غير مصنف

صاروخ “مجدل شمس”و سيناريوهات التصعيد الإقليمي بين ميليشيا حزب الله و إسرائيل 

نجح بنيامين نتنياهو في ربط مستقبله السياسي بالحرب الدائرة في الشرق الأوسط و الأدهى من هذا أن إستمراره في قيادة حكومة الحرب الإسرائيلية رهين بإستمرار هذه الحرب المجنونة و ذلك لن يتأتى له إلا بإشعال الجبهة الشمالية مع حزب الله بإنعكاساتها المدمرة و تداعياتها الخطيرة على ميكانيزمات السلام و الإستقرار في الشرق الأوسط .

سؤال يطرح نفسه بشده اليوم في المشهد الإقليمي : هل يتحمل حزب الله أياما من التصعيد الإسرائيلي قد يصل إلى بيروت و هل يمتلك حزب الله حكمة تجنبه حربا إقليمية واسعة قد تدخل المنطقة في دوامة حرب واسعة لن يؤدي ثمنها إلا المدنيون من الجانبين .

كل المؤشرات اليوم تؤكد على أن إشتعال الجبهة الشمالية أصبح مسألة أيام و الأحداث المتسارعة بعد القصف المجهول في قرية مجدل شمس تسير في إتجاه ضربة جوية إسرائيلية تستهدف البنية التحتية الإستراتيجية اللبنانية على شاكلة ” ضربة الحديدة الجوية ” مما  قد يؤجج إحتجاجات شعبية واسعة في البلاد التي تعيش في ظل أزمة تضخم خطيرة جدا قد تنتهي بنفس سيناريو 14 آذار 2005  عندما خرج الشعب اللبناني في مظاهرات و إحتجاجات مليونية في ساحات بيروت بعد إغتيال رفيق الحريري إنتهت بإستقلال البلد عن النفوذ السوري و إنسحاب القوات السورية من لبنان .

بقلم : البراق شادي عبد السلام 

 نتائج جولة روما التي جمعت وسطاء من الجانبين تحت إشراف  الديبلوماسي المحنك ويليام بيرنز رئيس المخابرات الأمريكية الذي يقود جهود إقامة السلام في المنطقة تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية في سنة إنتخابية صعبة بواشنطن قد تحدد تموقع أهداف صواريخ حزب الله و مقاتلات و قاذفات سلاح الجو الإسرائيلي في المعادلة الإقليمية المعقدة و الجميع اليوم يتفق على أن التصعيد في الجبهة الشمالية يعني عشرات الآلاف من القتلى و مئات ملايير الدولارات من الخسائر المادية من الجانبين ، الكابينيت الإسرائيلي يبحث عن أنجع طريقة لصياغة الرد الإسرائيلي على هجمات حزب الله منذ السابع من أكتوبر و حزب الله يدرس أمكانيات الردع الإقليمي من خلال بنك أهداف حددته مسيرات الهدهد التابعة لحزب الله الذي نشر مقاطع فيديو تتضمن أهدافا محتملة في عمق إسرائيل كمطار و ميناء حيفا و باقي المناطق التي تحتضن الصناعات العسكرية الدقيقة و الأنشطة الكيماوية في المدينة .

إدارة المسافات و فهم الطبيعة المادية لمسارح العمليات تعتبر إشكالية حقيقية بالنسبة للقادة الإستراتيجين في الحروب و اليوم  نحن أمام مشهد إقليمي تتداخل فيه المصالح و تترابط فيه الخسائر و به الكثير من الخيوط المتشابكة فالجميع في هذه الحرب المدمرة هو خاسر لا محالة و  لا وجود لطرف يستطيع تحقيق مكاسب إلا من خلال الدمار و أنهار من الدم و ملايين اللاجئين و المهجرين و مئات الملايير من الخسائر المادية ، حيث تصعب إعادة إعمار الخسائر في غياب إتفاق سلام مستدام بين مختلف الأطراف .

القائد الإسترتيجي يصنع الحرب بينما ينظر المحلل الإستراتيجي فيها و يدرس نتائجها و مدى تأثيراتها على التوازنات المجتمعية و التوافقات الفوق وطنية و اليوم في الشرق الأوسط و في ظل الوضع الجيوسياسي المأزوم حيث تتشابك المصالح من الصعب البحث عن قائد إستراتيجي قادر على صياغة ” قرار حرب ” قد ينتهي بسلام للشجعان كما حدث مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات و الذي إستطاع خوض حرب إقليمية لإستعادة الأرض وفق قواعد إشتباك واضحة و تقدير موقف متناسب للقدرات و النتائج المرجوة و النتيجة كانت سلام مستدام و دائم بين مصر و إسرائيل و تطبيع ديبلوماسي للعلاقات الثنائية .

