أخبارالرئيسيةكلام والسلام

خطاب الانتصار يستشرف قرب تفكيك المخيمات

بصم الخطاب الملكي لافتتاح الدورة التشريعية الحالية على محطة جديدة في مسار مسلسل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، محطة تنقله من فعل التدبير إلى فعل التغيير في استراتيجية التعامل مع هذا الملف الذي طال أمده، وأرهق مقدرات وطاقات المنطقة المغاربية بأكملها، وعطل فيها عجلة التنمية.

لم يكن الخطاب الملكي يرمي بالورود على المستقبل، ولا يستشرف أضغاث أحلام، أو يضع مسكنات ظرفية لأزمة طالت واستهوت الأعداء، كما استحْلت لمن وجدوا في إطالتها دوام امتصاص “بزولة” خيرات منطقة شمال أفريقيا على حساب معاناة إخواننا المحتجزين في صحراء الرابوني جنوب الجزائر.

وإنما كان خطابا مؤسسا لمرحلة تاريخية مقبلة وفاصلة في مسار قضية شرعية وحدتنا الترابية، بانيا استراتيجيته على أسس منطقية وواقعية، بعدما كسب صوت المنتظم الدولي ودعم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وتناغم كل من الصين وروسيا مع الطرح المغربي في مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية.

أيضا، أسس خطابه المفصلي على الدعم القوي لأشقائه العرب وفي مقدمتهم دول الخليج العربي، كما اكتسب دعما غير مسبوق للدول الافريقية لعدالة قضية وحدتنا الترابية، والذين آمنوا بعدالتها وأحقيتها للمملكة المغربية, بل أكثر من ذلك شرعوا في الدفاع عنها في المحافل الدولية، ويعقدون مؤتمرات دولية لتعبئة من لازال في نفسخ ذرة ريب أو شك في مغربية الصحراء، ويطالبون منذ مدة بطرد البوليساريو، الكيان الوهمي، من منظمة الاتحاد الافريقي لعدم توفره على الشرعية القانونية داخل هذه المنظمة التي كان المغرب أحد الأعضاء الأساسيين المؤسسين لها سنة 1963.

خصوصا بعد عودته إلى بيته الافريقي سنة 2017، وتمكنه في ظرف وجيز من أن يتحمل مسؤوليات مهمة في العديد من مؤسسات منظمة الاتحاد الافريقي، وقام بمبادرات لافتة في العمق الافريقي سياسية وتنموية.

أيضا أسس الملك محمد السادس خطابه التاريخي على الدعم الكبير للدول الأوروبية وفي مقدمتها إسبانيا لأهميتها في الاستراتيجية الملكية لطي ملف الصحراء بشكل نهائي، بالنظر لقربها وعمق فهمها للملف بشكل جيد بمعية فرنسا التي اعترفت بقوة هي الأخرى بمغربية الصحراء ولو بعد حين. نظرا لعلاقة كل من فرنسا وإسبانيا بالمغرب وفهمهما لحيثيات وتداعيات النزاع الجزائري -المغربي التاريخي، إضافة إلى بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وهولاندا وغيرها من دول أوروبا.

هذا إضافة إلى الدعم الأسيوي والأمريكي اللاتيني، ودعم الهند التي سحبت اعترافها بالبوليساريو سنة 2000، إثر زيارة رئيس الوزراء المغربي أنذاك عبد الرحمن اليوسفي إلى نيودلهي.

كل هذا الزخم الدبلوماسي الرسمي والشعبي التشاركي التلقائي والمبادر، المنفتح على كل المبادرات الجادة والماتح جديته ويقينه وايمانه بعدالة ملف مغربية الصحراء، من تنوعه الفعال للدبلوماسية الموازية التي حرصت الأحزاب السياسية ونواب الأمة والمجتمع المدني ومجتمع الاعلام والتنظيمات المهنية والباحثين والأكاديميين والمؤثرين المغاربة وغيرهم، حرصت جميعها على الدفاع وبشراسة ويقين وإثباتات تاريخية وجغرافية وقانونية على شرعية ملف الصحراء في مختلف المحافل الدولية.

