الوزارة واستعدادها للاستجابة لمطالب المحامين، الذين طالبوا بضرورة تحسين ظروف العمل وضمان استقلالية المهنة وحمايتها من أي تدخل قد يضر بمصالحها. كما أن تأسيس اللجان الموضوعاتية بجدول زمني محدد يعكس التزامًا أوليًا من الوزارة ببدء العمل على هذه الملفات العالقة.
التراجع عن موقف المحامين؟
رغم ذلك، فإن قرار التعليق لم يُرضِ جميع المحامين، إذ يرى البعض أن الجمعية تسرّعت في تعليق الإضراب دون العودة إلى القواعد المهنية للتشاور معها. ويرى هؤلاء أن الاستمرار في الإضراب حتى تحقيق تقدم ملموس كان سيمثل ورقة ضغط فعالة، خصوصاً أن مطالب المحامين لا تزال عالقة منذ سنوات وتحتاج إلى ضمانات واضحة وليست مجرد وعود.
وقد رأى معارضو القرار أن الجمعية كان ينبغي عليها العودة إلى قواعد المحامين وعقد اجتماع موسع لإطلاعهم على آخر المستجدات، والحصول على تفويض واضح بشأن تعليق الإضراب من عدمه، لضمان تمثيل حقيقي للمحامين ككل في هذا القرار. فالمحامون الذين أظهروا التفافًا ودعمًا كبيرًا للجمعية خلال الإضراب قد يشعرون الآن بأن موقفهم التفاوضي قد ضعف بقرار التعليق دون استشارتهم.
ماذا بعد التعليق؟
تواجه جمعية هيئات المحامين الآن تحديًّا حقيقيًّا في المرحلة المقبلة، حيث ستكون مطالبة بمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماعات المرتقبة مع وزارة العدل، مع مراقبة جدية الوزارة في تحقيق المطالب. ويرى بعض المحامين أنه في حال لم تظهر الوزارة التزامًا واضحًا على أرض الواقع، فقد يكون هناك داعٍ لاستئناف الإضراب وفرض المزيد من الضغط.
في ظل هذه المعطيات، يُطرح السؤال حول ما إذا كان تعليق الإضراب سيحقق نتائج إيجابية فعلية، أم أن الأمر سيقتصر على تهدئة مؤقتة دون حلول جذرية. ويبقى المحامون في حالة ترقب لما ستسفر عنه الأيام القادمة، آملين أن يكون القرار قد اتخذ بوعي ومسؤولية، بما يخدم مصلحة المهنة ويحمي حقوق المحامين.
إنَّ قرار جمعية هيئات المحامين بتعليق الإضراب يمثل تحولًا في مسار الأزمة، غير أن نجاح هذه الخطوة يعتمد بالأساس على التزام وزارة العدل بتعهداتها. ومع استمرار حالة الترقب في صفوف المحامين، فإن هذا التعليق سيكون بمثابة اختبار لمدى جدية الوزارة في تحسين أوضاع المهنة، وقد تكون هناك عودة للمقاطعة في حال لم يتم تحقيق تقدم ملموس.
**محام بهيئة الرباط