في غياب رغبة إسرائيلية واضحة لإنهاء مسلسل العنف في الشرق الأوسط و تهرب نيتنياهو من إجراء صفقة سياسية تنتهي بوقف مستدام لإطلاق النار في القطاع و إطلاق مباحثات السلام و تمسكه بتفاصيل تقنية كالوضع المستقبلي في محور فيلاديفيا و عدم تنفيذ إنسحاب فوري و بقاء الجيش في القطاع و رغبته في إجراء  تفتيش واسع النطاق للنازحين من جنوب القطاع نحو الشمال فإن الرد الإسرائيلي على عملية مجدل شمس في جميع حالاته ستكون له تداعيات  خطيرة و قد يحتمل حسب العديد من المؤشرات أربع سيناريوهات مترابطة : 

–  السيناريو الأول: من خلال رد محدود واحتوائي تقوم به إسرائيل، يستهدف مخازن السلاح الإستراتيجية و البنية  التحتية لحزب الله دون استهداف مباشر لقيادات الحزب ،  بهدف  الرد على الهجمات حزب الله منذ السابع من أكتوبر  دون التصعيد الذي يؤدي للإنزلاق إلى حرب واسعة النطاق و هذا السيناريو  على محدودية تأثيراته الجيوسياسية و انتقائية أهدافه  في استخدام القوة  يهدف أساسا  إلى إحتواء الوضع والردع الإستراتيجي دون السقوط في مستنقع  إلى حرب شاملة .

– السيناريو الثاني: من خلال إستهداف إسرائيل لبنك أهداف يتضمن  قيادات عسكرية كبيرة في الجناح العسكري و السياسي لحزب الله مع توسع الضربات الجوية جغرافيا لإستهداف قواعد و معسكرات  حزب الله في كل لبنان و ربما في خارج لبنان و هو ما قد يؤدي إلى رد قوي من حزب الله والدخول في دورة تصعيد عسكرية محدودة لإدراك قيادة حزب الله أن ثمن المواجهة الشاملة سيكون تدميرا لاكثر من 70٪ من قدرات الحزب العسكرية و الميدانية بهدف إلحاق ضرر أكبر بقدرات حزب الله دون التطور إلى حرب شاملة.

-السيناريو الثالث: و هو السيناريو الأكثر تصعيدًا، حيث  تقوم إسرائيل بالإستفادة سياسيا من  حادث  مجدل شمس لتغيير قواعد الإشتباك الإقليمية  وشن هجوم واسع النطاق على أهداف لحزب الله في لبنان و خارج لبنان إن دعت الضرورة مع إمكانية دخول أدوات إيران الإقليمية كميليشيا الحوثي و الميليشيات الشيعية في العراق و سوريا و حماس في الضفة والقطاع بعمليات عسكرية إستراتيجية لإسناد حزب الله و قد يتورط الحرس الثوري بشكل مباشر في حالة تطور الموقف إلى ضربة جوية إسرائيلية على مواقع في عمق إيران و  هذا السيناريو المخيف يمثل حربًا شاملة مدمرة  وصراعًا طويل الأمد قد يغير المعادلات الإقليمية في الشرق الأوسط.

– السيناريو الرابع : و هو  من بين الخيارات الأكثر قربا لخطط  الجيش الإسرائيلي و لرغبات حكومة الحرب في تل أبيب من خلال القيام بحرب برية خاطفة على شكل عملية جراحية دقيقة في لبنان بإستهداف قدرات حزب الله العسكرية و قياداتها المركزية و بشكل خاص إستهداف هيثم علي الطبطبائي منسق العمليات الخاصة لحزب الله في لبنان و سوريا و اليمن و العراق تنتهي بطرد كتائب النخبة العسكرية التابعة لحزب الله و بشكل خاص ” وحدة الرضوان للعمليات الخاصة ” من مواقعها في الجنوب و تفكيك شبكات مقراتها و وسائل الإتصال الخاصة بها و إبعادها إلى ما بعد نهر الليطاني و هو ما يذكرنا  ” بعملية الليطاني ” التي قام بها الجيش الإسرائيلي في مارس 1978 وكانت تهدف إلى القضاء على المنظّمات الفلسطينيَّة المتمركزة في جنوب لبنان، وتدمير بنيتها التّحتيّة، من أجل الحدّ من عمليّات الهجوم التي كانت تقوم بها ضدّ إسرائيل وسُكّان المناطق الشّماليّة فيها.

في جميع السناريوهات المطروحة ، هناك مخاطر كبيرة على الاستقرار الإقليمي وإمكانية تصعيد النزاع إلى حرب شاملة ،  أي قرار عسكري دون إتخاذ مايلزم لدراسة التداعيات المحتملة قد يكون له عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها ، التصعيد الغير المحسوب قد ينتهي بسقوط الآلاف من الأطفال في مرمى نيران المدفعية الثقيلة الإسرائيلية كما حدث في قطاع غزة و هو الوضع الذي لا يحبه داعمو إسرائيل في العالم و بشكل خاص في واشنطن ، في غياب مقاربة سلام متوازنة في الشرق الاوسط و فشل مختلف الفاعلين على تدبير آليات صنع السلام الدائم  يظل الإحتمال بالانتقال إلى تصعيد النزاع في مرحلة شديدة الخطورة قائما، وأي قرار عسكري متسرع قد يكون له عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها ،  و هو الأمر الذي يجب على صناع القرار مراعاته في هذه المرحلة الحساسة من خلال دراسة جميع السيناريوهات المحتملة بعناية والتقييم المتأني لآثار أي عمل عسكري محتمل و بشكل خاص على  المدنيين والبنية التحتية في المنطقة من خلال تجنب الخطوات الأحادية بين الطرفين التي قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد والحرص على التناسب والتناسق في أي رد فعل عسكري محدود في غياب خطط طوارئ شاملة لحماية المدنيين وتقليل الخسائر في صفوفهم إلى الحد الأدنى في حال إندلاع مواجهة عسكرية و بشكل خاص في الجانب اللبناني حيث سيظل هو الآخر مجالا مفتوحا للمتاجرة بدماءه الضحايا و صور الدمار من طرف تجار الأزمات و الحروب .

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button