أخبارحوار

الصراف..عدم تبني خيار الحداثة يوسع من مساحة الخلل في المنظومة التعليمية

ترى دوللي الصراف، أستاذة علم الاجتماع بالجامعة اللبنانية، “على الرغم من أن السوسيولوجيا يمكن أن تلعب دوراً فعالاً في إنجاح العملية التنموية في الوطن العربي، وتحقيق شروط التقدم الحضاري المنشود، الّا انها بقيت مهمشة ولم تنل الاهتمام السياسي والاجتماعي الملائم.” وتضيف “تهتم الأبحاث السوسيولوجية على ظاهر الأشياء وشكلها دون الاهتمام بمضامينها وجوهرها حسب قول بيار بورديو: هو كشف ما خفي أي غير المعلن le non dit”. في هذا الحوار نلامس مع الأستاذة دوللي، مكامن الخلل في المنظومة التعليمية وواقع السوسيولوجيا بالبلدان العربية.

دوللي الصراف أستاذة علم الاجتماع بالجامعة اللبنانية
  1. بداية، قطاع التعليم عرف العديد من برامج الإصلاح، ولم تنجح بعد؟

تضع الدول المناهج التعليمية وفق فلسفة تستند على تحقيق التنمية وضمان تطور ورقي المجتمع، وتعدلّها عند الحاجة لتتناسب مع متطلبات الحياة الجديدة، ومواكبة التحولات الثقافية والاجتماعية للمجتمع، فالمدرسة هي الفضاء التربوي والتعليمي الذي يسهم في تلقي المتعلمين المعارف والقيم والمهارات وغيرها من المكتسبات، التي تخرّج نخبة وقيادات المجتمع. بالتالي إن برامج التعليم لا بد أن تنبع من حاجة مجتمعية وان تتناسب مع غاية عليا تتبناها الدولة لتحقيق مستقبل مخطط له عبر إعداد أجيال تحقق هذا المخطط، الّا ان الواقع في الدول العربية يقودنا الى مناهج تعليمية رثّة ورثناها من حقبة الاستعمار وأسقطت علينا كنسخ من تلك الموجودة في بلاد الغرب. وعلى الرغم من أن الدول العربية قامت باصلاح هذه المناهج بصورة جزئية  الا انها أتت هجينة ومشوهة لأن هذه الدول لم تتبن بالأساس مشروع الدولة الحديثة التي تخطط للمستقبل والتي تربط مناهج التعليم بسبل تحقيق هذه الغاية، وهذا ما يفسر الفشل العميق لهذه البرامج.

  • ما هي الأسباب وراء هذا الفشل مقارنة مع ماليزيا مثلا؟

النموذج الماليزي وغيره من دول الآسيوية ككوريا مثلاً وضعت مناهج تعليمية تؤمن غاية الدولة ورؤيتها التنموية كالتعليم المهني وغيرها من التخصصات التي تساهم في القطاعات الصناعية والتكنولوجية والمنتجة، وتمّ ذلك ضمن منظومة متكاملة من السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومنظومة قيمية تجعل غاية بناء الدولة الحديثة أولوية وطنية ومجتمعية.

  • ما هو واقع العلوم الإنسانية في الوطن العربي؟

إن العلوم الإنسانية هي إبداعية لأنها تقدم لنا آفاقاً جديدة في اكتشاف العلاقة الشائكة بين الانسان والانسان، والانسان ومحيطه الاجتماعي، و الأهم عندما يستخدم التنوغ في المقاربات والنظريات والتي تتشابك مع متطلبات معالجة الموضوع. بالنسبة لواقع العلوم الإنسانية في العالم العربي، يمكن القول أنها بقيت إشكالية بعد النزعة ما بعد الكولونيالية لأنها لم تراجع العديد من المفاهيم والمصطلحات التي انتجت في الغرب بفعل حركات اجتماعية وتغيرات وثورات.. الخ والتي نتعامل معها بكثير من الالتباس، ولذا ما زالت الدعوات قائمة للعلماء العرب كي ينتجوا أدواتهم بأنفسهم وأن يعملوها في واقعهم بكثير من الحذر.

من جهة أخرى تشهد العقود الماضية أزمة عميقة ترتبط بإنتاج الفراغ على المستوى الأكاديمي والبحثي والإنتاج العلمي بسبب تراجع دور الجامعات والمراكز البحثية ودور المثقفين، وتنتشر بالمقابل الانتاجات الغربية المترجمة التي تعيدنا على أهميتها الى دائرة الالتباس.

  • لماذا همشت السوسيولوجيا في الكثير من الأوقات؟

على الرغم من أن السوسيولوجيا يمكن أن تلعب دوراً فعالاً في إنجاح العملية التنموية في الوطن العربي، وتحقيق شروط التقدم الحضاري المنشود، الّا انها بقيت مهمشة ولم تنل الاهتمام السياسي والاجتماعي الملائم. وهناك عوائق كثيرة ومتداخلة حالت دون ذلك، منها ان السوسيولوجيا لم تستجب في الغالب للمشكلات الاجتماعية والتغيرات التي يفرزها وينتجها الواقع الاجتماعي العربي، إضافة الى عدم وضوح أهداف الممارسة السوسيولوجية. تهتم الأبحاث السوسيولوجية على ظاهر الأشياء وشكلها دون الاهتمام بمضامينها وجوهرها( حسب قول بيار بورديو: هو كشف ما خفي أي غير المعلن le non dit) ، حيث نجد التركيز على البحوث الكمية وليس على الكيفية وأدواتها، مما يفرغ نتائجها من المدلولات والمعاني السوسيولوجية.

كما أن الدولة التي لا تتبن خيار الحداثة و مسارها، لن تستند على الأبحاث السوسيولوجية ونتائجها وهذا جعل الدراسات تعلق على رفوف المكتبات دون ان يتم الاستفادة منها في برامج الإصلاح و التطوير والتقدم.

  • أهي مزعجة إلى هذا الحد؟

أعتقد انها ليست مزعجة في عالمنا العربي طالما لا تكشف ما هو مخفي ولا يعول عليها في بناء استراتيجيات وسياسات وغير ذلك.

  • أي دور يمكنها أن تلعبه اليوم في إعادة هيكلة العقل العربي؟

إعادة هيكلة العقل العربي تحتاج مسارات جديدة من التعليم والتثقيف والتهذيب، وبالتالي فإن دور السوسيولوجيا لا يتعدى المساهمة النظرية في وضع الخطط واستشراف المستقبل، الّا ان آليات التنفيذ ترتبط  بالمؤسسات التي تملك السلطة في تبني هذه المسارات و” فرضها” كخيار وحيد للسير في طريق الحداثة والتقدم.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button