أخبارثقافة و فنغير مصنفقصص و شخصيات

رائد العقلانية العربية في ذكرى رحيله

بقلم: عبدالله العبادي

ولد المفكر والفيلسوف محمد عابد الجابري في 27 دجنبر 1935 بمدينة فكيك بالمغرب الشرقي، تلقى تعليمه الأولى بالمنطقة ثم أكمل دراساته العليا بالرباط، تخصص في تشريح العقل العربي طيلة عقود من البحث والتمحيص والدراسة، يعتبر الجابري واحدا من أصحاب المشاريع النهضوية الكبرى في الوطن العربي. سلط من خلال بحوثه الضوء وبعمق تحليلي على مكونات هذا العقل وطرق اشتغاله، والعوائق التي سببت تخلفه وجعلته حبيس تبعيته للغرب والتقليد والتخلف.

في أبحاثه وتحليلاته ل “نقد العقل العربي” حلل المفكر طريقة تفكير العقل العربي وذلك بتفكيك بناه الثقافية واللغوية، نفس الشيء قام به حين تطرق لتحليل العقل السياسي الأخلاقي، وهو صاحب مصطلح “العقل المستقيل” الذي يعني به العقل الذي يبتعد عن النقاش في القضايا الحضارية الكبرى، وصل في نهاية تلك السلسلة إلى أن العقل العربي بحاجة، إلى عادة الابتكار، وإعادة النظر في المفاهيم التي تشكله.

أغنى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والكتب القيمة وحاز على العديد من الأوسمة ورفض أخرى، عرف بمواقفه النضالية الكبيرة حول قضايا الوطن والأمة، ناضل في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم غادر السياسة ليتفرغ للإنتاج العلمي والفكري.

عبدالله العبادي

أمثال الجابري قليلون اليوم في المشهد الفكري العربي، مناضلون حقيقيون من أمثاله نادرون اليوم، لقد رحل كما رحل آخرون، حسين مروة وطيب تيزني وجورج طرابيشي وأسماء عديدة، ماذا لو كان يعيش بيننا اليوم، وهو الحامل لهموم الوطن الكبير، وهو يراه اليوم في أسوأ حالاته، حروب وتهجير ومآسي لا تعد. هل كان سيجهش بالبكاء كما فعل طيب تيزني سنة 2015 كطفل يتيم تائه،أثناء حضوره لندوة فكرية بالمغرب حول المجتمع والسلطة والدين، وهو يتحسر على الشام والبلاد العربية، وبكاؤه معناه أن الألم والجرح كبير، بكى معه كل من يحمل هم هذه الأمة وكل من يحترق وهو يراها تصل لما هي عليه، أكيد فالوقت ليس وقت بكاء، بل وقت عزم وعمل.

كان مناضلا سياسيا بحق، ومثقفا عضويا حقيقيا، كان يعرف كيف يقتحم المجهول ويتوه في التنقيب في تراثنا وعقلنا العربي، أجاد مغامراته بالشكل الجيد، فاحترمه أهل المشرق والمغرب لمواقفه وأطروحاته النبيلة. لقد اجتهد الجابري في تعبيد الطريق نحو عقلانية عربية جديدة، تتيح لنا الوقوف من جديد.

فرغم كل الانتقادات التي تعرض لها، يبقى الجابري أحد رواد الفكر العربي، وإلى جانب النقد الذي تعرض له من قبل المؤسسة الدينية التقليدية، فإنه تعرض للنقد من قبل مفكرين يساريين، كان أشهرهم المفكر السوري جورج طرابيشي الذي أمضى نحو 25 عاما ينتج أعمالا نقدية لمشروع الجابري، فقد طالب الجابري باستبعاد العلمانية من القاموس العربي واستبداله بشعار الديمقراطية والعقلانية، مما جر عليه سيل من الانتقادات.

اثنا عشر سنة مرت على رحيلك، ما أحوجنا إليك اليوم لتشهد على واقع منحط فكريا وثقافيا واجتماعيا، حيث سادت التفاهة وسيطر أنصاف وأشباه المثقفين على الساحة الفكرية والسياسية، فبيع كل شيء، الأخلاق والقيم والمبادئ، ولم يبقى لنا إلا أن نترحم عليك وعلى تيزني ومروة وحنفي وآخرون، اختلفت أفكاركم لكنها أغنت الساحة الفكرية، واليوم الفكر العربي يتيم وفي حداد طويل، إلى أجل غير مسمى.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button