وبالتالي كان الاقناع فالاقتناع، وانكشف الغطاء، فكشفت الحجة والبيان ضلال وبهتان أعداء وحدتنا الترابية، قال الحق تعالى(وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)، بهذا أكد جلالة الملك أن لا مفر لمن لا يزالون يلوكون أسطوانة “تقرير المصير” أن يتعظوا ويعودوا عن ضلالهم وغيهم وبهتانهم من أجل العمل سويا لنهضة تنموية في منطقة شمال أفريقيا التي يتطلع شعوبها إلى الوحدة والتكامل والعيش الكريم.

إن الخطاب الملكي وهو يعلن عن مرحلة للتغيير في ملف مغربية الصحراء، فإنه يؤكد ثبات المغرب على تنفيذ استراتيجيته التي لا تروم فقط خدمة القضية الوطنية الأولى للمغاربة، وإنما تهدف في شموليتها خدمة السلم والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي السهر على تتميم برنامجه الاستراتيجي التنموي في عمق القارة الافريقية والذي كانت المملكة المغربية وبحرص شديد من جلال الملك قد شرعت في تنفيذ هذا البرنامج منذ أكثر من عقدين من الزمن، تم ذلك خلال زيارات عاهل البلاد المتكررة لأفريقيا وتوقيع العديد من الشراكات الاستراتيجية التنموية والسياسية مع الدول الافريقية، أبرزها المشروع العملاق لربط غاز نيجيريا بالمغرب والذي أشرك فيه 11دولة أفريقية قبل أن ينتقل إلى أوروبا عبر قناة الغاز المغرب العربي-أوروبا.

إن التغيير في ملف الصحراء، هو القطع مع كل تلاعب فيما يتعلق بهذا الملف، والحزم أكثر فيما يتعلق بالعلاقات مع الدول على قلتها التي ما تزال تترنح في اعترافها بمغربية الصحراء، والقطع وبشكل نهائي مع أطروحة الوهم رغبة في التسريع بحل هذا النزاع وطيه في الأمم المتحدة وإلى الأبد، وبالتالي فتح السجن الكبير لمخيمات الرابوني حيث المغاربة الصحراويون محتجزون منذ حوالي نصف قرن في ظروف لا إنسانية انعدمت فيها كل الشروط الدنيا للحياة، حيث تمارس ميليشيات البوليساريو وبدعم من النظام الجزائري غطرستها وقتلها الممنهج لكل من عارضها أسلوبها في تدبير شأن المخيمات.

من هنا تأتي ضرورة النظر إلى العلاقات مع المغرب عبر ممر نظارات ملف مغربية الصحراء، كما سبق وأن اشترط ذلك ملك البلاد في خطاب سابق، لتعزيز علاقات المملكة الخارجية. بالنظر إلى ما تشكله الصحراء، التي تبقى أولوية مغربية في الشراكات المغربية الخارجية وفي التوازنات السياسية الدولية التي تنبني على المصالح المشتركة فيما بين الدول بناء على احترام السيادة الوطنية واستقلال القرار السيادي والتكامل فيما يحفز مستقبل هذه الشراكات ويعزز العلاقات البينية فيما بين الرباط وباقي الدول.

ولذلك أرى أن الخطاب الملكي إعلان عن انتصار لقضية شرعية عادلة، لم يبق للمنتظم الدولي إلا طيها بشكل نهائي، وفي أقرب وقت. ووضع برنامج زمني قريب لتفكيك مخيمات المحتجزين في صحراء تندوف وتجريد ميليشيات البوليساريو من أسلحتها حتى لا تشكل خطرا على أمن واستقرار الصحراء والساحل.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button